النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

  1. #1
    عضو الصورة الرمزية القاتل المجرم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    508
    معدل تقييم المستوى
    0

    Thumbs up عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

    اليوم السابع.. الحرب المستحيلة حرب الاستنزاف" هو آخر مؤلفات الكاتب الصحفى الراحل محمود عوض، والذى كان الراحل الكبير قد انتهى من تأليفه قبل رحيله، ولم يمهله القدر لإصداره وهو على قيد الحياة، ومن الصدف الجميلة أن الراحل الكبير أهدى لجريدة "اليوم السابع" اسمها والذى كان قد استقر عليه كعنوان للكتاب قبل أن يخرج مشروع الجريدة إلى النور.
    ظل الكتاب الجديد مشروع عمر محمود عوض، وقضى سنوات فى إعداده، وظل يتابع كل صغيرة وكبيرة عن حرب الاستنزاف التى هى موضوع الكتاب، ووفقاً لما احتواه يمكن القول إنه يفجر الكثير من الأسرار التى قد تزلزل أركان معلومات استقرت عبر السنوات الماضية، واختارت "اليوم السابع" أن تقدم لقرائها ومحبى الكاتب الكبير الراحل فى طول الوطن العربى وعرضه، مقدمة الكتاب التى كتبها عوض والفصل الأول منه، وذلك قبل صدوره بأيام.
    " اليوم السابع "

    مقدمة لابد منها
    إنها ليست قضية تاريخ مضى .. فالقضية ما تزال معنا حتى الآن .

    فيما بين يوليو 1967 وأغسطس 1970 وقعت فى الشرق الأوسط حرب كبرى قال عنها الأصدقاء والأعداء من البداية إنها (الحرب المستحيلة) لقد أصبحت إسرائيل تحتل سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان، وجيوش مصر والأردن وسوريا فى حالة انهيار كامل، ووزير الدفاع الإسرائيلى يقول علناً: لم يعد أمامنا سوى الجلوس بجوار التليفون، لكى يستمع العرب إلى شروطنا، والملك حسين يعرف رقمنا.

    وفى موسكو، كانت القيادات السوفيتية تستقبل اثنين من الرؤساء العرب، هما هوارى بومدين رئيس الجزائر، وعبد الرحمن عارف رئيس العراق، لكى يديروا معهما مناقشات غاضبة ومتفجرة خلاصتها: لقد استولت إسرائيل منكم على أحدث أسلحتنا، وقامت بتسليمها إلى الولايات المتحدة، وهى الآن يتم فحصها والتعرف على أسرارها فى معامل البحوث بالولايات المتحدة وألمانيا الغربية، والعرب لا يملكون الآن أية قدرة على القتال، والحل أمامكم هو أن تتفاهموا مع الولايات المتحدة وتعلنوا إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل.

    وفى واشنطن، تلقى الرئيس الأمريكى ليتدن جونسون تقريراً سرياً من مستشارة للأمن القومى عن عملية "قتل الديك الرومى".. أصبحت السياسة الأمريكية ترى بمقتضاه أن الفرصة الذهبية حانت أخيرا لكى تبتلع كل دولة عربية شعاراتها عن القومية العربية، وتنكفئ على نفسها منعزلة عن الدول العربية الأخرى، وتقبل الحياة فى ظل تفوق عسكرى إسرائيلى تحت إشراف أمريكى، وتنفذ ما تمليه إسرائيل عليها من مشروعات تستهدف "التعاون الإقليمى".

    أما " الديك الرومى " – جمال عبد الناصر - نفسه المفترض أنه تم قتله، فقد جلس وحيدا فى بيته بالقاهرة واضعا رأسه بين كفيه، وفى إحدى اللحظات تمتم جمال عبد الناصر بكلمات لم يعد بعد ذلك إلى تكرارها، حينما قال: لقد عرفوا.. كيف يصطادونى.
    بعدها وضع جمال عبد الناصر مسدساً إلى جواره، مقررا ترحيل أسرته فورا خارج القاهرة، فلم يعد يمنع إسرائيل من دخول القاهرة سوى.. سبع دبابات.

    وفى العاصمة اليوغسلافية بلغراد، تلقى الرئيس اليوغسلافى جوزيف بروز تيتو رسالة سرية من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليندون جونسون يطلب إليه فيها إبلاغ جمال عبد الناصر فى القاهرة بأنه لن يمضى إلى أبعد من ذلك فى إذلال مصر، ولذلك فليس مطلوباً من مصر أى تفاوض مباشر مع إسرائيل أو اعترافا بها، لكن هذا يعنى – أيضا – أن هناك ثمنا مطلوبا من الدول العربية، ويجب على مصر ألا تعترض عليه.

    وفى العاصمة السعودية الرياض، قام الملك فيصل باستدعاء السفير الأمريكى لكى يبلغه بأن السعودية تصر على الانسحاب الإسرائيلى الكامل وفورا من الأراضى العربية، وتطلب الحصول على موقف أمريكى رسمى ومحدد، فى هذا الاتجاه، لكن السفير الأمريكى جاء بالرد فى مذكرة رسمية مكتوبة تقرر فيها الولايات المتحدة أنه لابد من تعديل الحدود على الأقل – بين الأردن وإسرائيل – وهو ما قامت السعودية فورا بإبلاغ الدول العربية المعنية بأنها ترفضه بالكامل.

    فى هذا المناخ بدأت "حرب مستحيلة" على جبهة قناة السويس فى مصر بين جيش مصرى وليد، وفى ظل حالة معنوية يختلط فيها اليأس والغضب، وبين احتلال إسرائيلى يملك بالفعل كل وسائل التفوق العسكرى، وينذر بالمزيد.

    لقد كان طبيعيا أن تتلقى مصر فى تلك "الحرب المستحيلة" – حرب الاستنزاف - ضربات موجعة من اللحظة الأولى.. إن مصر اضطرت إلى قرار صعب هى التى اختارته لنفسها.. وهو تهجير أربعمائة ألف مواطن خارج بيوتهم، يكفى أيضا أن كل المعونات العربية التى تلقتها مصر فى تلك الفترة كان يتم إنفاقها خلال ثلاثين يوما من السنة، إذا اختصرنا كلمة "التكاليف" إلى حدها الأدنى المتواضع تماماً.

    لقد تساقط فوق رؤوس المصريين ذات صباح، ولمدة 26 ساعة، عشرون ألف طن من القنابل الإسرائيلية – وهو ما يعادل القنبلة النووية الأمريكية الأولى التى تم إسقاطها على هيروشيما ونغازاكى فى الحرب العالمية الثانية – وبعدها أعلنت اليابان استسلامها بالكامل، بلا قيد ولا شرط.

    مع ذلك، استمرت تلك "الحرب المستحيلة"، لقد سقط الرجل الثانى فى الجيش المصرى الفريق أول عبد المنعم رياض شهيدا فى الخندق الأول على حافة قناة السويس، لكن الشعب المصرى خرج بقيادة جمال عبد الناصر فى جنازته يصر على الثأر.. ويرفض الاستسلام، لقد تلقت مصر إنذارا رسميا من الولايات المتحدة بأن توقف تلك الحرب "فى الحال" و "بلا قيد ولا شرط" حتى لا تتعرض المنشآت الاقتصادية الكبرى فى مصر إلى التدمير الفورى.. لكن مصر مضت بإصرار فى تلك "الحرب المستحيلة" لقد سقط سبعة آلاف من الشهداء المصريين، معظمهم سقطوا على عتبات بيوتهم من القنابل الإسرائيلية التى وصلت إلى مسافة 15 كيلو مترا من القاهرة، وبعضهم كانوا أطفالا فى مدارس ابتدائية، لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة.

