النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الفتاوي المتسرعة تحتاج إلي وقفة‏

  1. #1
    عضو محترف الصورة الرمزية NaAZoOR
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    8,698
    الدولة: Egypt
    معدل تقييم المستوى
    46

    الفتاوي المتسرعة تحتاج إلي وقفة‏

    نشرت جريدة الأهرام المصرية مقالاً أحب أن أشارككم فيه لأستفيد من اراؤكم و خبراتكم حول موضوعه و هناك جزء بخط غليظ يهمني جداً يهمني معرفة الآراء عنه ...

    تحقيق‏:‏ عمرو جمال

    علي الهواء مباشرة وأمام حشد عظيم من الرجال والنساء والأطفال تأتي الإجابة إما بتطليق تلك المرأة من زوجها‏,‏ أو بإلزام ذلك الشاب بترك عمله ذي الرزق الحرام‏,‏ وهذه حجها باطل‏,‏ وذاك صلاته غير صحيحة‏....‏ أحكام تسقط مدوية علي مسامع طالبي الفتوي لتعلن هدم أسرة أو خروج إنسان عن تعاليم دينه‏,‏ والغريب انها تصدر من مفتين‏,‏ علماء كانوا أو دعاة أو وعاظا أو غيرهم‏,‏ في ثوان معدودة ولكن تكلف الآخرين وقتا وجهدا ومالا‏,‏ بخلاف ما يصاحبها من هم وضيق‏...‏ وكل ذلك لا يهم مادام كان الهدف هو إرضاء رب العالمين‏,‏ لكن هل يرضي الله عن مثل هذا التعجل والتسرع ممن يتصدرون للرد علي فتاوي الناس ويجلسون علي مقاعد الأنبياء ويوقعون بالنيابة عن رب العالمين من دون أن يهابوا هذا المقام؟‏!‏

    وحتي لا نتجني علي عصرنا‏,‏ أكثر مما يعانيه‏,‏ فإنها ظاهرة قديمة‏,‏ فما خلا عصر من هؤلاء المتسرعين غير المؤهلين للفتيا‏,‏ وان كنا تفردنا عن السابقين بهذا الكم الهائل منهم والذين أضاعوا بفتاواهم المتسرعة حلم البسطاء في توثيق علاقتهم بالله فانقلبت سعادتهم ومازادتهم تلك الفتاوي إلا نفورا من طريق الهداية‏,‏ وفي ظل هذا التخبط والضياع بين الفئتين‏(‏ مفتين ومستفتين‏)‏ أهدينا ــ بقصد أو غير قصد ــ للمتربصين بالاسلام فرصة ذهبية لكي يتهموه بالجهل‏,‏ والحقيقة أنه جهل أتباعه‏(‏ الاسلام‏)‏ الذين لم يفرقوا بين العالم الذي ينبغي ان يتوجهوا إليه بفتاواهم وبين من يدعي العلم أو غير المؤهل‏,‏ فإلي كل من ضل وتاه في غيابات ودروب الفتاوي‏...‏ وقفة مصيرية‏...‏ لنعرف من نستفتي؟ ومتي؟ وأين؟‏.‏

    لغة واصطلاحا
    في لسان العرب أفتاه في الأمر أبانه له‏,‏ وأفتي الرجل في المسألة واستفتيته فيها فأفتاني افتاء‏,‏ وأفتي المفتي إذا أحدث حكما‏,‏ وقوله تعالي يستفتونك قل الله يفتيكم‏(‏ النساء‏:176)‏ أي يسألونك سؤال تعلم‏.‏

    والفتيا بالياء وضم الفاء‏,‏ والفتوي بالواو وضم الفاء‏,‏ والفتوي بالواو وفتح الفاء كلها تعبر عما يفتي به الفقيه‏,‏ وفي المصباح المنير‏,‏ الفتوي‏,‏ اسم من أفتي العالم إذا بين الحكم‏,‏ واستفتيته سألته أن يفتي‏,‏ ويقال أصله من الفتي وهو الشاب القوي‏,‏ والجمع الفتاوي بكسر الواو علي الأصل‏,‏ وقيل يجوز الفتح للتخفيف‏,‏ والإفتاء في الاصطلاح‏:‏ هو الإخبار بحكم الله تعالي عن دليل شرعي لمن سأل عنه في أمر نازل‏.‏

