جزاك الله خيرا اخي مبارك ، إن اشد ما لفت نظري في مقالك ، هو تلك العلاقة بين الانسانية و القوة ، واللتي يعجز الكثير عن فهمها ، ونادرا ما اسمع عربيا يتحدث عنها .
للأسف ، لا زال الكثير من العرب يتحدث حديث العنتريات ، ويفكر بطريقة أحادية الاتجاه ، فترى الكثيرين يعجبون بالغرب ، ثم يرفضونه بالجمله !
والحق انه فيه حركات انسانية ، تدافع عن الانسان وحقوقه ، وتقف الى جانب الحق حتى ولو كان ضد ابناء جلدتهم ، ومن هؤلاء كان من كان على ظهر سفينة مرمرة .

عودة الى القيم الغربية ، قد قام الغرب بنخل ما وصلت اليه البشرية من أفكار ، فقبل بعضها ، ورفض بعضها ، وزاد وعدل ، وغير وطور ، ثم أعلن للبشرية كلها مجموعة من القيم اللتي يعتقد انها الامثل والاصلح لتكون دستور حياة للبشرية جمعاء ،فجمعها تحت اسم (ميثاق الامم المتحده ) ثم عمل على تصديرها ، وطالب البشرية جمعاء بالعمل على تبنيها .

نحن كمسلمون ، علينا ان نقبل من تلك الافكار ما لا يتعارض مع الدين ، وهو ليس بقليل ، ونرفض منها ما يتناقض ، وهو ايضا غير قليل .

ام الغرب ، فقد استخدم قيمه تلك وكأنها كتاب منزل ، فعمل على نشرها وتسويقها في كافة انحاء المعموره ، و طالب بتنفيذها ، ثم نصب نفسه شرطيا على العالم ، فمن رضي عنه ، غض البصر عنه ، ومن غضب عليه ، طالبه بالالتزام بتلك القيم ، وحاربه بحجتها !
ومن تلك القيم ، الديمقراطية ، وحقوق الانسان ، واللتي بحجتها دخلوا الى العراق ، وبحجتها افسدو البلد على اهله ، وقتلوا مئات االألوف ، ولا شك على الاطلاق ، ان حقيقة حربهم لا علاقة لها بالديمقراطيه ، او حقوق الانسان ، ولا علاقة لها باسلحه مزعومه ، بل هي مصالح وفقط .

الحقيقة ، ان الغرب اخفق بالالتزام بالشعارات اللتي رفعها ، رفع شعار استقلال القضاء والحفاظ على العدل (ولا شك انه قيمة سامية ) ، ثم نرى سمعة القضاء البريطاني تمرغ بالوحل جراء صفقة اليمامة !
في لقاء على الجزيرة سأل المذيع توني بلير (وكان حينها على رأس عمله ) عن معنى مطالبة الغرب للعالم اجمع بتطبيق الديمقراطيه ، ثم عدم اعتراف الغرب بحكومة حماس واللتي تم انتحابها ديمقراطيا ؟
فكان رده وبكل برود ، ان تلك الحكومه وعلى الرغم من انها ديمقراطيه الا انها لا تناسب الغرب !
هنا لنا هنا ان نتسائل عن حق الانتخاب ، واحترام رأي الشعب ؟
بل ولعله من الحق ان نسأل الغرب ايضا عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و حقه في ان يعيش أمنا مطمئنا كما ينص ميثاق الامم المتحده ، وعن مصداق شعاراته تلك مع مواقفه من القضية الفلسطين برمتها ، وعن مسؤوليته الحقيقة والتاريخيه والاخلاقية في صنع تلك الكارثة الانسانية على ارضنا ؟

وترى اين سلطة القانون في سويسرا ، واللتي لا سلطة لأحد فوقها ، عندما الزمها أحد الزعماء العرب على اطلاق سراح نجله ، على الرغم من تجاوزه للقانون ، بل وقيام الملك السويسري بالاعتذار عن ما جرى !