    بالتدريج، وبتضحيات غالية، بدأت كل الأطراف تعيد حساباتها.
    إن الذين خاضوا الحرب من المصريين، مدنيين وعسكريين، لم يكن هدفهم تحرير سيناء، فكما ستثبت الوثائق، كانت سيناء معروضة على مصر رسميا بغير أى قتال ولا قيود، منذ الثانى من نوفمبر سنة 1968، لقد كان المقاتلون فى تلك "الحرب المستحيلة" يقاتلون من أجل الضفة الغربية والجولان وحقوق الشعب الفلسطينى، وكانوا يعلنون ذلك صراحة لكل من يعنيه الأمر، وقد كان هذا هو فى الواقع جوهر المشكلة من بدايتها.
    وطوال السنوات العشرون الأخيرة جرت فى مصر عواصف كبرى، لكن أسوأ ما فيها هو أنه أصبح ممنوعا الإشارة إلى تلك "الحرب المستحيلة" – حرب الاستنزاف - جملة وتفصيلا، أنها – رسميا – حرب لم تحدث، وشهداؤها لا أسماء لهم ولا ذكر عنهم، بل وفى أحيان عديدة، تجرى السخرية من تضحياتهم.
    ومن أجل هؤلاء الشهداء فقط، نعود الآن إلى فتح ملفات تلك الحرب بكاملها، إنها ليست قضية تاريخ مضى، تلك نظرة شديدة السطحية وعميقة الغرض، القضية ما تزال معنا حتى الآن – يكفى أن نعلم مثلا، وبالوثائق أن تضحيات أولئك المصريين، غير المعترف بأسمائهم حتى الآن رسميا، هى التى ضمنت وقتها استرداد الضفة الغربية المحتلة بالكامل، ومعها حق الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم التى شردوا منها فى سنة 1948، وهو ما يكافح الجميع للحصول على البعض اليسير منه الآن – بعد 30 سنة، القضية هى مصر، والضفة الغربية، والجولان، ومستقبل العالم العربى كله، هذا هو ما سقط أولئك الشهداء المصريون "رجال اليوم السابع" دفاعاً عنه.

    وبكل التواضع، وان يكن أيضا بكل الاعتزاز، أقول إن النسبة الكبرى من الوثائق التى ستنشر بالكتاب هى وثائق يتم نشرها لأول مرة، بل إننى ازعم أن الحقائق الجديدة التى سيكشف عنها هذا الكتاب – إذا صدقت النوايا – أن تؤدى إلى إعادة النظر فى كثير من المفاهيم السائدة طوال السنوات الأخيرة، وأتمنى – واكرر قولى : أتمنى – أن يتقدم أى معترض بوثائق تؤكد غير ما سينشر بهذا الكتاب، وهى وثائق تتيح لنا - ونحن أحياء – معلومات ضحى أخوة لنا، وزملاء لى شخصيا بحياتهم .. بغير انتظار لها، لقد كان يكفيهم الاقتناع .. والعزيمة .. والإصرار على حياة أفضل لعالمهم العربى كله.
    اننى أرجو أن يحمل هذا الكتاب "الحرب المستحيلة اليوم السابع " بعض العزاء لشهداء الجيل الذى انتمى إليه، فهذا الجيل دفع ثمن تلك الحرب عن اقتناع، وبنفوس راضية وقلوب مطمئنة إلى صحة القضية التى حاربوا من أجلها، وكثيرون منهم ضحوا بمستقبلهم، وكثيرون ضحوا بحياتهم فى سبيلها .
    لقد ترك هؤلاء جميعا من البداية وظائفهم التى شغلوها، أو كانوا يحلمون بها، لكى يتقبلوا الحياة لشهور طويلة داخل خنادق فى الصحراء، متناولين طعامهم مخلوطا ببعض الرمال والكثير من شظايا القنابل المتساقطة فوق رؤوسهم .. إيمانا بقضية محددة، سحب البعض إيمانهم بها فيما بعد، قضية .. أن تكون لك كرامة، وان تعيش مرفوع الرأس، وبالنسبة لهم لم تكن تلك القضية جملة تقال بشكل عابر فى حديث .. أو مزايدة فى خطاب عام، لقد كانت قضية حياة .. أو موت، وقد اختاروا الموت.
    إلى هؤلاء أولا .. أهدى الكتاب.
    أما الصحف التى تحملت قلمى فى غربته، أوجه إليها شكرى .. فقد كانوا يحثونى على المزيد من المشاركة بعد أن حرمت تعسفيا من الكتابة فى جريدتى "أخبار اليوم".
    ويبقى الحكم فى النهاية للقارئ .. فمنه فقط، يستمد أى كاتب حيويته وتجدده.
    محمود عوض

    الفخ الإسرائيلى الأمريكى

    نحن ننسى أحيانا أن الذين يحتلون مراكز السلطة العليا فى أى دولة هم فى النهاية بشر .

    إسرائيل أعدت عام 1964 خطة حرب يونيو 1967 !

    لماذا تراجعت تل أبيب عام 1960 عن تهديداتها لسوريا

    قبل الساعة التاسعة بقليل بتوقيت القاهرة، من صباح الاثنين 5 يونيو سنة 1967 لاحظ ضباط مصريين من المسئولين عن مراكز الرادار للمراقبة أن شاشات الرادار لم تعد تعطى الإشارات المعتادة، لقد بدا كما لو أن أجهزة الرادار قد تعطلت فجأة ولم تعد شاشاتها ترصد أى شئ فى المدى الذى تتولى مراقبته، إن البعض لجأ إلى الفنيين على الفور لمعرفة ما يجرى، خصوصا بعد أن اتصلوا بزملاء لهم فى محطات أخرى للرادار فسمعوا نفس الشكوى . ولكن قبل أن يتمكن الفنيون من عمل شئ، فوجئ الجميع بأن طائرات معادية فوق رؤوسهم وتلقى بقنابلها شديدة الانفجار، وخلال دقائق كان الجميع قد عرفوا أن نفس هذا الهجوم قد وقع على جميع محطات الرادار والمطارات العسكرية المصرية فى نفس الوقت تقريبا .
    لقد بدأت إسرائيل حرب يونيو 1967.
    كما هو متوقع تماما، فإن إسرائيل بدأت هجومها بضربة جوية مركزة على القوات الجوية المصرية لإخراجها من المعركة مبكرا، فى الواقع إن هذا كان هو نفس التنبؤ الذى شرحه جمال عبد الناصر فى اجتماع له مع القيادات العسكرية قبل ثلاثة أيام، ويومها وجه عبد الناصر سؤله إلى الفريق أول محمد صدقى محمود قائد القوات الجوية : نحن ملتزمون سياسيا بعدم بدء الحرب، لكنى أتوقع أن تبادر إسرائيل بشن الحرب خلال فترة تتراوح ما بين 48 و72 ساعة، بادئة بمحاولة ضرب طائراتنا ودفاعنا الجوى .. فى هذه الحالة كم تقديرك لنسبة الخسائر فى طيراننا، قبل أن نتمكن من رد الضربة الإسرائيلية .. ؟
    و ... هنا ساد الوجوم غرفة الاجتماع واعترى العسكريين نوع من القلق والصمت قطعه قائد القوات الجوية، موضحا أن تحول إستراتجية مصر من الهجوم إلى الدفاع سيؤثر تأثيرا كبيرا على موقف القوات الجوية.
    لقد بدأ نقاش انحصر فى الخسائر المحتملة للقوات الجوية المصرية وإمكانية توفير القدرة لها لشن ضربة مضادة، وقد قدر الفريق أول صدقى محمود الخسائر المتوقعة فى قواته الجوية من 15 إلى 20 % لكنه قال :
    "إن هذا الأجراء يعنى فقد المبادرة من جانبنا، وربما أدى هذا إلى تكسيح قواتنا الجوية".
    وبعد المزيد من المناقشات المستفيضة تم الاتفاق على اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية فى القوات الجوية المصرية للتقليل من تأثير الضربة الجوية الأولى من إسرائيل وتوفير القدرة لها لشن ضربة مضادة، وفى الاجتماع وافق المشير عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على أن " عجز 20% من الضربة الأولى ونحارب إسرائيل، أفضل من أن نبدأ الضربة الأولى، ونحارب إسرائيل وأمريكا معا".
    إن الأحداث التالية، ابتداء من 5 يونيو 1967 سرعان ما ستثبت الخطأ الفادح والكامل لكلا التقديرين معا – العسكرى والسياسى ـ فلا خسائر الضربة الجوية الإسرائيلية اقتصرت على 20 %، ولا إسرائيل خاضت الحرب وحدها بغير أمريكا، لكن كان هذا كله لا يزال وقتها فى عالم الغيب.. أما ظاهر الأحداث فلم يكن يؤكد فقط أن الولايات المتحدة ستقف ضد الطرف الذى يبادر بالحرب، ولكنه كان يؤكد أيضا أن احتمال الحرب ذاته يتراجع طبقا للتقدير الأمريكى.