    أشد أنواع الظلم
    الإفتاء عظيم الخطر كثير الفضل‏,‏ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ‏,‏ ولهذا قالوا المفتي موقع عن الله تعالي‏,‏ لذا فالتصدر للإفتاء كما يوضح الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية ــ جامعة الأزهر‏:‏ أمر خطير وعظيم‏,‏ لأن الله سبحانه حرم القول عليه بغير علم‏,‏ بل وجعله في المرتبة العليا من التحريم‏,‏ وذلك في قوله سبحانه قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا علي الله ما لا تعلمون‏(‏ الأعراف‏:33),‏ وقوله تعالي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون‏(‏ النحل‏116)‏ ففي الآية الأولي رتب الله الحكيم في تشريعه المحرمات بادئا بأدناها وهي الفواحش ثم ما هو أشد الإثم والظلم ــ ثم بأكبرها الإشتراك بالله أن تقولوا علي الله ما لا تعلمون وهذا عام في القول في ذات الله وصفاته ودينه وتشريعه‏,‏ أما في الآية الأخري أبان الله سبحانه أنه لا يجوز للمسلم أن يقول هذا حرام وهذا حلال‏,‏ إلا إذا علم أن الله سبحانه وتعالي حرمه أو أحله‏.‏

    كما نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الفتوي بغير علم فقال‏:‏ من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتا في جهنم‏,‏ ومن أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتاه وقال أيضا‏:‏ أجرؤكم علي الفتيا أجرأكم علي النار‏.‏

    فالذي أفتي ممن يدعي أنه عالم من الخطباء والدعاة والوعاظ والمحاضرين والمرشدين الذين يقومون بالاستعجال في الفتيا دون معرفة آراء الفقهاء والعلماء وأدلة كل رأي ووجه الدلالة من الأدلة ورد كل فريق علي الآخر‏,‏ فهؤلاء ارتكبوا ذنبا عظيما حيث إنهم يلعبون بدين الله ويتقولون عليه وعلي رسوله‏,‏ ويفتحون للناس أبوابا إلي المعاصي والذنوب والتحايل علي دين الله وانتشار الفسوق بدعوي انها إرادة الشرع‏.‏

    ويؤكد أن الفتوي علم وفن يختلف باختلاف الحال والزمان والمكان‏,‏ فقد يكون المرء عالما لكنه لا يجيد الفتوي‏,‏ وذلك لعدم معرفته بطبائع الناس وأحوالهم‏,‏ لذا يتعين علي المفتي أن يعلم حال المستفتي ولا يقنط الناس من رحمة الله ولا يجرئهم علي معصية الله ولا يدفعهم للأخذ بالآراء الشاذة ورخص العلماء‏.‏

    وقد أعطي الإمام الشافعي القدوة في ذلك حيث وضع منهجا له يعرف‏(‏ بالقديم‏)‏ حين كان في العراق‏,‏ فلما جاء إلي مصر واختلفت فتاواه بسبب اختلاف المكان وضع منهجا آخر سماه‏(‏ الجديد‏)‏ وذلك لا يعد تجرؤا علي دين الله‏,‏ ولكنه إعادة استقراء لنصوص الشرع واستخراج ما هو موافق لكل قوم في عصرهم‏,‏ وهذا يدل علي سعة فقه وعلم الامام الشافعي رحمه الله تعالي‏.‏

