بسم الله الرحمن الرحيم

----

فى غابة غناء وفى وسط الورود والأشجار ،كان هناك رجل يسير مستمتعاً بالنظر إلى صفاء السماء ،والاستمتاع إلى تغريد العصافير،ويشم عبير الروائح والعطور الطبيعية ..وبينما هو كذلك إذا بأسد ضخم قوى يهاجمة ،ويركض نحوه بسرعة خارقة جنونية!!
كان الأسد جائعاً،فنطلق الرجل ساقيه ركضاً فى محاولة منه للنجاة من ذلك الأسد ،إذا به يرى بئراً ،فقفز الرجل فيه وأمسك بحبل البئر يتمرجح به حتى لا يموت غريقاً،وصار بين خطرين:خطر الأسد،وخطر الغرق!!


كان زئير الأسد مرتفعاً،يخيف كل من يسمعه،ولكنه بعد حين هدأ وسكن فالتقط الرجل أنفاسه وإذا بثعبان ضخم يتحرك بالبئر حركة تزلزل كل من يشاهدها ويسمعها !!
وبينما كان الرجل يفكر فى طريقة ينجو بها من خطر الأسد والثعبان إذا بفأرين أحدهما أسود والثانى أبيض يتعلقان بحبل البئر ويتسلقانه،ثم بدأ الفأران فى قرض الحبل ،فأصيب الرجل بالهلع ،وأخذ يهز الحبل بيديه بغية أن يترك الفأران الحبل فيزول الخطر.



زاد الرجل من قوة هزه الحبل ،وأصبح يتمرجح يميناً ويساراً وهو متعلق بالحبل داخل البئر، فأصطدم كثيراً بجدران البئر،وبينما هو كذلك إذ أحس بشئ رطب ولزج ،فحاول أن يتذوقه بلسانه، فوجده عسلاً، حيث توجد بعض خلايا النحل،فكرر الرجل أخذ العسل وتذوقه،فأنسته حلاوة العسل الموقف الذى هو فيه!!



أستيقظ الرجل من نومه،فقد كام ذلك حلماً ولم يكن واقعاً!!
ذهب الرجل إلى أحد العلماء المتخصصين فى تأويل الأحلام والرؤى ،وقص عليه رؤياه،فأجابه العالم :أما الأسد الذى كان يركض وراءك فهو الموت الذى يطاردك ،وأما البئر فهو قبرك ،والحبل الذى كنت تتعلق به هو عمرك ،والفأر الأبيض هو النهار والفأر الأسود هو الليل ينقصان من عمرك ، وأما العسل فهو رمز للدنيا وحلاوتها التى أنستك أن وراءك موتاً وحساباً!!



إن هذه القصة تفرض تساؤلات ينبغى أن تشغلنا دائماً،وأن نديم التفكير فيها ،كى نجيب عنها قبل أن يسألنا الله تعالى ،وأهم هذه الأسئلة:
.كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بشهوة ساعة؟وما أكثرهم ؟
.كيف يهتك العبد الستر الذى بينه وبين ربه وهو يعلم أن الموت يطارده والحساب فى أنتظاره؟
يقول ابن القيم يرحمه :"للعبد ستر بينه وبين الله ،وستر بينه وبين الناس ، فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله هتك الله الستر الذى بينه وبين الناس"
.كيف يستمر العاصى فى معصيته وهو يعلم أن الموت قريب وأن العذاب شديد ؟
.لماذا لا يسلك العاصى طريق النجاة برغم أنه معلوم لدبه ، كما أنه يعرف اثار المعاصى ؟
يقول ابن القيم يرحمه الله معدداً اثار المعاصى :"إن من اثار المعاصى والغفلة عن ذكر الله قلة التوفيق ،وفساد الرأى ،وخفاء الحق ،وفساد القلب ،وخمول الذكر ،وإضاعة الوقت ،ونفرة الخلق،والوحشة بين العبد وربه ،ومنع إجابة الدعاء ،وقسوة القلب ،ومحق البركة فى الرزق والعمر ،وحرمان العلم ،ولباس الذل ،زإهانة العدو،وضيق الصدر ،والاببتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت ،وطول الهم والغم،وضنك المعيشة ،وكسف البال
كان هذة تتولد من معصية والغفلة عن ذكر الله تعالى ،كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار..وأضداد هذة تتولد عن الطاعة.

جدير بنا أن نراجع أنفسنا وقد ظهرت فينا اثار المعاصى ،وأكثرها إيلاماً إهانة الأعداء لنا ولباس الذل وضيق الصدر ،والإبتلاء بقرناء لنا فإننا نُبتلى بهم فى أولادنا وذوينا .

أليس مانراه يحدث لإخواننا فى غزة يدفعنا إلى مراجعة أنفسنا لنصدها عن المعاصى والغفلة؟
إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من عبد ربه عز وجل لما أصابه البلاء فى الطائف وتنكر له الخلق ،وسخروا منه وأدموا قدميه الشريفتين وسال دمه الزكى العطر لما حدث له ذلك توجه الى ربه..وكان من دعائه ومناجاته لربه "إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى "!!
ألسنا أحوج من رسول اللهصلى الله عليه وسلم الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
.إلى أن نقلع عن المعاصى وأن نفيق من غفلتنا وأن نعود إلى خالقنا توابين أوابين ؟
ألسنا فى حاجة إلى أن نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا ،لنعرف من العدو ومن الحبيب؟؟!!



--- الموضوع منقول .