    استفزازات إسرائيلية

    إن الأزمة بدأت من الأصل حينما وجهت إسرائيل تهديدات علنية ورسمية صريحة فى الأسبوع الثانى من شهر مايو 1967 بغزو سوريا واحتلال دمشق، وقد جاءت تلك التصريحات لتمثل ذروة سلسلة من التصعيد العسكرى والسياسى ظلت إسرائيل تمارسها منذ ستة أشهر على الأقل، فى أعمال استفزازية وهجمات متزايدة برا وجوا ضد كل من الأردن وسوريا .
    وقد سجلت وزارت الخارجية الأمريكية ذاتها من خلال التقارير المتتابعة لقنصلها العام فى القدس "أن التساؤل الذى أصبح مطروحا هو : إلى أى حد سيتحمل السوريون كل هذا الاستفزاز الاسرائيلى، وعند أى نقطة سيفقدون قدرتهم على ضبط النفس.
    وفى تلك الفترة أيضا سجلت تقارير مراقبى الهدنة التابعين للأمم المتحدة مشاعر السورين بالإحباط الشديد من عجز المنظمة الدولية عن عمل أى شئ لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية الصارخة، خصوصا بعد أن أعلن إسحاق رابين رئيس أركان حرب القوات الإسرائيلية فى 12 مايو 1967 : " إننا سوف نشن هجوما خاطفا ضد سوريا، وسنحتل دمشق لنسقط نظام الحكم فيها ثم نعود . "، إن ليفى اشكول رئيس الوزراء كان قد سبقه إلى التهديد علنا فى نفس الاتجاه، وهو ما دعى سوريا إلى إبلاغ أعضاء مجلس الأمن الدولى بأن التهديدات الإسرائيلية هى تمهيد لعدوان إسرائيلى واسع النطاق ضد سوريا .
    وكانت مصر قد وقعت مع سوريا قبل شهور معاهدة للدفاع المشترك بهدف طمأنتها، ولكن الاعتداءات الإسرائيلية واسعة النطاق سرعان ما جاءت لتثبت للعرب أن يد إسرائيل هى العليا فى المنطقة، خصوصا حينما شنت إسرائيل هجوما بريا وجويا فى 13 نوفمبر 1966 ضد قرية " السموع " الأردنية، وهى قرية صغيرة تضم أربعة ألاف نسمة معظمهم من الفلسطينيين .. ثم حينما قامت إسرائيل فى السابع من شهر ابريل 1967 بغارة جوية واسعة النطاق ضد سوريا، أسفرت عن سقوط طائرات ميج سورية .

    قوات الطوارئ الدولية

    وسواء بسبب حالة الذعر السائدة عربيا والتى اتضحت فى اجتماع مجلس الدفاع العربى بالجامعة العربية فى شهر مارس 1967، أو لأسباب أخرى خفية، فان الدعايات العربية المتنافسة كانت تقود مواطنيها فى كل مرة إلى فخاخ شديدة الخطورة، تؤدى كلها إلى الإلحاح على فكرة واحدة متكررة: أن إسرائيل تستأسد على الدول العربية المجاورة لأنها واثقة من عجز مصر عن ردعها عسكريا .. ولان مصر منذ سنة 1957 تفضل التستر وراء قوات الأمم المتحدة المرابطة على حدودها مع إسرائيل، ولو لم تكن تلك القوات موجودة، ولو كانت مصر طليقة اليدين وغير خائفة من مواجهة إسرائيل، لما جرأت إسرائيل على تصعيد عدوانها ضد الدول العربية المجاورة، ولا على المرور بسفنها فى المياه الإقليمية المصرية بخليج العقبة.
    كانت قوات الطوارئ الدولية تتكون من 2300 جندى وضابط، وقد شكلت أصلا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 1956 لكى ترابط بشكل مؤقت على الحدود المشتركة بين مصر وإسرائيل، وهو ما تم فعلا عقب انسحاب الأخيرة من سيناء وغزة بعد فشل عدوانها المشترك مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر، وهو العدوان الذى تم أصلا عقابا لمصر على قيامها بتأميم قناة السويس.
    وكان القرار الأصلى بتشكيل قوة الطوارئ الدولية يقضى بمرابطتها على الجانبين – المصرى والإسرائيلى – من الحدود، لكن إسرائيل رفضت من البداية قبول أى قوات لديها من الأمم المتحدة، وهكذا استقر الحال بتلك القوات على الجانب المصرى من الحدود، فضلا عن شرم الشيخ وقطاع غزة.
    ولم تكن قوات الأمم المتحدة هذه تمثل عائقا سياسيا أو عسكريا ضد مصر فى أى وقت، فهى قوات رمزية تمثل فقط الثقل المعنوى للأمم المتحدة كمنظمة دولية، كما أن وجودها من عدمه فى المواقع المقررة لها يتوقف تماما على إرادة مصر .

    إسرائيل تراجعت عام 1960

    وقد حدث فى سنة 1960 على سبيل المثال أن وجهت إسرائيل تهديدا ضمنيا إلى سوريا فى وقت كانت سوريا مرتبطة فيه مع مصر بوحدة سياسية فى دولة واحدة تحمل اسم " الجمهورية العربية المتحدة "، وقتها طلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قواتها مؤقتا من مواقعها على الحدود المصرية مع إسرائيل، وحركت مصر إلى سيناء ثلاثا من فرقها المسلحة، من بينها فرقة مدرعة، لكى تكون مستعدة لمواجهة الموقف فى حالة مبادرة إسرائيل بأى عمل عدوانى فى الجبهة السورية.
    لقد فوجئت إسرائيل وقتها تماما بالتحرك المصرى، ولم تكتشفه إلا بعدها بثلاثة أيام، فاضطرت إلى التراجع فورا، واضطر رئيس وزرائها إلى القيام بزيارة عاجلة إلى واشنطن حيث أصدر البيت الأبيض بيانا رسميا يذكر فيه العرب بان البيان الثلاثى – وهو البيان البريطانى الفرنسى فى سنة 1950 بشان ضمان حدود إسرائيل " لا يزال قائما " .
    وبعد تراجع إسرائيل بنحو شهرين فى سنة 1960، عادت القوات المصرية إلى مواقعها الأصلية، كما عادت قوات الأمم المتحدة إلى مواقعها على الحدود وانتهت الأزمة

    الأمر مختلف عام 1967

    ولعل نفس هذا التفكير هو الذى دفع مصر إلى عمل نفس الشئ فى شهر مايو 1960 كمحاولة لامتصاص التهديدات الإسرائيلية ضد سوريا، لكن الأمر اختلف فى هذه المرة من ثلاث زوايا :
    أولا : كانت مصر مشغولة عسكريا فى اليمن، حيث أصبح نحو ربع الجيش المصرى مرابطا هناك منذ 1962 لتدعيم الثورة الجديدة هناك فيما بدا عمليا أنه تورط تدريجى متزايد بدأ بمائة جندى مصرى وانتهى بستين ألف .
    وثانيا : إن إسرائيل كانت ترى منذ سنة 1964 على الأقل أن أمامها مجموعة ظروف عسكرية وسياسية تمثل فرصة ذهبية لابد من انتهازها لتوجيه ضربة ساحقة ضد الجيش المصرى، فى الواقع أن الخطة التفصيلية لحرب 1967 الوشيكة ضد مصر قد تم وضعها فى سنة 1964 ويسجل المؤلف الصهيونى وولتر لاكير صراحة :"إن حرب 1967 جرى خوضها طبقا لخطة تفصيلية تمت الموافقة عليها منذ ثلاثة سنوات سابقة " .
    إن الجنرال بارليف ادخل عليها بعض التغييرات ولكنها ظلت من الناحية الأساسية هى نفس الخطة التى أعدها الجنرال رابين منذ سنة 1964 " .
    وبالإضافة إلى ذلك، فقد كانت تقديرات المخابرات الإسرائيلية تشير إلى انه بحلول سنة 1970 أو 1971 على أكثر تقدير، سيكون الجيش المصرى قد وصل حجما وتسليحا وتدريبا إلى القدر الذى يصبح فيه قادرا على التصدى لإسرائيل وإلغاء صورتها الرادعة فى المنطقة، أما قبل ذلك التاريخ فلن تكون المواجهة العسكرية مع إسرائيل فى صالح مصر .
    وثالثا : إن الولايات المتحدة بدأت منذ تولى ليندون جونسون السلطة فى البيت الأبيض عقب اغتيال جون كينيدى فى سنة 1963، تتخذ موقفا تصادميا من التيار القومى فى العالم العربى الذى تمثله مصر .. بعكس سنوات التفاهم الناضج فى عهد كينيدى، وأصبح الرئيس الجديد وهو أصلا وثيق الصلة بإسرائيل منذ سنوات الخمسينات، يعد إسرائيل سرا لتكون أداته التنفيذية لتعديل الأوضاع القائمة فى الشرق الأوسط وخصوصا من اجل ضرب وتحجيم مصر .
    وهكذا فان المساعدات الأمريكية التى حصلت عليها إسرائيل فى سنة 1964 ضمن آخر ميزانية أقرها جون كينيدى قبل اغتياله لم تتجاوز أربعين مليون دولار، وفى سنة 1965 قفز هذا الرقم إلى 71 مليون دولار، ثم قفز مرة أخرى فى سنة 1966 إلى مائة وثلاثين مليون دولار، أما الأكثر دلالة من ذلك فهو التغير الذى جرى فى مضمون تلك المساعدات، فحتى سنة 1964 لم تكن المساعدات الأمريكية لإسرائيل تتضمن أية مساعدات عسكرية فيما عدا خمس بطاريات من صواريخ " هوك " للدفاع الجوى قيمتها 21 مليون دولار حصلت عليها إسرائيل سنة 1963، أما فى ظل رئاسة جونسون فقد بدا أولا بوضع ترتيبات سرية لتمويل صفقة ضخمة من الدبابات لحساب إسرائيل من ألمانيا الغربية، والاهم من ذلك انه لأول مرة تقوم الولايات المتحدة مباشرة بإعطاء إسرائيل مائتين وخمسون دبابة حديث من طراز " أم 48 " المعدلة، وثمانية وأربعين طائرة سكاى هوك الهجومية المتطورة، بالإضافة إلى معدات الكترونية متطورة أخرى .. وكلها أسلحة هجومية بحته تتمشى مع الدور الأقليمى الجديد المقرر لإسرائيل سرا .
    وكان هذا كله يجرى فى الوقت الذى تتمتع فيه إسرائيل بعلاقة عسكرية خاصة مع فرنسا مستقرة منذ سنوات الخمسينات، وتضمن لإسرائيل بمقتضاها الحصول أول بأول على كل احتياجاتها من طائرات " الميراج ".
    وكان هذا كله يجرى أيضا فى الوقت الذى قرر فيه جونسون قطع معونات القمح عن مصر فى سنة 1965، وهى التى كانت منتظمة منذ سنوات جون كينيدى، كما أنه حاول إرغام مصر على قبول تفتيش امريكى على صناعاتها العسكرية