    تحكمها قواعد وأصول
    ويشير الدكتور مصطفي مراد إلي أن هذا العصر قل فيه الفقهاء‏,‏ وهذا مما أخبر به رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ سيأتي زمان يكثر فيه خطباؤه ويقل فيه فقهاؤه‏,‏ وأصبحنا نري ان كل من أجاد في خطبة أو موعظة أو لقاء حسب نفسه مفتيا مجتهدا وحسبه كثير من المسلمين هكذا ووضعوه في مكان الفتيا‏.‏

    كما يوضح أن التسرع في الرد علي الفتوي لا يقصد به الزمن الذي يلزم المفتي للرد وإنما المقصود بها التسرع في الإجابة بدون علم ومعرفة كاملة‏,‏ وانما يكتفي بالمعرفة الهامشية‏,‏ أما السرعة الزمنية في الرد علي الفتوي فليست عاملا مؤثرا إذا كان المفتي علي فهم ودراية بالحكم الشرعي وإن لم يستحضر جميع الأدلة في وقت الرد علي الفتوي‏,‏ لكن الاهم أن يكون ملما بالقواعد العامة لأصول الشريعة‏,‏ وذلك يتأتي بالمعايشة المستمرة للمواد الشرعية ولأحوال الناس‏,‏ وبذلك يكون عنده استقراء للأحكام الشرعية بما يوافق المعقول والمنقول ولا يخالف الاصول‏.‏

    وهناك قواعد كثيرة ينبغي علي المفتي الإلمام بها منها‏,‏ قاعدة‏(‏ درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح‏)‏ والضرورات تبيح المحذورات‏,‏ وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب‏,‏ ومصلحة الجماعة مقدمة علي مصلحة الفرد وارتكاب أخف الضررين وسد الذرائع والمشقة تجلب التيسير وغيرها الكثير من القواعد العامة التي يزخر بها الفقه الإسلامي‏.‏

    ويؤكد أن هذه المعايشة للمواد والقواعد الشرعية هي أهم ما يميز علماء وخريجي الأزهر‏,‏ فالطالب الأزهري يظل يدرس الفقه لمدة احد عشر عاما بدءا من المرحلة الإعدادية‏,‏ بالإضافة لمدارسته القرآن الكريم وعلومه وعلوم الحديث والعقيدة والنحو والصرف‏,‏ وهذه هي الاصول التي يعتمد عليها المفتي بجانب معرفته أحوال الناس وأفكارهم وما يغلب عليهم‏,‏ لذا فإن علماء الأزهر المؤهلين الذين لم يكتفوا بالدراسة فقط تكون فرصتهم أكبر في إجادة هذا المنصب الكبير‏(‏ الفتيا‏)‏ الذي يعد من أرفع المناصب حيث تقلده أعظم البشر رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏

    الدين كله حياء
    للفتيا في وسائل الإعلام وبخاصة الفضائيات مصالح ومفاسد‏,‏ وإيجابيات وسلبيات‏,‏ ولن يتم استغلال هذه الوسائل في نفع الناس وتبصيرهم بأمور دينهم إلا بالقضاء علي السلبيات المتعددة‏,‏ والتي يقسمها الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي السابق إلي ثلاث فئات فيقول‏:‏ ان الفئة الأولي تتعلق بالقائمين علي هذه الفضائيات من مذيعين ومعدي برامج وهؤلاء يربط بينهم صفة عدم التخصص والاستعداد‏,‏ وعدم مراعاة الأبعاد الدينية والخلقية لما يجب أن يذاع علي الهواء‏,‏ والمبدأ الخاطيء لاحياء في الدين فالدين كله حياء والصواب انه لا حياء في العلم‏,‏ وقد اشتهرت برامج دينية بين الناس بسبب سعيها للحديث عن مختلف الموضوعات والقضايا دون اعتبار للمستويات العمرية التي تسمع وتشاهد وما ينبغي ان يقال لهم‏.‏

