الحمدُ لله الذي جَعَل الصيام جُّنة ، وسَبَباً مُوْصِلا إلى الجَنَّة،عَمَّ المُذنِبين بِرَحْمَتِه وحِلْمِهِ عَفْوا وغُفْرَانا، ورَوُّحَ أَهْلَ الإخلاص بِنَسِيمِ قُرْبِهِ ، وحَذَّرَ يوم الحِساب بِجَسيم كَرْبِه،
وبسرعة إتْيَانِه وقُرْبِه .

وأشهدُ أن لاإلهَ إلا الله وَحْدَه لا شَريكَ له،إله النَّاس والجِّنة،وأشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمداً عبدُ الله ورسُولُه أعظمُ رَحْمَةً،وأكْرَمُ مِنَّة (صَلَّى اللهُ وسَلَم َو بَارَكَ عَلَيه)

وعلى أبي بَكرٍ خَيرأحِبَتِه وصَحْبِه ، وعَلَى عُمرالذي لايَسيرُ الشيطان في سِربِه ، وعَلَى عُثمان الشهيد لا في صَفِّ حَرْبِه ، وعَلَى عَلِيٍ رَفيق دَرْبِه ، ومُعِينه في جهاده وحَرْبِه ،

وعلى آلِه وصَحْبِه والتابعين لهم بإحسان ، وسَلَّم تسليما كثيرا ... وبعدُ

كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان وكأن صَفحاته قد فُتِحَت من قليل ، واليوم نَودعه أنا وأنت!

شهرمَضَى ذَهَبَت لَذَّتُه وبَقِيَت تَبِعَتُه ، نُسِيَت أفراحه وأتْرَاحُة،وبَقِيَت حَسناته ، وسيئاته .
فماهي إلا سُوَيْعات قَلائِل حتى تكتمل دورة الفلك ، ويُشْرِق على الدنيا كلها هِلال ُشَهرٍجَديد ، رَحَلَ الشهرالذي كانت تَهْفوا إليه قُلُوبُ المؤمنين وتَتَشَوُّقُ إليه نُفُوسُهم .

طُوبَى لبطون جَاعَت في سبيل الله ، وهَنيئا لأكبادٍ ظَمِئَت لِمَرْضَاة الله ، وهنيئا لأقدام وقفت الساعات والساعات لمنجاة خالقها ومولاها

هَنِيئاً لكم يوم أدْرَكَكُم الشهرتَصُومُونَه إيمانا ًواحتِساباً ، وتقومونه إيمانا واحتسابا فينبغي علينا نُجَدِّد التوبة ، وأن نُعلنها خالصة لله ( اللهم إني استغفرك وأتوب إليك ،

اللهم إني استغفرك وأتوب إليك ، اللهم إني استغفرك وأتوب إليك )علينا أن نَرفَعَ أَكُفَّ الضّرَاع ونَجْأَر إليه سبحانه أن يُعتِقَ رقابنا من النار ، وأن يَتقبلَه مِنا.

إنّ الملـوك إذاشابت عبيدهم ***فـي رِقِـِهـم عَتـقـوهـم عِـتـق أبـرار
وأنت ياخالقي أولا بِذَا كَرما ***قد شبتُ في الرق فاعتقني من النار

فشكرا لك يارمضان ؛ جِئتَ لتُذهِبَ عَنّابإذن اللهكل خطيئة ومعصية وخسران .

و وداعاً يا رمضان ، وداعاً يا من كانت قلوبنا لك لَهْفَى مُشْتَاقَة ، ونُفوسنا لأفْضَالِك جَذْلَة تَوَّاقَة ، فالآذُنُ سَامِعة ، والعينُ دامِعة ، والرُّوح خاشِعة ، والقلبُ أوَّاه

فيا سحائب الرحمات لا تتقشعي ، ويا قلوب التائبين اخشعي.

فَانْدُب زَمانا ًسَلفا سَوَّدتَ فيه الصُحُفا ، ولم تَزَلْ مُعتكِفاعلى القبيحِ الشَّنِعِ ، فالْبَثْ شَعَارَالنَّدم ، واسْكُب شَئَابِيب الدَّم ، قبل زَوال القَدَمِ ، وقبل سُوء المَصْرَعِ .

فياهذا لا تغتر بطول العمر وبقوة البدن ؛ كم مات أشخاص هم في ربيع عمرهم ، وفي قوة بنيانهم ، وريعان شبابهم

{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ {6} الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ {7} فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ {8}

أخي...

سنودع رمضان الذي أعاد للقلوب صَفائُها ، وللنفوس إشراقُها ، وللضمائر نقائها ، بعدما تَكَدَّرَت بفتن الحياة ، وزحام الدنيا ، وتلوثت بالنزوات العابرة ، والشهوات العارمة ،

فجاء رمضان ليبعثها من رُقَادٍ ، ويُقِظُها من سُبَات .

فيا أيهاالإخوة الأخيار وَدِّعُوا هذا الشهر الكريم بخير ما يُستَقبَل به مِن تَوبةٍ نَصُوح ، ومِن استغفار، ومِن صِدقٍ ولُجْئ ، ومِن كَثرةِ دُعاء ، ومِن تِلاوة ، والمُحافظةِ على صلاة الجَمَاعة .

إنَّ سَلَفَنَا الصَّالح – عليه رِضْوانُ الله - كانوا يدعون اللهعَزَّ في عُلاه - سِتَّةَ أشهُـر أن ْيُبلِّغَهم رمضان !!
ويَدْعُونه إذا انْقَضى سِتَّةَ أشهُـر أُخَرَ أن ْيَتقبَّلَه مِنهم !!

إنَّ الحياة مَهما طَالت فهي قصيرة ، ومَهما عَظُمَت فهي حَقيرة ، فكثيرها قليل ، و عمرها قصير، وعزيزها ذليل ، وعظيمها حقير . من اطمئن إليها أقلقته ، ومن رَكَنَ إليها أذلَّتْه ،

ومَن وَثَق بها خَانَته ، ومَن اسْتَعان بها تَرَكَته ، فينبغي على العاقل أن يَحْذَرها ويَتَوقَّاها ، ويَحْذَرأن يَأتِيه المَوتُ على غَير اسْتِعْداد ، وعليه أن ْيَتَزَوَّد َبالطَّاعات ، ويَغْتَنِم مَواسِم الخَيْرَات ، ويَأخُذ مِنَ التَّقوى زادا ليوم الميعاد .

وياعجباً .... !!

أفبعدما انقضى رمضان نهجر المساجد ، ونَعود لعصياننا وغينا ، ونهجر كلام ربنا الذي قال عنه سبحانه { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

وما قال سبحانه أن الهدى مقتصر على رمضان !!

أفنهجر الصيام والقيام وقرأة القرآن ونعود للمعاصي والآثام وكأن شيئاً لم يَكُنْ !!

اعْمَـل وأَنْتَ مِنَ الدُّنيا على وَجَل **** واعْلَـم بأنَّكَ بَعْـدَ المَـوت مِبْعـوثُ
واعْلَـم بأنَّكَ مَا قَـدَّمـْتَ مِن عَمَـلٍ **** يُحْصَى عَليك ومَا خَلّفْتَ مَوْرُوثُ