حاجة الأمة إلى التفكير


أصبحنا أمة لا تعقل !
أي عاقل منا لا يُسَلِّم بأننا أصبحنا أمة متخلفة عن ركب العلم والتقدم ؟ أي عاقل منا لا يسلِّم بأننا في أمس الحاجة إلى العودة إلى الكتاب والسنة؟ نعم نحن في حاجة ماسة إلى التمسك بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هل يكون عن طريق حفظ نصوصهما عن ظهر قلب ، أو تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار؟ هل يكون بسرد وقائع السيرة والتمتع برواياتها وسكب الدموع والعبرات على ذلك؟ لا شك أننا لا نستغني عن هذا وذاك ، فنحن نحتاج إلى تلاوة القرآن في كل وقت مناسب ، ونحتاج إلى المواعظ التي تستند إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونحتاج إلى الخشوع والبكاء ، فهذا من أمارات الإيمان والتقوى . لكننا أيضا في حاجة ماسة إلى فهم ما في هذين المصدرين العظيمين من اجل العمل وليس مجرد الفهم ، وليس مجرد استنباط الأحكام التي لا تجد طريقها إلى التطبيق ولكن تظل حبيسة الكتب . ولا يتأتى هذا إلا بالتفكير لأجل العمل ، فالتفكير وحده لا يكفي ، إذ لا بد من العمل الصالح الصحيح ، وهذا هو العقل . فالعاقل هو المفكر العامل لا مجرد المفكر وحسب ، فما فائدة الأفكار المتراكمة إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق !


وهل نحن أصلا أمة تعقل؟



لا شك في ذلك مطلقا ، فنصوص القرآن والسنة طافحة بالدعوة إلى التفكير وممارسته والعمل بما فكرنا ، وحسن تصور ما يأتينا من أخبار وعقائد . وليس أدل على حيوية هذه الأمة العظيمة ، وقدرتها على التفكير والإنجاز والإبداع ، من أنها حكمت العالم بأسره أربعة عشر قرنا ، وقامت بنشر أعظم حضارة عرفها التاريخ ولن يعرف لها مثيلا . والشيء إذا كان مُطبقا بشكل عملي فليس في حاجة إلى برهان على صدق ما يدعيه ، فليس شيء في الدنيا اصدق من التطبيق العملي ، وهذا ما يدعونا إليه ديننا على الدوام . فلسنا في حاجة إلى من يُثبِّطنا ، ولا في حاجة إلى من يَفُت في عضدنا ، ولا من يخذِّلنا ويثير فينا الشبهات والشكوك ، ولا من يشعرنا بأننا أمة لا تقوى على فعل شيء وأننا عاجزون عن اللحاق بالركب . وأي ركب هذا الذي يريدونا أن نلحق به؟ وكأن لسان حالهم يقول إن ركبهم هو الركب ولا ركب غيره ، وقد أثبتت الأيام زيف ما يدعون ، وأظهرت الأحداث أن الله سخرهم لخدمة هذا الدين ولبيان صدق ما يدعو إليه يوما بعد يوم .
إن تقصيرنا لا يلغي كياننا ولا يلغي تاريخنا ولا أمجادنا . ولا نريد من أحد أن يشككنا في ذلك ، لأننا عندما نذكر أمجادنا فليس ذلك على سبيل التغني ، وذكر تاريخ مضى وانقضى ، فالأمر بالنسبة للمسلمين مختلف جدا . والسبب في ذلك أن أسباب حصول هذه الأمجاد موجودة على مر التاريخ والعصور ، وليست أمرا وُجد ذات مرة وانقضى . فالقرآن محفوظ وموجود وكذلك السنة المطهرة ، وما ينقصنا هو فقط العمل بمقتضاهما بطريقة صحيحة تؤدي إلى نهضتنا من جديد ، وتؤدي إلى النهوض من كبوتنا التي يبدو انه قد طال أمدها . فعوامل نهضتنا ماثلة أمام أعيننا ولكننا مقصرين عنها .


يتبع....