    اتفاق سرى بين جونسون واشكول

    على أن اخطر خطوة أميركية وغير معلنة قام بها جونسون فى هذا الاتجاه، كانت فى توصله فى يونيو 1965 إلى اتفاق سرى مع ليفى اشكول رئيس وزراء إسرائيل هدفه : " ترتيب عمل مراجعة دورية مشتركه بين الولايات المتحدة وإسرائيل للموقف العسكرى فى الشرق الأوسط، بما يتجاوز التبادل المعتاد فى معلومات المخابرات، وفى الحقيقة فإن هذا سيكون شكلا من التخطيط التفصيلى لحالات الطوارئ التى سيصبح وقوعها ( فى الشرق الأوسط ) أكثر احتمالا، على الرغم من أن الأميركيين كانوا متلهفين لتجنب استخدام هذا التعبير.
    وفيما هذا الاسم فقط، فان هذا الاتفاق كان اقرب ما يمكن إلى التخطيط العسكرى المشترك ".
    وقد كانت هذه الخطوة شديدة السرية وقتها وتعنى تطورا نوعيا خطيرا فى العلاقات الأميريكية الإسرائيلية، بما سيجعلها العنصر الحاسم فيما سيجرى فى المنطقة من أحداث بعد ذلك.
    إن إسرائيل قبلها كانت تحتاج فى كل مرة إلى التباحث مع الولايات المتحدة حول كل صفقة عسكرية على حدة .. ثم المساومة هنا وهناك، لكن من الآن فصاعدا .. أصبحت إسرائيل تحصل على احتياجاتها العسكرية بطريقة روتينية، ومن خلال قنوات غير معلنة، ومما يسمح لها بالتفوق أولا على القوات العسكرية لكل الدول العربية مجتمعة.
    وعلى حد تعبير المؤلف اليهودى الصهيونى جون كيمش فان : الأميركيين أصبحوا جزءا من النظام الإسرائيلى للحصول على الأسلحة، والشئ المهم الآن لم يعد هو إزعاج الرئيس الامريكى بين وقت وآخر بالطلبات المستمرة كما كان يحدث فى الماضى، ولكن أن تصبح المباحثات مع الرئيس مخصصة لمشاكل السياسات العامة، مثل كيفية ملء الفراغ فى الشرق الأوسط مع رحيل البريطانيين واضمحلال النفوذ الغربى بالمنطقة ".

    هروب الميج 21

    وبالرغم من أن كل تلك الترتيبات كانت فى معظمها شديدة السرية فى حينها ولم يقدر لبعضها الخروج إلى الضوء إلا بعد سنوات طويلة، إلا انه كانت تظهر بين وقت وأخر بعض الإشارات المتقطعة المفاجئة التى يمكن أن توحى باتجاه الأحداث، وعلى سبيل المثال، ففى شهر أغسطس 1966 نجحت شبكة مشتركة من وكالة المخابرات الأميركية وجهاز المخابرات الاسرائيلى( الموساد ) وحلف شمال الأطلنطى فى إغراء طيار عراقى بالهروب بطائرته "الميج 21" من بغداد إلى تركيا شمالا ثم إلى إسرائيل، مقابل تهريب عائلته وخادمها اليهودى العراقى الذى كان وسيط الصفقة من البداية، وثلاثمائة دولار" يعادل فى حينها مليون جنية" . لقد أصبحت طائرة الميج – 21 هذه صيدا ثمينا تريد جميع الأطراف فك أسراره على الفور، حيث الأمريكيين يواجهونها فى حربهم بفيتنام، وحلف شمال الأطلنطى يطور دفاعاته الجوية ضدها فى المسرح الاوروبى، وإسرائيل تكشف بها العمود الفقرى فى تسليح القوات الجوية بكل من مصر وسوريا والعراق.
    لقد كان هذا حدثا خطيرا، ولكن البعض فى العالم العربى تصوره شيئا منفصلا قائما بذاته، دون أن يتصوره مؤشرا غير مسبوق لما هو قادم من أحداث.

    الزائر الدائم

    ومع مطلع سنة 1967 أصبح ريتشارد هلميز مدير المخابرات المركزية الأميركية زائرا متكررا لإسرائيل وكل من مائير اكيت رئيس المخابرات السرية الإسرائيلية " الموساد " واهارون باريف رئيس المخابرات العسكرية زائرين متكررين لواشنطن، وكلها بالطبع كانت زيارات ومشاورات شديدة السرية ولابد من اختفائها، ليس فقط عن المصريين والعرب والعالم، ولكن حتى عن أعضاء مجلس الوزراء الاسرائيلى ذاته، فيما عدا ليفى اشكول رئيس الوزراء .
    لقد أصبح التخطيط المشترك يمضى فى مجراه ضمن قنوات خفية تربط القيادات العسكرية الإسرائيلية مع واشنطن، ومستقلا عن العلاقات الرسمية القائمة، أما فى الجانب الامريكى فلم يكن يعلم بما يجرى فى القناة الخفية سوى الرئيس جونسون نفسه، ووالف روستو مستشاره للأمن القومى واليهودى الصهيونى المتعصب تماما لإسرائيل، ثم حفنة قليلة من أصحاب المراكز العليا فى وكالة المخابرات المركزية والبنتاجون .
    و .. مع سنة 1967 أصبحت إسرائيل .. شريكا مرغوبا فيه من الناحية العسكرية – طبقا للتقدير الأمريكى فى ظل رئاسة ليندون جونسون .

    عملية قتل الديك الرومى !

