في كل العالم، في كل الدساتير الوضعية، والدستور الرباني قبلها، أُتيح لصاحب الأرض أن يقاتل من يستولي على أرضه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل دون دينه فهو شهيد و من قتل دون دمه فهو شهيد و من قتل دون ماله فهو شهيد و من قتل دون أهله فهو شهيد)، وقد قال تعالى: ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. مَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا).
ويقف من وراء هؤلاء صنفين من الناس، صنف يخذل المقاومة، يطعنها في ظهرها، يؤلب عليها، وصنف يقاوم التخذيل ويصد عن المجاهدين، ويقول الشاعر الفلسطيني المجاهد:
أعطني جعبة وبارودة سلاح ثلاث أيام ثلاث الغام واطلقني
مش طالب ترافقني أحميلي ظهري يا خوي ولا تخلي إيدين الشر تلاحقني
فإن لم أكن مجاهدا في سبيل الله على ارض فلسطين، فلا أقل من أن احمي ظهر هذا البطل وهذا المؤمن، وأني اضع عرضي دون عرضه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار) وقال (من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وكان حقا علينا نصر المؤمنين")، وإن لم تكن مجاهدا فتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، و لا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته ، يفضحه و لو في جوف بيته).
فيقبل المجاهد منهم بوجهه على عدوه مقبل غير مدبر متذكرا قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهض في صحابته خطيبا يذكرهم بالجهاد فقام صحابي فقال : (يا رسول الله. أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم. إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر). ويردد قوله تعالى (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) ويتذكر وهو يفرغ رصاص مخزن رشاشه في كتيبة العدو قوله تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ). فيتردد صوت الرشاشات الثقيلة والمدفعية الصهيونية وقصف الأباتشي في المنطقة، يحاولون تغطية انسحاب قواتهم التي كسرها الله تبارك وتعالى بسلاح كتائب القسام وسرايا القدس، فتقف أمهات المجاهدين على أسطح المنازل، لتشاهد وميض الانفجارات على بعد أميال من موقعهن، وأصوات الرصاص والمدفعية، فتكبر الأمهات وترتفع أكف الضراعة بأن يمكن الله للمجاهدين من سفك دماء الصهاينة المعتدين، في تلك اللحظة اللتي يستجاب فيها العداء، وفيها ينطلق أبطال المقاومة الإسلامية للنكاية بالعدو، تبرز شياطين التخذيل والاسقاطات الفاشلة لآيات التنزيل لتطعن المقاومة في ظهرها، يضاهئون قول الذين نافقوا من قبل، وتُطرح التساؤلات الفريدة:
ما النتيجة؟
قتلوا اثنين فقط...
هؤلاء يوجهون سلاحهم للمسلمين وقتلوا ضباطا مسلمين...
اللي يسمعكم يقول حرروا فلسطين...
فما أشبه اليوم بالبارحة:
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
(ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء)
في الوقت الذي يقول فيه المولى عز وجل: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ويقول (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
قتل وتعذيب وخزي المجرمين فيه شفاء لصدور المؤمنين وإذهابا لغيظهم وتوبة من الله للمؤمنين. حتى الموطئ الذي يطؤونه فيغيظ الكفار، ونيلهم من العدو نيلا يكتب الله لهم به أجر. وفي مثل هذه الأحوال تجد نفوس المؤمنين تتهلل وتفرح وتشفى صدورهم ويذهب الله غيظهم، ومقابل ذلك تجد أن هذه الأفعال (تغيظ الكافرين)، فمن أغاظته مثل هذه العمليات الجهادية التي فيها نكاية لعدو دخل أرض تركها منذ أعوام فعليه أن يراجع نفسه، فقد رانت العصبية على قلبه:
يقضى على المرء في أيام محنته - حتى يرى حسن ما ليس بالحسن
في الوقت الذي تفرح فيه قلوب المؤمنين بنصر الله، غضوا عليكم الأنامل من الغيض، وحشرجت صدورهم بالغيض حتى كادوا أن يهلكوا أنفسهم، فطفح الغيض حتى أنتن بكلمات فيها سخرية بجهاد المجاهدين وقتالهم لأعداء الله، ليسوا سواء، والله يسوا سواء، قال تعالى (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
لماذا يصبح ذكر حسنات المقاومة غيضا في قلوب البعض، حتى تجده يعتبرها بمثابة السُبة لها، بحيث إذا قيل له "المقاومة فعلت" يقول "ولكنها ما فعلت، ولم تفعل، وفعلت، ولم تفعل" حتى يأتينا بالاسطوانة المشروخة لتكتشف أن أحساسه بتقصير الجهة التي يمثلها، هي السبب الرئيسي، وليس سببا آخر، فيحاول أن يقلل ويزهد فيما تقدمه المقاومة، ويوجه لها التهم يمنة ويسرى، لأن فرح المؤمنين وذهاب غيض قلوبهم بما يحققه المجاهدون في سبيل الله يحرق فؤاده ويغيض صدره، فيحاول أن يكوي هذه النتائج بما زينه له الشيطان من أفكار.
وهذه الأمور تحدث في المجالس، تجلس في مجلس، فتسمع الناس تثني خيرا في رجل، فيظهر أدنى القوم دينا وخلقا وينبري ليظهر كل منقصة في هذا الانسان، لماذا؟ لأنه يظن أنه بما يزنه له إبليس من التشهير بهذا الانسان سيرفع به خسسية نفسه ودنائتها، ويظن أن بمقدوره أن يحط من قدر هذا الانسان الذي أحبه الناس، وصدق قول الشاعر:
ما عاب فضلا إلا حسود ... لعمري تلك هي المنقبة
وتأبى بعض النفوس إلا أن تظهر ضغينتها وينفضح أمرها، حتى يتفرق عنه أهل الخير بسبب عثراته وزلاته وتتبعه لمناقب المجاهدين ليقلبها إلى سقطات، ويتتبع عورات مستورة، فتتأبى قلوب أهل الخير عن سماع شنشنته:
إِذا أنتَ عِبْتَ الناسَ عابوا وأكثروا ... عليكَ وأبدَوا منكَ ماكان يُسترْ
إِذا ما ذكرتَ الناسَ فاتركْ عيوبَهم ... فلا عيبَ إِلا دون منامك يُذْكَرُ
فإِن عبتَ قوماً بالذي ليس فيهمُ ... فذاكَ عندَ اللّهِ والناسِ أكبرُ
متى تلتمسْ عيباً تجدْ لهمْ ... عيوباً ولكن الذي فيكَ أكثرُ
فسالهمُ بالكفِّ عنهم فإِنهمْ ... بعيبِكَ من عينيكَ أهدى وأبصرُ
فما أبصر من التفت لعيوب نفسه، وما أعور من انشغل عن عيوب نفسه بحسنات الآخرين يقلبها سيئات، وما أسوأ من ستر الله ضغينة قلبه (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا)، فيأبى إلا أن يفضح نفسه أمام الناس حينما يسمع مناقب لغيره، وكلما رأى منقبة رمى حطبا في نار صدره فيزيد أوارها، ولا نضيع وقتا كثيرا، فالطريق واضح والمستاقطون كثر، ولسنا بالذين ينتقم للمجاهدين، ولكن الله من ينتقم لهم، والله المستعان على ما يصفون.
يكفينا يا اهل فلسطين أننا نقف مع من اخترتوه ممثلا لكم، وغيرنا قد اكتفى بالتخذيل والإرجاف.
المفضلات