مفكرة الإسلام: أصدر نحو 500 عالم أزهري مصري بيانًا شددوا فيه على حرمة إغلاق المعابر التي تربط الفلسطينيين بالعالم الخارجي، وخاصة معبر رفح، وأكدوا أن إغلاقه من أكبر الكبائر.
وقال العلماء في بيانهم الذي نشرته مواقع وصحف مختلفة على الانترنت : إنه يحرم منع السلاح عن المقاومين أو هدم الأنفاق التي يعتمد عليها المقاومون في توفير حاجاتهم من العتاد والسلاح وغيره تحريمًا قاطعًا.
واستنكر البيان - الذي وقع عليه عدد من أساتذة الأزهر والخطابء وأئمة المساجد والباحثين الشرعيين المصريين المنتمين للأزهر الشريف - المحاولات العربية والدولية والفلسطينية التي تهدف للاستخفاف بالنصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية؛ من خلال الضغط على المقاومة بإغلاق المعابر وهدم الأنفاق ومنع الشاحنات الغذائية من دخول قطاع غزة، ومنع إدخال السلاح للمقاومة للدفاع عن أمتهم وشعبهم.
وسجل العلماء ترحيبهم بالرفض المصري لوجود مراقبين أجانب على الأراضي المصرية لمراقبة الأنفاق التي يتم إدخال البضائع والسلاح منها إلى فلسطين، وأوضحوا أن هذا موقف يعبر عن السيادة الحقيقية.
ودعا الموقعون على البيان الحكومة المصرية إلى إكمال هذا الموقف بفتح معبر رفح، وعدم المشاركة في أي ترتيبات تضيِّق على أهل غزة أو تمنع عنهم السلاح، وأن تقوم بدور الإسناد لجهاد الشعب الفلسطيني؛ انطلاقًا من حق الأخوة والعروبة وحمايةً لحدود مصر الشرقية.
وطالبوا الدول والشعوب الإسلامية بدعم وتأييد الشعب العربي الفلسطيني والمقاومة العربية بالتحرك الفاعل لتحرير الأراضي وكل المقدسات.
وفيما يلي نص البيان الصادر عن علماء الأزهر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فإن علماء مصر يتابعون ما يجري على ساحة غزة وفلسطين من محاولاتٍ ماكرةٍ لاستلاب النصر المبارك الذي تحقَّق على أيدي المجاهدين، من خلال الضغط على المقاومة، بإغلاق المعابر وهدم الأنفاق، ومنع إدخال السلاح للمجاهدين للدفاع عن أمتهم وشعبهم.
وفي هذا الصدد فإن العلماء الموقِّعين على هذا البيان يذكِّرون الأمة كلها بما يلي:
1- الأمة المسلمة جسدٌ واحدٌ كما قال تعالى "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء: 92)، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، ولا يكتمل إيمان المؤمن إلا بتحقيق معنى الأخوَّة بين المؤمنين، كما قال تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: من الآية 10)، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
2- الأصل أن يكون المسلمون متحقِّقين بقوله تعالى "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة: من الآية 54)، ولا يعطون الدنيَّةَ عدوَّهم، ولا يُوالون عدوَّهم، ولا يحاصرون إخوانهم استجابةً لرغبات الأعداء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ" (الممتحنة: من الآية 1)، ويحذِّر الله من يفعل ذلك بأن العدو لن يحفظ لهم هذا الجميل، ولن ينسى عداوته لهم "إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ" (الممتحنة: من الآية 2)؛ ولهذا يَحرُم على المؤمن أن يظلم مسلمًا أو يُسلمه أو يخذله أو يتأخَّر عن نصرته عندما يحتاج للنصرة، كما قال تعالى "وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" (النساء: 75)، وقال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ"، كما قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".