    كان ليندون جونسون قد وصل إلى منصب الرئاسة فى الولايات المتحدة فى مفارقة قدرية نادرة، بينما جرى اغتيال الرئيس جون كينيدى فى مدينة دالاس الأميركية فى نوفمبر 1963، بحكم الدستور الأميركى يتولى نائبه الرئاسة على الفور ويظل يشغله حتى الانتخابات التالية، ومع أن نائب الرئيس فى الولايات المتحدة يتم انتخابه مع الرئيس فى بطاقة انتخابية واحدة، إلا أن الخبراء يعرفون أن منصب نائب الرئيس فى النظام الأميركى يكاد يكون مجرد منصب شرفى خال تماما من المضمون الحقيقى للسلطة، فهو بلا اختصاصات على الإطلاق سوى ما يتفضل به الرئيس، وهو فى الغالب بعيد عن القرارات الكبرى، إلى درجة أن احد الوعود الثابتة فى البرنامج الانتخابى لكل مرشح جديد للرئاسة هو، انه سيعطى لنائبه اختصاصات حقيقية .
    وقد أصبح ليندون جونسون رئيسا للولايات المتحدة وهو لا يكاد يعرف شيئا عن السياسات الخارجية، وكانت أول خطوة فعلتها إسرائيل فورا هو نقل أحد رجال المخابرات السرية إلى واشنطن ليشغل وظيفة الرجل الثانى فى السفارة الإسرائيلية تحت ستار لقب "وزير مفوض".
    كان هذا الرجل اسمه "ابى ايفرون"، وقد سبق له أن شارك فى تخطيط عملية سرية للتخريب الداخلى فى مصر سنة 1956، وتحولت فيما بعد إلى فضيحة تعرف باسم
    " فضيحة لافون " .
    وكان سبب نقل ايفرون إلى واشنطن هو انه : "صديق حميم لجونسون" منذ سنين مبكرة .. ولذلك فقد كانت العلاقة الحقيقية لجونسون مع إسرائيل – بعد أن أصبح رئيسا – تتم من خلال ايفرون على وجه الخصوص، وحينما ذهب أبا ايبان وزير خارجية إسرائيل إلى واشنطن فى الأسبوع الأخير من مايو 1967 ليتعرف على موقف الرئيس جونسون فوجئ بأن جونسون ظل يتهرب من مقابلته، ثم فوجئ أكثر وأكثر حينما ذهب أخيرا إلى البيت الأبيض ليجد الرئيس جونسون مجتمع مع ايفرون بمفردهما منذ ساعة تقريبا !
    ونحن ننسى أحيانا أن الذين يحتلون مراكز السلطة العليا فى أى دولة هم فى النهاية بشر، ثم ننسى أكثر وأكثر تلك الحقيقة حينما يكون الحديث عن بشر يتولون مراكز السلطة العليا فى دولة عظمى بهذا العالم.. لأن صورة الدولة العظمى هنا تضيف بريقها إلى من يشغلون المراكز العليا بها.
    حسنا .. ليندون جونسون كان بشرا، لقد جاءت به الظروف ليصبح رئيسا للولايات المتحدة وتحت يديه أزرار يمارس بها سلطة ونفوذا وثروة، وقوة الولايات المتحدة فى مناطق عديدة من هذا العالم، ولعل من المفيد هنا أن نترك الحديث لمؤرخ حياته، الصحفى الاميركى روبرت كارو، الذى قرر التفرع عدة سنوات ليكتب سيرة حياة ليندون جونسون، إن روبرت كارو يقول " لقد تصورت أننى سوف أحب ليندون جونسون، لقد تصورت انه رجل فقير جدا، وغير متعلم، وظل يكره الكتب والتعليم طوال حياته، وكان فظا بشكل ما، ولكننى تصورت أيضا أن فى قلبه يوجد احد الأشياء العظيمة المحركة وهو أن يساعد الناس الذين ولد بينهم، تصورت أن هذا هو الرجل الذى سأكتب عنه، واننى سوف استمتع بالمهمة، ولكن بعد وقت قصير من بدايتى فى العمل، أدركت أن هذه الصورة لدى كانت ناقصة وقاصرة بشكل ملموس، هذا رئيس لم يعرفه احد .
    لقد واصل الصحفى الاميركى جهده وتحرياته، وقام باستجواب العشرات من أصدقاء جونسون ومعارفه، ثم " لقد كلمونى جميعا عن نفس الشئ : المال .. واحدهم قال لى محذرا : انك لن تستطيع مطلقا أن تكتب هذا " عن جونسون " لأنك لن تجد مطلقا أى شئ من هذا مكتوبا أو مسجلا على ورق ".

    رئيس فاسد

    لكن الصحفى الامريكى لم ييأس واستمر شهرا بعد شهر وسنة بعد سنة يجمع المعلومات ويتحرى الوقائع، وفى الجزء الأول فقط احتلت تلك الوقائع تسعمائة صفحة كاملة، أما الخلاصة عن ليندون جونسون الرئيس رقم 26 فى التاريخ الأمريكى، والذى هو الشخصية الرئيسية فى حرب يونيو 1967 بالنسبة لنا، هى أنه أكثر رؤساء أميركا فسادا، لقد وصل إلى منصب الرئاسة بفعل صدفة درامية هى اغتيال رئيسه جون كيندى، ولكن: "إذا كانت السلطة مفسده .. فإنها لم تمارس تلك المهمة مع لندن جونسون، إن السلطة لم تسطع أن تفسده، لأنه كان فاسدا قبل وقت طويل من وصول السلطة إليه " .
    وهذا الشخص الفاسد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والذى كانت نقطة ضعفه من البداية هى جمع المال من أى طريق وباى وسيلة، أصبح هو المقدر له أن يعبر عن السياسة الأميركية فى منطقتنا فى تلك السنوات الحاسمة من الستينيات.
    وكان من الملفت للنظر فى هذا السياق أن الرئيس الاميركى – هذا الرئيس الفاسد – قد اختار ثلاثة شخصيات محددة تمسك فى يديها بخيوط السياسة الأميركية فى الشرق الأوسط، إنهم .. آرثر جولد بيرغ ممثل الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة .. والإخوان، والت روستو مستشاره للأمن القومى، وشقيقه برجين روستو وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية .. والثلاثة ليسو يهود فقط، ولكنهم من غلاة الصهيونيين الأمير كيين المتعصبين لإسرائيل، والكارهين لكل ما هو عربى فى هذا العالم .

    مصر لم تطلب سحب القوات الدولية من غزة وشرم الشيخ

    وهكذا فان اتجاه إسرائيل إلى تصعيد الأحداث طوال الأشهر الأخيرة من سنة 1966 والأشهر الأولى من سنة 1967 لم يكن أتيا من فراغ، على الرغم من أن ظاهر الأحداث فى وقتها لم يكن يوحى فى النظرة الأولى بخطورة الفخ الذى يتم دفع مصر إليه .. وحينما حركت مصر بعض قواتها إلى سيناء فى مايو 1967 وطلبت من الأمم المتحدة سحب قواتها مؤقتا من الحدود المشتركة مع إسرائيل، فإنها لم تطلب بالمرة سحب القوات المرابطة فى شرم الشيخ، أو فى قطاع غزة، لان الهدف المحدد فى البداية كان هو امتصاص التهديد الإسرائيلى المعلن ضد سوريا.
    لكن يوثانت سكرتير الأمم المتحدة فى1967 كان غير داج همرشولد سكرتيرها العام فى سنة1960، فبعد استشارة مساعده رائق بانش ( وهو أيضا وثيق الصلة بإسرائيل ) رد يوثانت على مصر علنا : أما أن تنسحب قوات الأمم المتحدة من الحدود ومن شرم الشيخ وقطاع غزة بالكامل ونهائيا، أو لا تنسحب نهائيا .
    وكان معنى ألا تنسحب قوات الأمم المتحدة مطلقا، بعد هذا الموقف العلنى، هو أن تصبح قوة احتلال فى مصر، ولذلك تلقى يوثانت الرد الذى يريده من البداية : فتنسحب قوات الأمم المتحدة من كل المواقع ونهائيا.
    بعدها فقط طلب يوثانت زيارة القاهرة للتشاور، وبعد أربعة أيام، حتى يكون انسحاب قوات الأمم المتحدة قد أكمل !، وقد ظلت شرم الشيخ على سبيل المثال بلا حراسة، بعد أن انسحبت منها قوات الأمم المتحدة المكونة من 32 جنديا، وظلت على هذا النحو لأربعة أيام، إلى أن قررت مصر نقل إحدى وحداتها العسكرية للمرابطة هناك، وأصبحت تلك الخطوة بدورها تعنى أن تغلق مصر خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية .
    كانت قضية خليج العقبة شبه محفوظة فى كواليس الأمم المتحدة، فقد سبق لمصر أن غلقته أمام الملاحة الإسرائيلية منذ سنة 1951 وظل كذلك حتى حرب 1956، وطوال ذلك لم تفلح إسرائيل استصدار قرار من الأمم المتحدة يسمح لها بالملاحة فى الخليج لان القانون الدولى يكفل لمصر حقها فى فرض سيادتها الكاملة، حيث هو مياه إقليمية مشتركة بينها وبين مصر والسعودية والأردن، وإذا كانت إسرائيل قد استولت على قرية "أم رشرش " المطلة على رأس الخليج وحولتها إلى ميناء أسمة " ايلات "، فإنها فعلت ذلك انتهاكا لاتفاقيات الهدنة فى سنة 1949 وضد كل معايير الشرعية الدولية بما فيها حدود إسرائيل التى كفلها لها قرار تقسيم فلسطين من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 1947، وفوق كل هذا فقد كانت حالة الحرب قائمة رسميا بين مصر وإسرائيل .
    لكن إسرائيل ظلت تستخدم خليج العقبة فى الملاحة منذ سنة 1957، كأمر واقع يرتبط بسكوت أو عدم سكوت مصر علية .. والآن فمع عودة القوات المسلحة المصرية إلى شرم الشيخ فى مايو 1967 فقد أرادت مصر أن تصفى هذا الأمر الشاذ المتخلف عن العدوان الثلاثى ضدها فى 1956 معتمدة على حقها الثابت طبقا للقانون الدولى .
    كان الرئيس الاميركى ليندون جونسون أصدر على الفور بيانا رسميا يدين فيه إغلاق مصر لخليج العقبة .ومن تلك اللحظة فصاعدا نسى الجميع فجأة كل ما يتعلق بتهديدات إسرائيل المعلنة ضد سوريا، وأصبحت القضية هى: إغلاق خليج العقبة .

