بينما أنا جالس فى لحظة «أنتخة» متكررة أتأمل اللاشىء فى انتظار احتراق الأيام الباقية على احتفال يوم الشهر الذى لا يدوم إلا ليلة وضحاها، فإذا بزوجتى تكسر حاجز الملل بيننا بحوار إنسانى راق بدأته: «وإنت حتقعد كده زى قرد قطع مستنى أول الشهر والناس حاولينا عمالة تعمل مشاريع».. فقررت إحراجها ووضعها أمام عقلها الذى دائماً ما يحرجها، فباغتها: «فكرى وقولى وأنا تحت أمرك»..

ويبدو أن اللئيمة كانت جاهزة لكلامى المباغت ومتوقعة له فجاوبتنى فوراً: «النوبى بنديرة عنده تاكسى قديم عاوز يبيعه.. نرهن نص البيت اللى إنت وارثه عن أمك اللى هى ورثاه عن جدها ونشتريه».

ولأن كلام زوجتى الرقيق أوامر لما فيه من دفء ومحبة.. رهنت نصف البيت واشتريت سيارة النوبى بنديرة المتهالكة.

والنوبى لا يقع إلا واقف على دماغ أمثالى.. فقد كانت السيارة محتاجة لميكانيكى يعيد عليها من الأول حتى تستطيع السير ولو 4 ساعات فى اليوم عشان تلم حقها.. وكمان رخصتها منتهية من ثلاثة شهور.

بجانب بيتنا المرهون تقع ورشة صلاح كارك الميكانيكى الذى أوهمنى أن العربية حاتخرج من إيده فابريقة، ويمكن كمان أبيعها وأكسب فيها كام ألف جنيه.. وبدأ اللعين بتسييل لعابى حتى أصبحت كالعجينة بين يده وعندئذ طلب سيرفو جديد و2 كوبلنج ومساعدين وكاربراتير وحبة سيور وجلب.. وعندما ألمحت له أن هذا فوق طاقتى المنهارة، قال لى بثقة العلماء: ده إحنا حانعمل عربية جديدة.. اتصرف.. ولم أجد أمامى إلا رهن ربع البيت من النص اللى فاضل.

وبعد أسبوع استدعانى صلاح كارك لأستلم العربية وأبّجه الـ500 جنيه مصنعية وكان قد سحب منها 480 على مدار الأسبوع.. وقبل أن أضع المفتاح فى العربية طلب العشرين الباقية وإكرامية النص الصبى بتاعه.. ومع أول حركة للمفتاح واقف التاكسى فى عناد الحمار فى المطلع ورفض التحرك من مكانه، وابتسم كارك بهدوء، وقال: هى محتاجة كل مرة زقة بسيطة.. وعندما تجرأت واحتججت، نظر لى متحفزاً صارخاً: ليه هو أنا ربنا باحيى الموتى دى كانت ميتة.

انتهزت فرصة أن العربية دايرة وتوجهت للمرور لإنهاء الرخصة.. وبعد رحلة مع 10 شبابيك دفعت فيهم بقية رهنية ربع البيت.. استقر الأمر على رهن صدور الرخصة على مبلغ 5000 جنيه بقية الرسوم ومخالفات كان النوبى اللعين قد رحلّها من شهادة المخالفات التى أحضرها لى.

ولأنى عنيد فى حقوقى ولا أفرط فيها فقد أصررت على الحصول على الرخصة بأى ثمن، وهو ما دفعنى إلى الاتصال بالنوبى بنديرة وبعت له التاكسى ناقصا عن ثمنه 2000 جنيه.. وبهذا انتصرت على تحدى الأقدار لى، وهى من المرات النادرة، وخرجت حاملاً الرخصة فى يدى سعيداً بهذا الانتصار.. وعندما سألتنى زوجتى عن التاكسى وهى تحرك بقها تهكما شرقاً وغرباً، قلت لها كعادتى «قضا أحسن من قضا» وبدأت رحلة يوم جديد.

منقووووووووووووووووووووووول

ما اطيبك ايها الشعب المصري الصامد بالرغم من طواحين الحياة التي تكسر في عظامك كل يوم الاف المرات