وماذا عن اعتراف ألمانيا باليهودية والبوذية كديانات في المانيا ، على الرغم من ان تعداد المسلمين يفوق تعداد أصحاب تلك الديانات مجتمعين ؟
اليس من حق المسملين ان يتم الاعتراف بديانتهم في البلد ، خصوصا وان تعدادهم يبلغ عدة ملايين !

من الطريف ان يقوم الغرب ينعت النظام الليبي بشتى المفردات والتهم (ولست بمعرض صحة هذه التهم او بطلانها )، من تجويع شغبه ، ومصادرة حقوقه ، وكبت الحريات ، وممارسة الديكتاتورية والقهر والظلم وما الى هنالك ، ثم يكف عن كل ذلك لمجرد رفع ذلك النظام الراية البيضاء للغرب ، و التوجه الى البيت الابيض كاشفا عن برنامجه النووي ، معلنا عن توبته !
هل تلك التوبة محت فعلا كلا ما سبق من التهم !

اليس تناقضا ان يطالب الغرب بحقوق الانسان على ارضنا ، ثم يفتتح معاقل للتعذيب أمثال ابو غريب !
الأدله اكثر من أن اسعها بموضوع او عشرة ، لكن ما ذكرته يكفي للتدليل على حقيقة يواريها الغرب بشعاراته ، وهي انه يتعامل مع الأخر بالمنطق الميكاقيلي ، هذا المنطق والذي هو نتاج بعض عقولهم ، هو المنطق الحاكم في الغرب ، حتى لو أقسم الغرب اغلظ الأيمان على خلاف ذلك .
الميكافيلية (والتي تعني ان ترفع اي شعار تشاء ، ومن ثم تفعل ما تشاء طالما انه يصب في مصلحتك ،حتى لو تنافى ذلك مع اي قيمة او مبدأ )هي دينهم وديدنهم .
المصلحة اولا .... او كما قائل قائلهم ، انا ، وليأتي بعدي الطوفان .
عندما تتوافق مصلحته مع مبادئه ، فإن تلك المبادئ هي وسيلة ضغط لتحقيق مصالحه ، وعندما تتعارض المصلحه مع المبدأ ، فالمصحله هي المُقدَمة.

الديمقراطية وحقوق الانسان ، هي سلاح احسن الغرب استخدامه فينا ، و آن الآوان لنا ان نعرف كيف نرد السحر على الساحر ، وذلك بمعرفة ان حقوق الانسان في الغرب ، انما حدوده كما يرونه بلادهم ، وعليه ، فإنه من الجدير بنا ان نتلمس طريقنا مع الغرب لنيل حقوقنا من خلال هذا الدرب ، من الجدير ان يتواصل المفكرين والناشطين العرب مع اقرانهم في هناك ، لينظموا قوافل حرية جديده ، وليدللوا وفق القيم الغربية الى عور الانظمه اللتي تحكم الغرب ، فهو امضى فيهم من القنابل والصواريخ .
العلاقة الانسانية اللتي يشترك بها البشرية جمعاء ، تصلح لان تكون وسلية تواصلنا مع الشرفاء من الغرب ، و ان تكون الوسيلة اللتي نفضح بها ممارساته ، ونضغط بها لنستعيد حقوقنا ، وهذا تماما اكثر ما شدني في مقالك اخي مبارك ، بارك الله فيك ،و المعذره على الاطاله .

..................................
اليك بعض الروابط اللتي اراها قيمه في هذا المجال :
جان زيغلر: الأنظمة الغربية تخلق من الإسلام عدوا وهميا (نقاش اعتبره من من الدرجه الممتازه ويستحق القراءة بكل تأكيد ) :
https://aljazeera.net/NR/exeres/30B0...AB95C7B31B.htm


مدى مسؤولية الغرب عن مظلوميتنا (راشد الغنوشي) :
https://aljazeera.net/NR/exeres/641C...436447B202.htm

عورات الغرب الثلاث (سمير ساسي) :
https://aljazeera.net/NR/exeres/301F...7F70D27922.htm