3- تشتد الحرمة ويعظم الإثم إذا تجاوز المسلم خذلان المسلم إلى مشاركة أعداء المسلمين في التضييق على أخيه المسلم أو تعذيبه، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ"، قَالَ: "فَقَالَ وَاللهُ أَعْلَمُ: لا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
فإذا كان التضييق على هرة سببًا لدخول النار، فكيف بمن يحبس إنسانًا؟! فكيف بمن يحبس أمة بكاملها وشعبًا بأكمله، ويمنع عنهم الاحتياجات الإنسانية؟! وكيف بمن يرى فئة من أمته يُعتدَى عليها ويشارك في منع السلاح عنها حتى لا تدافع عن نفسها؟!
وعلى ضوء ما سبق يرى العلماء الموقِّعون على هذا البيان ما يلي:
أولاً: يحرم تمامًا إغلاق المنافذ (المعابر) التي تربط الفلسطينيين بالعالم الخارجي، وعلى الأخص معبر رفح، المعبر الوحيد الذي يُطِلُّ على إخوانهم المسلمين، ويرى العلماء أن إغلاقه من أكبر الكبائر، كما يرى العلماء أنه يحرم منع السلاح عن المجاهدين أو هدم الأنفاق التي يستعين بها المجاهدون في توفير حاجتهم من العتاد والسلاح وغيره تحريمًا قاطعًا، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ"، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ".
إن هذا يُعَدُّ إعانةً على المسلمين، ولا يجوز لمسلم كائنًا من كان أن يشارك في ذلك، أو أن يدل على وجود مثل تلك الأنفاق، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا خير في الأمة إذا لم يؤخذ فيها للمظلوم حقه، فكيف إذا كان هذا المظلوم هو المجاهد الذي يدافع عن الأمة؟!
ثانيًا: يرحِّب العلماء بالرفض المصري لوجود مراقبين أجانب على أراضي مصر لمراقبة الأنفاق التي يتم إدخال البضائع والسلاح منها إلى داخل فلسطين، كما يرحِّبون بالتحذير المصري للسفن الأوروبية التي جاءت تساند العدوان على غزة وتُسهم في منع وصول السلاح إلى المجاهدين، ويدعو العلماءُ الحكومةَ المصريةَ إلى إكمال هذا الموقف بفتح معبر رفح، وعدم المشاركة في أي ترتيبات تُضيِّق على أهل غزة أو تمنع عنهم السلاح، وأن تقوم بدور الإسناد لجهاد الشعب الفلسطيني؛ قيامًا بحق الأخوة والعروبة، وحمايةً لحدود مصر الشرقية.
ثالثًا: يذكِّر العلماء بمواقف علماء الإسلام الكثيرة الداعمة للجهاد والداعية إلى دعم المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين المباركة، ويتبنَّى العلماء تلك القرارات تبنيًا كاملاً، وبخاصةٍ القراران 1، و14 من قرارات المؤتمر السادس لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1971م، ونصهما:
قرار 1- مطالبة الدول والشعوب الإسلامية بدعم وتأييد الشعب العربي الفلسطيني، وسائر الشعوب العربية، والمقاومة العربية، بالعمل الجدي الدءوب لتحرير الديار، وسائر المقدسات إلى أن تعود إلى أربابها.
ويؤكد المؤتمر قراراته السابقة: بأن الجهاد بالنفس والمال أصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ ولذلك يدعو المؤتمرُ المسلمين جميعًا أينما كانوا إلى النفير العام.
قرار 14- المقاومة الفلسطينية تمثِّل القيام بواجب شرعي في الجهاد لتحرير أرضها ومقدساتها؛ ولهذا يوصي المؤتمر جميع الدول المجاورة للوطن المحتل، أن ييسِّروا للعمل الفدائي القيام بمهمته الشاقة الشريفة على الوجه الأكمل، ولا يجوز لأحدٍ ضربُ المقاومة أو أن يضع العراقيل في سبيل ذلك.
والله أكبر والنصر للإسلام والمسلمين.