    تعهد رسمى من ديجول

    وفى زيارة يوثانت إلى القاهرة عرض علية جمال عبد الناصر أن تحال القضية إلى محكمة العدل الدولية .. ولان كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تعرفان بالضبط أن القانون الدولى فى صف مصر، فقد تجاهلتا هذا الحل بعد ذلك تماما .
    لكن يوثانت، وتحت عنوان العمل على تهدئة الموقف طلب من مصر أن تتعهد من جانبها بعدم شن حرب ضد إسرائيل، إن مصر لم تستجب لهذا الطلب من يوثانت فقط، ولكنها استجابت لهذا الطلب من الرئيس الفرنسى شارل ديغول، وكذلك من الرئيس الاميركى ليندون جونسون، والذى قدم من جانبه تعهدا رسميا إلى مصر باسم الولايات المتحدة فى الرسالة التى بعث بها إلى جمال عبد الناصر بتاريخ 12 مايو 1967 وجاء فيها انه : " فى الموقف الحالى فان حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وكذلك الحكومات العربية الأخرى، تستطيع أن تعتمد على التأكيد بان حكومة الولايات المتحدة تؤكد معارضتها الصلبة لاى عدوان فى المنطقة، فى أى شكل علنى أو سرى، تقوم بها قوات عسكرية أو مجموعات غير نظامية " .
    وقال جونسون فى نفس الرسالة أيضا : " إننا نؤمن بان اتفاقيات الهدنة العامة – بين إسرائيل والدول العربية – تظل هى أفضل أساس للمحافظة على الحالة السلمية عبر الحدود " .
    وفى تقريره الذى قدمه إلى مجلس الأمن الدولى بتاريخ 27 مايو سجل يوثانت أمرين بالغى الأهمية : فأولا : إن الأزمة الحالية يمكن أن تنتهى لو أن إسرائيل قبلت قوات الأمم المتحدة فى جانبها من الحدود مع مصر، خصوصا وأنها من الأصل قوات مشكلة لترابط على الجانبين، ولكن كررت للسكرتير العام رفضها الكامل لاى قوات من الأمم المتحدة .
    وثانيا : إن مصر تعهدت بوضوح بالا تكون البادئة باى أعمال عسكرية ضد إسرائيل .
    فى نفس البوم لجا جونسون إلى حيلة أكثر فعالية، فبعد أن حصل من مصر مباشرة على تعهد بعدم بدء الحرب، متعهدا من جانبه بان تكون الولايات المتحدة ضد الطرف الذى يبدأ بالعدوان، بعث إلى السوفيات برسالة عاجلة يطلب منهم فيها مشاركته فى حث مصر على عدم شن الحرب لأنه يفعل نفس الشئ بالنسبة لإسرائيل، وحينما نقل السفير السوفياتى الرسالة السوفيتية مصحوبة برسالة جونسون إلى الرئيس جمال عبد الناصر فجر يوم 28 مايو، أصبحت هناك أربعة أطراف تعرف على وجه التأكيد بان مصر لن تبدأ الحرب، وهى : الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وفرنسا والأمم المتحدة

    مبعوثان من جونسون

    لكن ليندون جونسون لم يكتف بذلك، لقد أوفد إلى القاهرة مبعوثين، احدهما فى مهمة معلنة وهو السفير تشارلز بوست ممثلا لوزارة الخارجية الأمريكية، والأخر فى مهمة غير معلنة وهو روبرت اندرسون الوزير الأسبق فى عهد إيزنهاور، وكانت لغة المبعوثين واحدة ولكن بلهجتين متكاملتين : إن الأزمة فى طريقها للحل سلميا .. وان الرئيس جونسون يقترح لذلك إيفاد نائبة هيربرت همفرى إلى القاهرة للتباحث مع الرئيس جمال عبد الناصر، أو أيفاد مندوب على مستوى عال من جمال عبد الناصر إلى واشنطن للاجتماع مع الرئيس جونسون .
    ووافق عبد الناصر على الاقتراحين، واختار من جانيه زكريا محى الدين، الذى حدد البيت الأبيض موعدا لاستقباله فى واشنطن يوم الأربعاء - 7 يونيو - ولقد غادر المبعوثين القاهرة يوم الجمعة – 2 يونيو – بعد نجاحهما فى مهمتهما، لكن القاهرة سرعان ما ستكتشف – ولكن من خلال كارثة مدوية – إن هناك سياسة خفية أخرى لليندون جونسون غير تلك السياسة الرسمية التى يعير عنها من خلال رسالته ومبعوثيه .
    ففى نفس اليوم – الجمعة 2 يونيو – كانت تجرى الإحداث الحقيقية، ليس فقط بعيدا عن عيون القاهرة، ولكن أيضا بعيدا عن عيون الكونغرس الامريكى، الذى حرص الرئيس جونسون على تخديره هو الأخر تماما .

    زيارة سرية !

    لقد غادر مائير أميت رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية " الموساد " واشنطن يوم – 2 يونيو – عائدا إلى إسرائيل بعد مهمة سرية فى واشنطن منذ 20 مايو وجاء إليها باسم مستعار، وطوال الأيام الأربعة كان أميت يقوم بالمراجعة الأخيرة لخطط الحرب الإسرائيلية مع أجهزة المخابرات الأميركية فى واشنطن، وكذلك بعد الاتفاق على المزيد من المعدات المتطورة المطلوبة على وجه السرعة فى مسار الحرب .
    ولكن مائير أميت عاد من واشنطن أيضا برسالة ذات مغزى بعث بها فى برقية سرية منذ اليوم الأول من رحلته : " إن أى حديث امريكى رسمى عن جهود لحل الأزمة دبلوماسيا من خلال مشوارات مع الدول المعنية أو من خلال الأمم المتحدة .. سيكون لا شان له بإسرائيل، إن الهدف هنا هو فقط تخدير العرب والسوفيات لأطول وقت ممكن بعيدا عن الخطط السرية الجارية للحرب الوشيكة .. كما انه أيضا إقناع للكونجرس والراى العام بان الرئيس جونسون لا يألو جهدا لتسوية الأزمة سلميا لأنه حريص هو الأخر على ألا تتورط الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط بمثل ما تعانى منه فى فيتنام " .
    وثانيا : تلقت سفينة التجسس الأمريكية " ليبرتى " والتى كانت فى لحظتها مرابطة فى ميناء " روتا " الاسبانى، تعليمات بالتحرك فورا إلى الحدود البحرية المصرية مع إسرائيل، فى البحر الأبيض المتوسط، وقد وصلت " ليبرتى " بالفعل إلى منطقة عملها السرية الجديدة هذه، شمال العريش" فى نفس اليوم 2 يونيو" .
    كانت "ليبرتى" من أكثر سفن التجسس الأميركية تطورا، بحيث أن أجهزتها كانت قادرة على التقاط أى شكل من أشكال الاتصالات اللاسلكية، بما فى ذلك الاتصالات العسكرية والدبلوماسية قصيرة وبعيدة المدى، وإشارات توجيه الصواريخ، والسيطرة على الأقمار الصناعية، وهى تستطيع أيضا توجيه الطائرات اليكترونيا وكذلك فك رموز أية رسائل تلتقطها ثم " تعيد طبخها وإرسالها من جديد طبقا للخطط الموضوعة " .. وقد انضم إليها فى مهمتها الجديدة هذه عدد من موظفى المخابرات المتخصصين فى اللغتين العربية والعبرية والجهة التى تدير مهمات " ليبرتى " هى وكالة الأمن القومى الاميركى فى ميريلاند عبر نظام خاص جدا للاتصالات يسمى " تريسكوم " – وهى إحدى وكالات المخابرات الأميركية التى تصب تقاريرها عند الرئيس ليندون جونسون عبر والت روستو – مستشاره للأمن القومى .