    الفئة الثانية وتتعلق بالضيوف‏(‏ المفتون‏)‏ وهؤلاء هم السبب الرئيسي في تحول الفتاوي إلي سوق تجمعهم صفة التسرع دون استيعاب السؤال‏,‏ وليست كل المسائل المستفتي فيها يجاب عنها في بضع ثوان‏,‏ بل بعض المسائل تحتاج إلي النظر في الدليل‏,‏ وأقوال من سبق من أهل العلم‏,‏ وربما احتاج الأمر إلي تفصيل وتحليل‏,‏ ولا يحسن فيه الإجمال‏,‏ وربما كانت المسألة من النوازل الحادثة المستجدة ما نحتاج إلي عناية وتأمل‏,‏ وإعمال فكر‏,‏ ومراجعة من المفتي وبحث‏,‏ وسؤال المختصين عن حقيقتها‏,‏ ونحو ذلك‏,‏ وكل هذا وغيره قد يتعارض مع طبيعة برامج الفضائيات التي تقوم علي سرعة الأداء وأن تكون الإجابة في سرعة عن السؤال المطروح‏.‏

    ويشير إلي أنه بسبب كون هذه البرامج الدينية منافسة لغيرها‏,‏ أو لقلة البرامج الدينية وكثرة المشاهدين والمتابعين فيصعب معه تغطية الاحتياجات فقد دخل في هذا المجال من ليس من أهل صناعة الفتوي‏,‏ مما كان له أسوأ الأثر علي المستفتي‏.‏

    فتستضيف هذه القنوات من لا يرتبطون بمستوي معين من التخصص العلمي ولا من الخبرة ولا من الاختصاص الوظيفي‏,‏ وإنما يبحثون عن تقييم وجوه جديدة ومغايرة بغض النظر عن الكفاءة والملاءمة‏,‏ بل يستدعون للإجابة علي أسئلة الناس من ليس بينهم وبين الفقه والشرع أي تواصل علمي لمجرد شهرة أو شكل‏.‏

    كما ان من بين الضيوف هواة وأصحاب هوي ومنهم من يبحث عن الغرائب ليقدمها للناس دون مراعاة لما ستحدثه من خلاف وفتنة‏,‏ وفي الغالب لا يكون له سند علي ما يقول إلا أنه ينقل قولا لبشر من قرون سابقة وأن خالف هذا القول جمهور الفقهاء‏.‏

    وعلي جانب آخر هناك من الضيوف من هم حسنو النية ولكنهم يتجرأون علي الفتوي بالإطار العام دون النظر الي القواعد الخاصة بكل باب من أبواب الفقه وبكل قاعدة من قواعد الشرع‏.‏

    أما الفئة الثالثة فهم جمهور المتواصلين مع البرامج والذين مازال الكثير منهم لا يعير قاعدة الحياء الديني والخلقي ولا المنطق الإسلامي أي اهتمام حتي أصبحنا نسمع من امرأة كبيرة ومتزوجة وأنجبت أكثر من مرة‏,‏ أو فتاة متزوجة بالغة ومتعلمة‏,‏ أسئلة عن قواعد الغسل من الجنابة أو التطهر من الحيض‏,‏ فهل من المعقول أن هؤلاء عاشوا هذا العمر ولم يكن حوله أئمة أو مدرسات أو أمهات حتي يتعلمن منهن‏!‏ إن هذا يعد من التدني الذي يصم الأمة الأسلامية بالجهل‏,‏ فليس عيبا أن يسأل المرء عن قواعد دينه لكن علي ألا يسقط في مثل هذه الإباحية وكثرة أسئلة في أمور تسقط الحياء‏.‏

    ملاءمة بين الحكم والواقع
    ويقول الشيخ جمال قطب‏:‏ ان تجاوز الحد في الأسئلة حول هذه البرامج إلي وسائل لفضح أسرار البيوت‏,‏ وكان الأولي ان يتم توجيه مثل هذه الأسئلة إلي لجان الفتوي بالأزهر أو دار الإفتاء أو إلي إمام المسجد القريب‏,‏ ولا تعرض هكذا يتلقاها الصغير والكبير‏.‏

