قبل مدة كلمني شخص عن ظلم تعرض له، فقلت سأكتب مذكرا نفسي وإياكم بخطورة الظلم، ثم تأخرت في الكتابة حتى جائني اليوم فكتبت فيه:
والذي أراه أن الناس تساهلت كثيرا في الظلم في هذا الزمان، حتى أصبح بعضهم يستلذ رؤية الناس تعاني الآلام، أصبح الابن يظلم أباه الذي رباه وتعب عليه، فلا بر ولا صلة ولا نفقة ولا تقدير ولا توقير، وتجد صاحب العمل يظلم موظفيه، فيعاقبهم بسبب وبدون سبب وفق قاعدة الخير يخص والشر يعم، وآخر يعاقب الموظفين ممن هم دونه ولا يعدل بينهم، والمولى عز وجل في الحديث القدسي يقول "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولا يده إلى عنقه فكه بره أو أوثقه إثمه أولها ملامة و أوسطها ندامة و آخرها خزي يوم القيامة"، فتخيل من هم تحت مسؤوليتك ممن استراعك الله إياهم، هل هم عشرة؟ إذا كان كذلك فلن تكون سالما يوم القيامة، وستأتي المولى عز وجل ويدك مغلولة إلى عنق، فإما يفك قيدك برك وإما أن يوثقه اثمك، وما أشد أن نأتي يوم القيامة نعاني من الخزي والندامة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الظلم أسبابه كثيرة، لكن من جملة أسبابه:
1- أن الظالم يعاني من أمراض نفسية ويتلذذ ببهدلة الناس، فتراه يفرح كثيرا إذا أخر معاملاتهم ورائهم مترددين عليه وكأنه سلطان زمانه، وهذا ينجم عن عقلية مريضة حتما.
2- الطمع، فالطمع مدعاة لظلم الناس ببخس حقوقهم والاستيلاء على حقوقهم وكسرهم كمنافسين وكبح الرغبة الفطرية في قلوب الناس الباحثين عن الرزق.
3- ضياع المشاعر الانسانية من نفسية الظالم، وعدم احساسه بالآخرين، وعدم اكتراثه سوى لمصلحته الشخصية.
لكن تعالوا معنا لنسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الظلم، قال "أمر بعبد من عباد الله يضرب في قبره مئة جلدة ، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة ، فامتلأ قبره عليه نارا ، فلما ارتفع وأفاق قال : على ما جلدتموني ؟ قال : إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره".
قد تمسك رأسك أخي الكريم وتتسائل "كم مظلوم ظلم أمامي فلم أتكلم... انا اذا مستحق للعقاب"، فقلي بربك ماذا يفعل الظالم؟
إذا كان مرور هذا الانسان أما مظلوم وسكوته جعله مستحقا لعقوبة تشعل عليه القبر وتجعله نارا، فأخبرني ما هي عقوبة الظالم؟
إذا كان هذا الانسان مستحقا لمئة جلدة، وخففت حتى نزلت إلى واحدة، وهذه الواحدة اشعلت القبر نارا، أخبروني كم جلدة ستكون للظالم؟
وقف معي مع قوله تعالى:
(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة. إن أخذه أليم شديد)
وجميعنا يعلم ماذا تعني "أليم شديد" إذا قرنت بوصف عقوبة المولى عز وجل، أخذ أليم وشديد، لا يبقى ولا يذر، يجعل الظالم يضرب أخماسا في أسداس، نادما على ما فعل، ولات حين مندم، ندم حيث لا ينفع فيه الندم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته)
الا تستشعر معي قشعريرة ببدنك، إن الإملاء ليس تأخيرا للعقوبة، بل تأخير العقوبة لأجل الإملاء، فالله يؤجل العقوبة على هذا الانسان حتى يتمادى في ظلمه وغيه، حتى إذا أخذه الله بظلمه كان الأخذ عظيما، فلو شاء الله لعاقبه بظلمه الأول فكان بذلك عقوبة قد يستطيع بها تدارك أمره فيتوب ويندم، وهذا حال كثير من الناس، ولكن الله يشاء أن يملي للظالم، فيعطيه ما يريد من سلطان وقوة وقدرة، ولكن ماذا تكون النهاية، أن الله يحول بينه وبين ما يشتهي، قال تعالى (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل).
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعوة المظلوم، تلك الدعوة التي اهتزت لها المدن الظالمة، دعوة نوح (إني مغلوب فانتصر) فاعقبها نصر الله (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر)، ودعوة موسى عليه السلام على بني إسرائيل (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)، فعاقبهم الله تبارك وتعالى بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة، ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض رجال قومه (اللهم عليك بأبى جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط)، يقول ابن مسعود رضي الله عنه (فوالذى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر).
إن كثيرا من الظالمين يظنون أن تمتعهم بالمال والجاه والسلطة والكرسي والإدارة والتسلط على الآخرين يعني أنهم على خير، وهذا الحديث فيه الدلالة على عكس ما يقولون، وقال تعالى (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اتقوا دعوة المظلوم ، فإنها تحمل على الغمام ، يقول الله : وعزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين)
اضحك يا ظالم ملئ فيك، فالله يقول للمظلوم "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، هل تتخيل نفسك تقود جيشا لتواجه المظلوم، فيكون الساعي لنصرة المظلوم ليس جيشا، ولا ألف جيش، بل رب الأكوان الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، فهل لك قبل به:
ربنا الرحمن حي لم ينم
اوجد العالم حقا من عدم
حكمه ينفذ فينا إن حكم
كتب الموت على الخلق فكم
فل من جيش وافنى من دول
هي دعوة تحمل على الغمام إلى السلام، فيحل سلامه على المظلوم ويحل غضبه على الظالم:
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إياكم و دعوة المظلوم ، و إن كانت من كافر، فإنه ليس لها حجاب دون الله عز و جل)
فإياك أن تظم أن فجور هذا المظلوم أو كفره مدعاة لظلمه، فإن استثناء من الإيمان لا يستثنيه من نصرة الله له، فاحذر ان تظن أن الكافر والفاجر أو الفاسق والعاصي غير مستجاب الدعوة، بل هو مستجاب الدعوة ما دام مظلوما.
إن الظالم ليضطر هذا المظلوم ويلجئه لأضيق السبل، فلا يكون لهذا الضعيف إلا (أوسع السبل) وهو سبيل المولى عز وجل فيرفع يديه تخفق بالدعاء حتى يظهر بياض إبطيه من الاحساس بالظلم والضيم، ويقول "اللهم كن لي جارا ممن ظلمني، اللهم انصرني على من ظلمني، اللهم خذ من ظلمني أخذ عزيز مقتدر، اللهم أره من الحياة ما يحب حتى إذا جعلته بين يديه حُل بينه وبين ما يشتهي، اللهم عليك بأعوانه، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر منهم أحدا"...
نعم ينام الظالم وهو يستدعي قبيل نومه ما فعله بالمظلومين متشفيا بهم، لكن أين عين المظلوم؟
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينيك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم
ينبغي على العاقل أن يسعى قدر الوسع والطاقة ان يتحلل من حقوق الناس، هناك من اقترضنا منه مالا، فهل رددنا حقه؟ هناك من ظلمناه فهل رددنا مظلمته؟
حسبنا الله ونعم الوكيل.