    سرب من طائرات التجسس

    وفى الساعات المبكرة من صباح اليوم التالى، السبت 3 يونيو، تم إيقاظ طيارى السرب رقم 28 لطائرات الاستطلاع التكتيكية بقاعدة " رامستين " العسكرية فى ألمانيا الغربية، لقد تم تجهيز طائراتهم على وجه السرعة وأصبح على الطيارين الأمريكيين أن يطيروا بها على الفور إلى قاعدة " مورون " التابعة لحلف الاطلنطى فى أسبانيا .
    كانت طائرات الاستطلاع الأمريكية هذه من طراز " ار – اف – 4 سى " والتى كانت فى تلك الحين هى أكثر طائرات التجسس تطورا لدى الولايات المتحدة ولم تدخل الخدمة إلا من قبلها بثلاث سنوات فقط، وتستخدم كاميرات شديدة الدقة فى التصوير من مسافات مختلفة فى طبقات الجو العليا والمنخفضة، وباستخدام الرادار والأشعة فوق الحمراء تستطيع أن تضع " خريطة حرارية " للمنطقة التى تقوم باستطلاعها فى أى وقت ليلا أو نهارا، كما أن بها تجهيزات تسمح لها بالاتصال بقاعدتها من أى مكان فى العالم .
    وحلقت أربع طائرات تجسس من هذا الطراز من قاعدة " رامستين " الأميركية فى ألمانيا الغربية فى الصباح الباكر لليوم 3 يونيو متجهة إلى قاعدة " مورون " الأمريكية فى أسبانيا، فى نفس الوقت خرجت طائرة نقل أميركية من طراز " سى – 141 " من قاعدة بالقرب من أكسفورد فى انجلترا لتتجه أيضا إلى قاعدة " مورون " فى أسبانيا، وهى تحمل معامل كاملة لتحميض وطبع الأفلام التى تلتقطها طائرات التجسس، وحملت تلك الطائرات أيضا تسعة فنيين متخصصين فى التصوير الجوى تابعين لسرب الاستطلاع رقم 17، حيث انضموا فى قاعدة " مورون " بأسبانيا إلى زملائهم الأمير كيين من ألمانيا الغربية .
    وطبقا لما تم الكشف عنه لأول مرة بعد حرب يونيو بسبع عشر سنة، فان تلك المجموعات الأميركية من الطيارين والفنيين العاملين فى طائرات التجسس تم تعريفهم لأول مرة بمهمتهم الحقيقية السرية عقب وصولهم إلى قاعدة " مورون " الأميركية فى أسبانيا، لقد قيل لهم أنهم وطائراتهم ومعداتهم سيذهبون إلى منطقة نائية فى صحراء النقب بإسرائيل لتقديم مساعدات بالغة السرية للجيش الاسرائيلى ضد العرب .
    وكجزء من تلك المهمة فقد تم إعداد جوازات سفر مدنية لإفراد كل تلك المجموعات من الطيارين والفنيين الأميركيين، وعقود عمل مدنية توضح أن الحكومة الإسرائيلية قد استأجرتهم كمدنيين، وكذلك بطاقات استخدام وملابس وعملات إسرائيلية لكل منهم، واستغرق التعريف بالمهمة واستبدال الملابس ساعتين .. ثم قيل لهم أن عليهم بالراحة ساعات قليلة قبل أن يطيروا إلى إسرائيل، بعد أن تم طلاء طائرات التجسس الأميركية بشعار سلاح الجو الاسرائيلى حتى تبدو كما لو كانت إسرائيلية .
    استودعكم الله

  2. #2
    عضو الصورة الرمزية القاتل المجرم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    508
    معدل تقييم المستوى
    0

    رد: عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

    تصوير كل القواعد الجوية

    ومساء نفس اليوم – السبت 3 يونيو – وصلت تلك الطائرات إلى إسرائيل، حيث هبطت فى مطار مهجور وسرى بصحراء النقب جنوب شرق القاعدة الجوية الإسرائيلية فى بئر سبع، انه نفس المطار السرى الذى كانت القوات الجوية الفرنسية قد استخدمته فى سنة 1956 فى مهمات بالغة السرية ضد مصر إثناء الغزو الثلاثى البريطانى الفرنسى الاسرائيلى .
    وفى مسار حرب يونيو الكبرى والوشيكة، فان تلك الطائرات ستقوم بمهمتها شديدة السرية بكل الإتقان لتصوير القواعد الجوية لمصر وسوريا والأردن، وكذلك مواقع القوات المسلحة وكل تحركاتها بتفصيل شديد الدقة .. وأول بأول .. وليلا ونهارا .. وفى كل طلعة تقوم كل واحده من طائرات التجسس هذه بتصوير خمسمائة قدم من الأفلام مطبوع عليها أوتوماتيكيا الوقت والتاريخ والارتفاع الجوى وزاوية التصوير .. الخ ..
    أما فى المطار السرى الاسرائيلى ذاته .. فان أطقم الفنيين الأمريكيين تقوم بإعداد كل طائرة للطلعة التالية، بينما يقوم نحو ستين من الفنيين بتفسير وتحليل ألاف الأقدام من الصور التى يتم التقاطها فى كل طلعة، لقد كان يتم طبع أربعة نسخ من الصور التى يجرى التقاطها .. حيث يحصل الإسرائيليون على نسخة منها فورا .. ويحتفظ الأمريكيون بنسخة أخرى – ثم تركها للإسرائيليين بعد الحرب – بينما النسختين الباقيتين يتم إرسالها إلى الولايات المتحدة رأسا .
    وحينما سيتم ضرب سلاح الطيران المصرى فى اليوم الأول من الحرب، وتضطر القوات البرية المصرية إلى التحرك ليلا بسبب حرمانها من الغطاء الجوى، فان الصور التى ستلتقطها لها تلك الطائرات طوال الليل ستصبح هى المفتاح الذى يمكن إسرائيل من الضرب بعد ذلك بكل دقة وأحكام .
    إن تلك الطائرات سوف تحول مجهودها إلى الجبهات الأخرى بمجرد فراغ إسرائيل من الجبهة المصرية.. وستظل تقوم بمهماتها السرية هذه حتى الثانى عشر من يونيو، حيث عادت بعدها مع معداتها وفنييها إلى قواعدها فى أوروبا، ولكن فقط بعد التنبيه الصارم على كل شخص – طيارا وفنيا .. وبشكل فردى وجماعى .. بالا يتفوه باى كلمة لاى شخص مهما كان .. عن تلك المهمة شديدة السرية .. ولا حتى مع زملائهم أو مع بعضهم البعض، بل انه زيادة فى الاحتياط، طلبت منهم قياداتهم خلع ملابسهم واحدا بعد الأخر ليصبح عاريا تماما كما ولدته أمه .. ثم السير عبر ممر خاص .. وبعدها يرتدى ملابس جديدة مختلفة .. وبذلك تحوطا لاحتمال أن يكون أى منهم قد احتفظ معه باى شئ يشير إلى انه كان فى صحراء النقب، أو فى إسرائيل .!