    ويؤكد أن هذه الأدوات الإعلامية من شاشات تليفزيون وموجات إذاعة يجب ان تركز علي المستجدات والقضايا المعاصرة والتعليم الحديث وتدرج الفتوي كجزء من هذه المنظومة التي تناقش كل جديد‏,‏ فحينها يظهر دور العلماء في الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية المعاصرة‏,‏ أما ضرورات الإنسان فيجب ان يتلقاها بين البيت والمدرسة والمسجد كما كان عهدنا‏.‏

    ويؤكد ضرورة التفرقة بين الحكم الشرعي والفتوي فيقول‏:‏ إن الأحكام الشرعية نصوصها موجودة بين القرآن الكريم والسنة النبوية ونصوص الإجماع‏,‏ وهي ملزمة للجميع والسؤال عنها يعد من قبيل الاستعلام‏,‏ والإجابة تكون بيانا للحكم الشرعي‏,‏ أما الفتوي فهي ملاءمة بين فقه الواقع والحكم الشرعي‏,‏ ولتوضيح ذلك يقول ان السؤال مثلا عن عدد ركعات صلاة العصر‏,‏ يعد سؤالا عن حكم فقهي أو شرعي لا خلاف فيه ولا فتوي‏,‏ أما السؤال عن كيفية أداء نفس الصلاة‏(‏ العصر‏)‏ لرجل مرهق علي سفر‏,‏ فهنا لابد للفقيه ان يلاحظ مسافة القصر والحالة الصحية للمسافر وبناء علي ذلك يختار له إما القصر أو الجمع أو الاثنين معا‏,‏ وصفة صلاته هل يصلي قائما أو قاعدا‏,‏ فهذه هي الفتوي والتي ينبغي فيها إدخال الواقع تحت مظلة الحكم الشرعي حتي يتم الإجابة عليها‏.‏

    بشرط إجازة العلماء
    علي الرغم من أن هناك خمسة شروط وضعها العلماء للمفتي هي‏,‏ الإسلام والتكليف والعدالة والاجتهاد ويقظة القريحة‏(‏ البصيرة‏),‏ إلا أن هناك مواصفات أخري لا يطلع عليها أحد إلا الله‏,‏ ويجب توافرها فيمن يتصدر للإفتاء‏,‏ يشير الدكتور عبدالله سعيد أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الي أن أهمها‏:‏ الأمانة فينبغي علي من يتصدر للإفتاء ان يكون أمينا‏,‏ كما يجب أيضا أن يكون شجاعا لا يخاف في الله لومة لائم‏,‏ فلا يكتم علمه ان كان يعلم‏,‏ وان لم يكن يعلم فلا يخجل ان يقول‏(‏ لا أدري‏),‏ ومن المعاني الغائبة التي يفتقدها الكثيرون ممن تصدروا للفتيا في عصرنا‏,‏ هي الورع‏,‏ ويعني ترفع الفقيه عن الإفتاء خوفا من الله عز وجل وقد كان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التجرؤ علي الفتوي ورعا‏,‏ ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها‏(‏ الفتوي‏)‏ غيره‏,‏ وقد قال ابن عباس‏ :‏ إن كل من أفتي الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون‏),‏ وهذه الجرأة علي الفتيا تكون بسبب قلة العلم‏,‏ فإذا قل العلم أفتي الرجل عن كل ما يسأل عنه بغير علم‏.‏

    ويؤكد ان تعلم العلم وأصوله من الكتاب‏(‏ القرآن الكريم‏)‏ والسنة وعلومهما‏,‏ ليس وحده المؤهل للتصدر للفتيا ولكن ينبغي ان يمنح الفقيه إجازة من كبار العلماء أنه أصبح مؤهلا للرد علي الفتوي‏,‏ وإلا فهناك الكثير من الفقهاء الحافظين ولكنهم غير متمرسين ولا يستطيعون الإفتاء‏,‏ ولذا لم يحصلوا علي إجازة العلماء‏,‏ فالإمام أبو حنيفة لم يعط الإجازة لتلامذته إلا بعد أن صاروا في مستواه علي الرغم من قوة علمهم وحفظهم وكان من بينهم أبو يوسف والشيباني والزهري وغيرهم من الفقهاء والعلماء الكبار‏,‏ ولم نسمع أحدا منهم تصدر للفتيا إلا بعد إجازة من شيخه أبو حنيفة‏,‏ فهناك فرق بين التعلم وبين نقل العلم للناس‏,‏ فهناك مثلا أقوال مختلفة لأهل العلم في المسألة الواحدة‏,‏ وعلي المفتي ان يجيب علي الفتوي بحسب حال السائل ودون استعراض لكل هذه الأقوال فليس كل ما يعلم يقال‏,‏ والإجابة بأن في المسألة قولين أو فيها خلاف تعد دليلا علي عدم أهلية للفتوي فالسائل يريد جوابا لحالته ولا يهمه الآراء الأخري‏.‏

    لا أدري‏..‏ نصف العلم
    الفتيا علم له مناهجه وأصوله والتي أغفلها الكثيرون ممن زعموا لأنفسهم الفضل وخدعهم ثناء الناس لهم‏,‏ الدكتور طلعت عفيفي عميد كلية الدعوة الإسلامية السابق يوضح‏:‏ أن الإجابة علي الفتوي واجب علي العالم إذا كانت لديه إجابة حاضرة سواء كان ذلك من خلال الهاتف أو في وسائل الإعلام المختلفة‏,‏ وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار‏),‏ أما في حالة عدم تثبته من الإجابة فعليه أن يبحث قبل ان يجيب‏,‏ ولكن لأن البعض تجاهل أو أخطأ قول لا أدري فقد كان بالمقابل التسرع هو السمة التي تميز بعض المفتين‏,‏ وكان الأجدر ان يورثوا للسائلين قول لا أدري إلا إذا كانت الأسئلة بسيطة‏,‏ وقد سئل عبدالله بن عمر يوما‏:‏ أترث العمة؟ قال‏:‏ لا أدري اذهب إلي العلماء بالمدينة فاسألهم‏.‏ فلما خرج الرجل قبل ابن عمر يد نفسه وقال‏:‏ نعم ما قال أبو عبدالرحمن‏;‏ سئل عما لا يدري فقال‏:‏ لا أدري‏.‏

    وقال ابن مسعود‏:‏ من كان عنده علم فليقل به‏,‏ ومن لم يكن عنده علم فليقل‏:‏ الله أعلم‏),‏ فإن الله قال لنبيه‏:‏ قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين‏),‏ وقال الشعبي‏:‏ لا أدري‏)‏ نصف العلم‏.‏ إن قول‏(‏ لا أدري‏)‏ يعني التواضع والبساطة ونفي التكبر‏,‏ واحترام التخصص‏,‏ واحتياج كل الناس لمزيد من العلم والبحث والدراسة‏,‏ وإدراك أن هذا المفتي لا يتحدث عن كل شيء وإنما يتحدث عما يعرف‏,‏ وهو ما يقوي قيمة المفتي فيما يتحدث عنه‏,‏ ويبعث الثقة في حديثه وكلامه‏,‏ أما الإصرار علي الإجابة بتعجل فقد أسقط هيبة بعض العلماء وجعل بعض الناس يصرون علي الحصول علي إجابة فيتجه بسؤاله إلي عالم آخر ثم آخر بنفس السؤال بحثا عن الجواب وحبذا ان كان موافقا لهواه‏.‏

    تيسير وليس تتبعا للرخص
    ويشير الدكتور طلعت عفيفي إلي أن من بين الخلل الذي يحدث في عصرنا والعصور التي سبقته هو تتبع زلات أو رخص العلماء‏,‏ ولا شك ان من مقاصد الشريعة التيسير ورفع الحرج وجلب النفع للمسلمين‏,‏ ولكن من الخطأ تبرير الواقع والمبالغة في فقه التيسير‏,‏ فالعمل علي المصلحة لا يعني مخالفة الأدلة الشرعية‏,‏ أما تتبع رخص المذاهب الاجتهادية فهذا المنهج قد كرهه العلماء وحذروا منه‏,‏ وإمامهم في ذلك النبي صلي الله عليه وسلم حين قال‏:‏ إني أخاف عليكم ثلاثا وهي كائنات‏:‏ زلة عالم‏,‏ وجدال منافق بالقرآن‏,‏ ودنيا تفتح عليكم‏),‏ وقد قال الإمام أحمد‏:‏ لو أن رجلا عمل بكل رخصة‏,‏ بقول أهل الكوفة في النبيذ‏,‏ وأهل المدينة في السماع‏,‏ وأهل مكة في المتعة كان فاسقا‏)‏ وقال بعضهم‏:‏ لو تتبعت رخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله‏),‏ فليس معني ان انفراد أحد العلماء بفتوي عن الجمهور ان يتبعها المستفتي وإنما عليه أن يتوجه بفتواه الي أهل العلم الثقات لينظروا في مسألته ويفتوه بالأقوي دليلا‏,‏ كما ينبغي ألا يكثر المستفتي من سؤاله فقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن كثرة السؤال في الدين‏.‏

    ولينتهج المفتي المنهج الوسطي المعتدل ويوازن بين التشدد واللين كل في موضعه بحسب حال السائل‏,‏ وقد جاء رجل إلي ابن عباس فسأله‏:‏ هل لمن قتل مؤمنا توبة؟ قال‏:‏ لا إلا النار‏,‏ فلما ذهب قال له جلساؤه‏:‏ ما هكذا كنت تفتينا‏,‏ كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة‏,‏ فما بال اليوم؟ قال‏:‏ إني أحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا‏,‏ قال‏:‏ فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك‏.‏

    فيمكن للمفتي أن يميل إلي التشدد في بعض الأحوال إن علم أن لذلك تأثيرا علي المستفتي وإن كان الأصل هو اختيار الأيسر ما لم يؤد إلي مخالفة شرعية‏,‏ كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما‏(‏ ما لم يكن إثما‏),‏ وقال الله تعالي‏:‏ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب‏(‏ الزمر‏:1.‏

  2. #2
    إداري سابق
    تاريخ التسجيل
    Jun 2002
    المشاركات
    18,891
    معدل تقييم المستوى
    121

    رد: الفتاوي المتسرعة تحتاج إلي وقفة‏

    لولا أني أرى أن جريدة الاهرام متصهينة لما ترددت في المشاركة في هذا الموضوع القيم، لكني أكره هذه الصحيفة الفاجرة.

  3. #3
    عضو محترف الصورة الرمزية NaAZoOR
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    8,698
    الدولة: Egypt
    معدل تقييم المستوى
    46

    رد: الفتاوي المتسرعة تحتاج إلي وقفة‏

    لا حول و لا قوة إلا بالله .... هلا قرأت أولاً يا شيخ؟؟ و حتى إن كان هناك شكوك حول الموضوع لوجوده في تلك الصحيفة ... ألا نفنده حتى نوضح للناس؟؟؟

    أنا شخصياً كنت أتمنى منك الرد حتى تتضح الأمور أمامي ..

    جزاك الله خير على كل حال ...

المواضيع المتشابهه

  1. 32 بوصة هل تحتاج كرت قوي ؟؟
    بواسطة momya65 في المنتدى الأرشيف
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 15-07-2011, 13:30
  2. gtx 460 1gb sli كام تحتاج بور
    بواسطة ehab7bob في المنتدى الأرشيف
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-09-2010, 02:16
  3. هل تحتاج تعريف
    بواسطة theslick في المنتدى الأرشيف
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-04-2007, 10:55
  4. مشكلتين تحتاج حل؟
    بواسطة arm20 في المنتدى الأرشيف
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-12-2003, 21:17

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •