كتب رامى عبد الرازق ٢/ ١/ ٢٠١٠

سواء شاهدنا هذا الفيلم بتقنية الـ٣D أو دونها فإنه سيظل فيلما محكم الصناعة.. ماهر التفاصيل.. وستظل صياغته السينمائية تعكس بعداً سياسياً وإنسانياً شديد الوضوح رغم قسوته.
يعود «جيمس كاميرون» بعد ١٢ عاما من إخراجه «تيتانيك» لتقديم ملحمة فضائية مستمدة بشكل كامل من تراث البشرية الثقافى والدينى والسياسى.. بل إن قصة الفيلم نفسها ربما جاءت كتكرار لنفس التيمة التى استخدمت من قبل فى عشرات الأفلام.
فنحن أمام شعب فطرى- وليس بدائياً- تمتزج طاقاته الروحية والجسدية مع الطاقة الروحية والمادية للأرض التى يعيش عليها فهو يصيد ليأكل لا ليقتل أو يتسلى.. وهو يصلى للقوى التى تهبه هذا الطعام ليعمر الأرض ويتناسل محققا وجوداً متوازناً ومتحضراً..
وهو لا يملك أى أطماع مادية لأنه مكتف ذاتياً بما له من أرض ورزق لكنه يتطور روحياً وفكرياً.. بالدرجة التى تجعله اكثر تقدماً وعلماً وحكمة من مخلوقات السماء التى تهبط فى مراكبها الفضائية الثقيلة وأجهزتها الحديثة وأغراضها الاستثمارية المرتبطة بالبيع والشراء وأسواق المال.
ومثل كل الحركات الاستعمارية فى تاريخ الشعوب ينقض صاحب الغرض على صاحب الأرض ليقتله ويشرده ويطرده كى يتسنى له ودون وجه حق- إلا حق القوى العسكرية- أن يستخرج خيرات تلك الأرض ويستخلصها لنفسه!
وعندما يقاوم صاحب الأرض فإن الموت والنار هما مصيره دون رحمة بل حتى دون منطق عقلانى.. بل يتفتق ذهن المغتصب عن أن المقاومة مرادف «للإرهاب» وإن (مقاومة الإرهاب لا تأتى غير بالإرهاب) وأن صاحب الارض لا يملك الحق فى البقاء لأنه متخلف وبدائى لا يقدر قيمة الأرض التى يعيش فوقها.. ولهذا لا مانع من أن يتركها لمن يدرك قيمتها.. ويرحل إلى أرض أخرى ليصبح لاجئا أو مهاجرا أو أيا كانت التسمية.
ألا تذكرنا إذن تلك القصة بتاريخ الحضارة البشرية فى مئات السنين.. ألا نرى الهنود الحمر والفلسطينيين والعراقيين فى ذلك الشعب الفطرى! والأوروبيين والأمريكان والإسرائيليين فى المغتصب صاحب الآلة العسكرية..
هنا يتحول شعب النافى الفضائى الأزرق على كوكب باندورا الذى تدور فوقه أحداث الفيلم إلى كل شعب يتم اغتصاب أرضه وتطهيره عرقيا لاستخراج معدن أو نفط.. وتتحول «مخلوقات السماء» سواء رجل الأعمال الشاب أو الكولونيل الدموى إلى رمز لكل كيان استثمارى له قدرة على توظيف الآلة العسكرية فى أغراضه المالية على حساب الشعوب الأخرى.
ولا يفاجئنا «كاميرون» بتلك الثقافة الواسعة التى تستمد مصادرها من التراث الإنسانى العريض حيث تندمج هذه القصة السياسية جدا مع فكرة المخلص الذى يخرج منشقا من أهله لينضم إلى الشعب المظلوم.. ليتلقى مبادئه الروحية ويندمج فى تطوره العقلى والنفسى.. فتتكشف أمامه حقائق كثيرة ويتحول إلى القائد الذى يلتف حوله الشعب ليقودهم إلى معركة المقاومة واسترداد الأرض.. وحتى لو كان هذا المخلص أحد جنود المارينز الأمريكى الذى يتحول إلى واحد من شعب النافى عبر زرع عقله فى جسد أحدهم بطريقة تكنولوجية تجعله قادرا على الحياة والاندماج مع هذا الشعب..
بل إنه فى لحظة تنوير تشمل حواسه كلها يكتشف أن هذا الشعب لن يتقبل بسهولة ترك أرضه لأن قدراته النفسية والروحية تجاوزت فكرة ان تعطيه الجينز الازرق-رمز الثقافة والحلم الأمريكى- فى مقابل الوطن..لقد حقق الفيلم حلم الكثير من الشعوب المحتلة فى زمننا حين رأينا قوات الاحتلال الأمريكى- الفضائى تغادر أرض النافى وكوكب باندورا عائدة إلى موطنها بعد أن اندحرت فى معركة دامية..فإذا كان هذا لم يتحقق حتى الآن على أرض الواقع فإن السينما الأمريكية حققته للشعوب التى تحتلها أمريكا الآن!
استطاع «كاميرون» أن يمزج العديد من ثقافات الشعوب الأصلية ليخرج بهذا النموذج العرقى الذى سماه النافى.. ليضعنا امام درجة إيهام درامية اقنعتنا بأن هذا الشعب الفضائى موجود بالفعل وله تلك الحضارة والثقافة والدين.. فدمج الأفارقة مع الهنود الحمر مع المايا والازتيك فى نسيج محكم بصريا ودراميا ولغويا..
فى مقابل عملية نمذجة واضحة لتيار العلم الحديث الذى يحاول أن يصبح جسرا للتواصل بين الشعوب وليس أداة للتدمير متمثلا فى د.اوجستين مبتكرة الكابينة المجهزة لنقل عقل المارينز الامريكى جاك سيللى إلى جسد أحد النافى ليصبح قرينه (وهو الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم) وربما كان اعتماد «كاميرون» الكامل على التراث البشرى والتيمات الدرامية الملحمية المستوحاة من قصص الكتاب المقدس والثقافات الإنسانية هو الذى جعل أحداث الفيلم متوقعة وحبكته غير مفاجئة!
فنحن نعلم مسبقا أنه بمجرد أن يصبح المارينز الأمريكى فى جسد أحد النافى سوف يلتقى بفتاة من هذا الشعب وتبدأ بينهما قصة حب ثم زواج وتصبح هى مرشدته لهذا العالم الروحانى الذى لم يكن يعرفه.. وتعلمه ان يندمج كليا بشكل وجودى- دينى فى كل الموجودات التى تحيطه لأن الكل روح واحدة فى النهاية هى الأرض- الأم.. هذا التوقع ربما كان نقطة ضعف درامية من زاوية ما! لكنه من زاوية أخرى متسق شكلا وموضوعا مع الاطار الدرامى العام للفيلم..
بل إن الجهد التكنيكى والحالة البصرية المتطورة التى قدمها كاميرون أضفت الكثير من السحر والإبهار والروعة حتى على القصص القديمة التى رأيناها من قبل..صحيح أن تقنية الـ٣D لم تكن هى الأساس وراء قوة الصياغة البصرية مثلما شاهدنا مثلا فى فيلم «أغانى الكريسماس» لـ«روبرت زيمكس»!
ولكن هذا يرجع إلى اتجاه كل مخرج فى تصور نصه بصريا.. ففى «أغانى الكريسماس» يبدو شكل الفيلم بصريا مصنوعا خصيصا للتقنية ثلاثية الأبعاد.. أما هنا فإن التقنية إضافة جمالية للتكنيك البصرى وليست عنصرا عضويا فيه وهو ما لم يقلل من شأن الخطة البصرية للفيلم كله.
ريفيو
الاسم الأصلى: «أفاتار»
الاسم التجارى: «أفاتار»
تأليف وإخراج : جيمس كاميرون
مدة الفيلم: ١٦٢ دقيقة