    قتل الديك الرومى

    ولم يكن يعرف بكل الترتيبات شديدة السرية سوى حفنة قليلة للغاية من كبار مساعدى الرئيس الامريكى جونسون، وفى مقدمتهم بالطبع والت روستو مستشاره للأمن القومى الذى تتجمع فى مكتبه كل خيوط السياسة الأميركية " الأخرى " .. الخفية .. والتى أصبحت تطلق اسما رمزيا على هذه العملية الكبرى التى ستجرى ضد مصر قريبا، وهى عملية " قتل الديك الرومى " .! .
    أما من الناحية الرسمية فان الرئيس الاميركى يستوفى أوراقه تماما كصانع سلام لا يعرف شئ باسم " الديك الرومى " .. ولا عن الخطة السرية لقتله، وهكذا فانه فى يوم السبت 3 يونيو قام بتوقيع رسالة رسمية صاغها له مستشاره للأمن القومى والت روستو وموجهة إلى ليفى اشكول رئيس وزراء إسرائيل ويقول فيها : " يجب بل وضرورى آلا تجعل إسرائيل نفسها مسئولة عن المبادرة بالإعمال العدوانية، إن إسرائيل لن تكون وحدها إلا إذا قررت المضى وحدها، ونحن لا نستطيع أن نتخيل اتخاذ إسرائيل لهذا القرار" .
    لقد كانت تلك الرسالة معدة منذ أسبوع، لكن والت روستو لم يطلب من رئيسه توقيعها إلا فى 3 يونيو قائلا له فى المذكرة المرفقة : " قد يكون ملحا أن نضع هذه الرسالة فى السجلات الآن رسميا " .
    وفى اليوم التالى – الأحد 4 يونيو – قام والت روستو بإرسال مذكرة سرية إلى كل من دين راسك وزير الخارجية وروبرت ماكنمارا وزير الدفاع تتضمن ما اسماه " سيناريوهات " الأحداث المقبلة فى الشرق الأوسط .
    وخلال 24 ساعة فقط لم تكن تلك " الأحداث المقبلة " سوى الهجوم الكبير ضد مصر .. أو بدء عملية " قتل الديك الرومى " .. بإخراج سلاح الطيران المصرى نهائيا من المعركة، إن الأردن كان قد وقع مع مصر معاهدة للدفاع المشترك قبل خمسة أيام فقط، ولكن الحدود الأردنية مع إسرائيل هى أطول حدود عربية وتتجاوز 540 كيلو مترا، فبينما يتجاوز حجم الجيش الاردنى خمسين ألفا، والحرس الوطنى المخصص لمساعدة الجيش فى حالات الطوارئ كان قد ألغى قبل سنة، وسلاح الطيران الاردنى لا يتجاوز 24 طائرة، ولا تملك الأردن سوى مطارين اثنين فى عمان والمفرق .
    ولذلك ففى غياب غطاء جوى فعال تحصل عليه الأردن من الخارج، تصبح الضفة الغربية صيدا ثمينا مغريا بالنسبة لإسرائيل، فإذا لم تقدم مصر هذا الغطاء لأنها الهدف الأول للضربة الإسرائيلية .. يصبح الأمل معلقا على سوريا، ولكن العلاقات الدبلوماسية كانت مقطوعة بين الأردن وسوريا ولم تعد سوى قبل أيام قليلة، فضلا عن انه لا توجد أية خطط سابقة للتنسيق بين الجبهتين وفوق هذا وذلك .. فبمجرد أن فرغت إسرائيل من سلاح الطيران المصرى ظهر الخامس من يونيو، استغرق منها القضاء على الطيران الاردنى والسورى 25 دقيقة .
    الضربة الجوية

    وكما رأينا من قبل، كان التشويش المسبق على أجهزة الرادار المصرية عاملا أساسيا فى الخطة الإسرائيلية فى نقس الوقت كان هناك فى البداية احتمال قائم بالنسبة للسفن الحربية السوفيتية فى البحر الأبيض المتوسط، ورادارتها تستطيع بالتأكيد متابعة ما يجرى، وهو أن تقوم بتحذير القيادة المصرية من الهجوم الاسرائيلى الوشيك بمجرد أن تبدو علاماته، لكن الأمريكيين أكدوا لإسرائيل من قبل انه لا يوجد أى اتصال مباشر بين السفن السوفيتية فى البحر الأبيض وبين القيادة المصرية، وان البديل الوحيد هو أن تقوم تلك السفن بنقل ما يجرى إلى موسكو أولا، ثم الاحتمال الأضعف هو أن تقرر موسكو، بعد أن تفكر وتفكر، فى نقل تلك المعلومات إلى مصر .. ولحظتها سيكون الوقت قد فات تماما، وفى جميع الحالات فان الولايات المتحدة كفيلة بمنع حدوث أى تدخل سوفيتى من أى نوع .
    وكان أسلوب الطيران الاسرائيلى فى المهاجمة هو أن تتجه من إسرائيل شمالا إلى البحر الأبيض، ثم غربا بعرض البحر على ارتفاعات شديدة الانخفاض، ثم تنحرف جنوبا نحو أهدافها داخل مصر، وكل هذا يتم فى صمت لاسيلكى كامل وبتوجيه الكترونى مستمر، ومن البداية، من السفينة " ليبرتى " فضلا عن التشويش المسبق على أجهزة الرادار والاتصالات المصرية .
    فى الموجة الأولى ركزت الطائرات الإسرائيلية على ضرب أجهزة الرادار وضرب الممرات فى المطارات العسكرية المصرية بقنابل شديدة الانفجار تم تصميمها خصيصا بحيث تترك فى الممر حفرة عميقة بقطر سبعة أمتار ويحتاج إصلاحها إلى عدة ساعات، وخلال ذلك تظل الطائرات المصرية عاجزة عن التحليق إلى أن تأتى الموجة الثانية من الهجوم الاسرائيلى فيتم ضرب الطائرات المصرية المتراصة على الأرض واحدة بعد الأخرى، وكان كل هذا يسبقه ويوازيه استطلاع وتصوير جوى اليكترونى تقوم به الطائرات الأميركية المنطلقة من القاعدة السرية فى صحراء النقب بحيث أن أى نطور جديد يتم نقله فورا إلى الطيارين الإسرائيليين وهم داخل طائراتهم، وقد حدث فعلا أن سربا من القاذفات المصرية تم توجيهه ليهبط فى مطار عسكرى فى جنوب مصر .. وبعد لحظات من هبوطه كانت الطائرات الإسرائيلية فوق المطار لتضرب هذا السرب الوحيد الموجود به.
    استودعكم الله

  3. #3
    عضو الصورة الرمزية القاتل المجرم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    508
    معدل تقييم المستوى
    0

    رد: عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

    لا حول ولا قوة الا بالله
    دى كانت افظع فترة فى تاريخ مصر والامة العربية باكملها
    والله حتى الان انا مش عارف اللى عملة السادات كان صح ولا غلط
    والناس دول متحكمين فينا لحد فين........
    الله يرحمك ياصدام
    وقتل السادات اللى حتى الان بالنسبالى اكبر لغز والله
    السادات اتصفى مش اتقتل والله اعلم وعلى ماعتقد ان عبدالناصر هو كمان اتصفىوانا على يقين من هذا بعد قراءة الموضوع فحبيت انقلو ليكم
    استودعكم الله

  4. #4
    عضو ذهبي
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    2,713
    الدولة: Egypt
    معدل تقييم المستوى
    44

    رد: عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

    إن الذين خاضوا الحرب من المصريين، مدنيين وعسكريين، لم يكن هدفهم تحرير سيناء، فكما ستثبت الوثائق، كانت سيناء معروضة على مصر رسميا بغير أى قتال ولا قيود، منذ الثانى من نوفمبر سنة 1968، لقد كان المقاتلون فى تلك "الحرب المستحيلة" يقاتلون من أجل الضفة الغربية والجولان وحقوق الشعب الفلسطينى، وكانوا يعلنون ذلك صراحة لكل من يعنيه الأمر، وقد كان هذا هو فى الواقع جوهر المشكلة من بدايتها.


    وقد حدث فى سنة 1960 على سبيل المثال أن وجهت إسرائيل تهديدا ضمنيا إلى سوريا فى وقت كانت سوريا مرتبطة فيه مع مصر بوحدة سياسية فى دولة واحدة تحمل اسم " الجمهورية العربية المتحدة "، وقتها طلبت مصر من الأمم المتحدة سحب قواتها مؤقتا من مواقعها على الحدود المصرية مع إسرائيل، وحركت مصر إلى سيناء ثلاثا من فرقها المسلحة، من بينها فرقة مدرعة، لكى تكون مستعدة لمواجهة الموقف فى حالة مبادرة إسرائيل بأى عمل عدوانى فى الجبهة السورية.
    لقد فوجئت إسرائيل وقتها تماما بالتحرك المصرى، ولم تكتشفه إلا بعدها بثلاثة أيام، فاضطرت إلى التراجع فورا، واضطر رئيس وزرائها إلى القيام بزيارة عاجلة إلى واشنطن حيث أصدر البيت الأبيض بيانا رسميا يذكر فيه العرب بان البيان الثلاثى – وهو البيان البريطانى الفرنسى فى سنة 1950 بشان ضمان حدود إسرائيل " لا يزال قائما " .
    وبعد تراجع إسرائيل بنحو شهرين فى سنة 1960، عادت القوات المصرية إلى مواقعها الأصلية، كما عادت قوات الأمم المتحدة إلى مواقعها على الحدود وانتهت الأزمة


    انا لسه مخلصتش قراه بس النقطتين دول اثارو انتباهي

  5. #5
    عضو الصورة الرمزية القاتل المجرم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    508
    معدل تقييم المستوى
    0

    رد: عملية " قتل الديك الرومى " اقراء وشوف العجب

    hack4love
    انا معاك الموضوع شيق جداااااااااااا وفعلا دا حصل وانا سمعتة شخصيا فى برنامج شاهد على العصر من قناة الجزيرة مع قائد الاركان السابق للجيش المصرى وقت السادات وقت الحرب وهو يعيش الان فى الجزائر
    استودعكم الله

المواضيع المتشابهه

  1. غدا.. "جرانه" و"المغربى" و"غبور" أمام "الجنايات"
    بواسطة وى واا في المنتدى الأرشيف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-04-2011, 21:32
  2. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 21-08-2009, 07:38
  3. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-11-2008, 21:03

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •