السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى ,
ونكت في قلوب أهل الطغيان فلا تعي الحكمة أبدا ,
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله أحدا ,
فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ,
و أشهد أن محمد عبده ورسوله ما أعظمه عبدا وسيدا ,
وأكرمه أصلا ومحتدا , و أبهره صدرا وموردا , وأطهره مضجعا ومولدا ,
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه غيوث الندى وليوث العدى,
صلاة وسلاما دائمين من اليوم إلي أن يبعث الناس غدا .
أما بعد ,,
فعلى كل حال
فإني أحدثكم في هذه الموضوع عن مثل معجز مهيب في كتاب ربنا الرقيب
قال تعالى " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
وقال تعالى " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً "
تــأمــل
إن هذا تحدي من الله للكافرين المعاندين
وهو تحد معجز
إذ أنهم - وكل البشر - لو اجتمعوا ومعهم الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولا بعشر سور ولا حتى سورة بل ولا آية ولا كلمة
" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً "
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ "
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ "
فالله تعالى يبين لنا إعجاز كلامه وأنه لا يقدره أحد مهما بلغ
ثــم تــأمــل
إن ربنا جل وعلا قال في الآيتين " كلمات "
و" كلمات " تفيد القلة
بعض الجهال ممن يريدون الطعن في كتاب ربنا جل جلاله يقول كيف يقول كلمات والمفترض أن يقول كلام أو كلم ، لانهما تفيدا الكثرة
لكن لو أن لهم عقول وقلوب يفقهون بها لما تجرؤا على كلام الله تبارك وتعالى
تأمل ربنا جل وعلا يخبرنا بأنه لو تحول كل الشجر الموجود على ظهر الارض إلى أقلام وكل البحار تحولت إلى حبر يمد هذه الاقلام لنفد كل هذا قبل أن تنفد مجرد الكلمات التي تفيد القلة
فكيف بالكلام او الكلم الذي يفيد الكثرة ؟!
لكنها قصرت عقول وأفهام ، وكما قال شيخ الاسلام بن القيم " وهل أوقع القدرية والمعتزلة والمرجئة والقدرية وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله .. "
ثــم تــأمــل
سبعة أبحر
وهي للتكثير وهذا في لغة العرب يقع كثيرا ، ومعلوم أن القرآن نزل بلسان عربي مبين
فالقرآن كما نعلم هو كلام الله المنزل على رسوله المتعبد بتلاوته المعجز بلفظه وأسلوبه المتحدى بأقصر سوره ، الموجود في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى سورة الناس "
فتخيل
كم من شجرة على وجه الأرض ؟؟ - عد مليارات ولا تحصي -
وتخيل حجم الماء الذي على سطح الأرض ؟
إن المياه كما تغطي من سحط الأرض ما يقرب من 79%
فتخيل ان تكون كل هذه المياه حبرا ، بل ويمده بحار وبحار وبحار ...
ومع ذلك لو تحولت تلك الاشجار إلى أقلام ، وتحولت تلك البحار إلى أحبار لنفد كل هذا قبل أن تنفد كلمات الله - ولن تنفد -
فالقرآن هو المعجزة الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
والقرآن معجز بلفظه وأسلوبه
معجز ببيانه
معجز بما تضمنه من أخبار الامم السابقة
وأخبار لم تكن وقعت حين نزول الاية كقوله تعالى " غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} "
فالاية نزلت بعد هزيمة الروم ، وقبل أن ينتصروا
فهذا من الادلة على إعجاز القرآن
وكذا قوله تعالى " سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا "
فالله تعالى يخبرنا بأن سفهاء الناس سيقولون للنبي وصحبه عندما تتحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام ما ولاكم عن قبلتكم
فأنتم إما كنتم على القبلة الصحيحة فتوجهتم لقبلة خاطئة ، أو كنتم على قبلة خاطئة ثم تحولتهم للصحيحة إذا فمن مات فقد حبط عمله
فنزل قوله تعالى " قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "
فقولهم ما ولاهم وقائله سفيه كما قال تعالى
ولو أن القرآن ليس كلام الله لما قال هؤلاء مقالتهم ، وكان بمقدورهم ان يقولوا إن محمد - صلى الله عليه وسلم - يزعم أننا سنقول كذا وكذا ، ولما تتحول القلة لا يقولون ما ولاكم ، لكن هذا أمر الله وهذا إعجاز كلام الله وفي الاإخبار عما سيقع
وأحيلك إلى تفسير بن كثير لهذه الآية ففيه كلام نفيث
ومن الأمثلة أيضا على الاعجاز بما سيكون قوله تعالى " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ "
فنحن كل يوم نسمع ونرى ونقرأ عن اكتشافات عجيبة سواء في الفلك الخارجي
أو على ظهر البسيطة كاكتشاف كلام النمل ، ولو أنهم سلموا دينهم لله لعلموا تلك الحقيقة مذ أن نزل القرآن ، قال تعالى " حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ "
ومثل قوله تعالى "فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ "
وقد تكاثرت أبحاث كثيرة حول معنى هذه الاية ، فسبحان ربي لو كان القرآن كلام النبي صلى الله عليه وسلم او كلام سلمان الفارسي كما زعموا أو كلام أمية بن أبي الصلت كما زعموا أيضا ، فكيف كان سيعرف بأن النمل يتكلم ولم يكن عندهم تقنيات التسجيل البسيطة أصلا فضلا عن التقنيات الحديثة ؟
كيف كانوا يعرفون بأن الانفجارات الداخلية التي تحدث في الشمس تكون على شكل جمال ؟ " كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ " ، ولم يكن عندهم مواقع رصد أو أقمار صناعية .
من أين كانوا سيعرفون بأن السماء تتمدد وتتسع ؟ " وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ "
من أين كانوا سيعرفون أن الاكسجين قل كلما ارتفعت المسافة لأعلى ؟ " َمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء " ، هل كان عندهم طائرات ، ومعامل وبحوث ؟
من أين كانوا سيعرفون أن السماء وما فيها من نجوم وأجرام محبوكة كالشباك " وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ " ؟ أم أنهم صعدوا لسطع المريخ وشاهدوا ذلك عيانا ؟؟!
ومن أين كانوا سيعرفون أن ما يظهر من الجبال على سطح الأرض إنما هو شئ يسير من حجمه وارتفاعه ؟ " وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً " ، أم كان عندهم تقدم جيولجي هائل ؟!!
ومن أين كانوا سيعرفون أن البحر ظلمات وظلمات ؟ " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا " ، أم كانوا غواصين مهرة يستخدمون أحدث أجهزة الغطس ؟!
ومن أين كانوا سيعرفون مراحل الجنين في بطن أمه ؟ " ... فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ... " ، أم كان عندهم كل وسائل الطب الحديث ؟ ، ثم ما أدراهم بالمضغة المخلقة والغير مخلقة ؟ هل كانوا يرونها أصلا ؟ !
وغيرها الكثير الكثير من الآيات التي ولو ظللنا نتدبر فيها السنين الطوال لن نقف على منتهى معانيها
ثــم انــظــر فهناك ثمة شئ يجدر الاتفات إليه
بعد أن تحدثنا عن شئ من إعجاز القرآن فلنعلم أن هذا القرآن بإعجازه وحلاوته وجماله وروعة بيانه وأسلوبه المعجز يكون هاديا لقوم ، ومضل لأخرين !
كيف هذا ؟
قال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "
وقال تعالى " وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً "
وقال تعالى " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى "
تــأمــل
فالقرآن يهدي المؤمنين الصادقين الذين آمنوا به وبالنبي صلى الله عليه وسلم وعملوا به وأزعنوا له وجعلوه منهج حياتهم
والحاكم لما يقع بينهم ، فسعدوا به وكان لهم هدى ورحمة وشفاء للقلوب
ونور يضئ لهم الدروب
ويقودهم ويخرجهم من ظلمات التيه والجهالات والكفر إلى نور الوحي والهداية والاسلام والتسليم
والقرآن هو هو سبب شقاء قوم آخرين
وهم الكافرون ، فكلما سمعوه زادهم نفورا وزادهم إعراضا " وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً "
فهو عليهم عمى وضنك وتيه وشقاء ، ويقولون لأتباعهم " لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ "
فقلوبهم منكرة عمياء عن مشاهدة الحق صماء عن سماع الحق بكماء عن الصدوع والنطق بالحق ، أيديهم شلاء عن مناصرة الحق ، أرجلهم حجراء عن السعي إلى الحق
" مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ "
وانظر لوصفهم على لسان نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام " قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6}"
هكذا حالهم وهذا وصفهم وهو ذا رسمهم
يفرون من الحق لما جاءهم ، فيتبعون شياطين الجن والانس ويتخذوهم وجاء لهم .
مع أنهم يعلمون أن هذا القرآن لا يمكن بحال أن يكون من صنع البشر ولا يمكن أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم
لكنهم استكبروا عن قبول الحق ، وإلى المصير " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ "
فاحمد الله أنك من أهل الاسلام وقد شرفك الله به دون جهد منك او عناء
وها نحن في رمضان فلا تهجر القرآن تلاوة وتدبرا وتفكرا
وانا أعلم أن أكثرنا ينهض في رمضان ويقرأ القرآن
فلا تنفك عن القرآن طوال الشهر
ولا تنفك عن القرآن بعد الشهر فرب رمضان هو رب العام كله فلا تكن ممن يعلوا مصحفه التراب بعد رمضان
فكن محافظا على القرآن بعد رمضان كما كنت محافظا عليه في رمضان
واعلم ان لك بك حرف حسنة والحسنة بعشر ، والله يضاعف لمن يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب
واعلم أن أهل القرآن هم اهل القرآن وخاصته
وأن القرآن يشفع لصاحبه ويحاج له عند ربه فيقول أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفع له
فهذا هو القرآن تمسك به فإنه من تمسك به نجا ، ومن تركه تردى وغوى
فكن ممن يكون القرآن حياة قلبه ، ونور بصره ، وبصيرة فؤاده ، وصوت لسانه ، وسماع أذنه
كن متقنا للقرآن ماهرا به لتكون مع السفرة الكرام البررة
وإن كان عليك شاق - بعد بذل الجهد في تعلمه - فلا تحزن فلك أجرين أجر القراءة وأجر التعتعة
واعلم أن الامة محسودة على هذا القرآن ، وأن أعداء الاسلام يعلمون جيدا أن الامة لو تمسكت بالقرآن لعلت وانتصرت
فاسجد لله شكرا أنك من هذه الامة
قلت ما قرأتم ، وأسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجه
هذا وما كن من توفيق فمن الله وحده ، فهو محض كرمه وفضله وجوده ومنه
وما كان من خطا أو نسيان فمني ومن الشيطان
وإلى الله المصير
فهو بكل جميل كفيل
وهو حسبنا ونعم الوكيل
جزاكم الله خيرا
ولعلي لا اعدم منكم دعوة صالحة بظهر الغيب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول
ضوابط المشاركة
المفضلات