بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم المنان ، الحمد لله عظيم السلطان ناصر عبده محمد صلى الله عليه وسلم بالايات وأظهرها و أبينها الفرقان، خالق عيسى من أم و آدم من طين بلا أبوان، الحمد لله القائل في كتابه (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).الزخرف (57-61) . وصلى الله علي سيدنا محمد الصادق المصدوق البشير النزير، صلي الله علي نبينا المخبر بالاخبار فما تزال تظهر كالصبح المنير .
وبعد ففي ما يلي نقل لأقوال العلماء وشرح الفقهاء فيما أختلف فيه او أتفق عليه في تفسير قوله تعالي: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَوَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ‏وَجَاعِلُ الَّذِينَاتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ‏فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). آل عمران الايه (55)، وذلك لرفع الاشكال و توضيح رأي أهل العلم الثقات مع العلم بأنه لا مجهود لي في هذه الماده الا النقل و الجمع ، فجزي الله علمائنا خير الجزاء .
أولا : هل نبي الله عيسى حي ام ميت؟
لا خلاف بين أهل العلم في ان نبي الله عيسى لم يصلب ولم يقتل وذلك لما بينه الله سبحانه وتعالي في القران الكريم إذ قال : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} النساء (158-159). قال بن كثير: (أن اليهود سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب وكان يقال لأهل ملته اليونان وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه ويكف أذاه عن الناس فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقال سبعة عشر نفرا وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت فحصروه هنالك . فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة ؟ فانتدب لذلك شاب منهم فكأنه استصغره عن ذلك فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب فقال : أنت هو وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو وفتحت روزنة من سقف البيت وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء) وقال : وهذا نفي قطعي) (مختصر تفسير ابن كثير-المجلد الاول).قال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي في كتابه التصريح بما تواتر في نزول المسيح (قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبدالله ورسوله عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه، وأنه لم يمتولم يقتل ولم يصلب، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزيرويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة. وقد أجمع علماء الإسلام على ما ذكرناه وإنما أختلفوا في معنى الوفاه المذكور في قول الله عز وجل: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىإِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، على أقوال أحدهما: أن المراد بذلكوفاة الموت لأنه الظاهر من الآية بالنسبة إلى من لم يتأمل بقية الأدلة. ولأن ذلك قدتكرر في القرآن الكريم بهذا المعنى مثل قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُالْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْيَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ}، في آيات أخرى قد ذكر فيها التوفيبمعنى الموت وعلى هذا المعنى يكون في الآية تقديم وتأخير.
القول الثاني: معناه القبض، نقل ذلك ابن جرير في تفسيره عن جماعة من السلف، واختاره ورجحه على ماسواه، وعليه فيكون معنى الآية: إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حيورافعك إلي، ومن هذا المعنى قول العرب: توفيت مالي من فلان أي قبضته كلهوافي.
والقول الثالث: إن المراد بذلك وفاة النوم؛ لأن النوم يسمى وفاةوقد دلت الأدلة على عدم موته عليه السلام فوجب حمل الآية على وفاة النوم جمعا بينالأدلة كقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}،وقوله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْتَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُالْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، والقولان الأخيران أرجح من القول الأول،وبكل حال فالحق الذي دلت عليه الأدلة البينةوتظاهرت عليه البراهين أنهعليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء حياً، وأنه لم يمت بل لم يزل عليه السلام حيافي السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان ويقوم بأداء المهمة التي أسندت إليه المبينةفي أحاديث صحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يموت بعد ذلك الموتةالتي كتبها الله عليه ومن هنا يعلم أن تفسير التوفي بالموت قول ضعيف مرجوح، وعلىفرض صحته فالمراد بذلك التوفي الذي يكون بعد نزوله في آخر الزمان فيكون ذكره فيالآية قبل الرفع من باب المقدم ومعناه التأخير؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب كما نبهعليه أهل العلم )إنتهى كلامه ، قال الإمام إبن تيمية رداً على من إدعى موته فهذا دليل على أنهلم يعن بذلك الموت ‏إذ لو أراد بذلك الموت، لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإنالله يقبض أرواحهم ‏ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية) (مجموع فتاوي بن تيميه-322)‏.
مما سبق نجد إنه لا إختلاف بين أهل العلم في ان اليهود لم يتمكنوا من صلبه ولا قتله. ولكن الاختلاف في معني قوله تعالي {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}النساء (15. قال ابو الفرج ابن الجوزي في نزهة الأعين النواظر في علم الوجوهوالنظائر213-214"باب التوفي: التوفي : اسم مأخوذ من إستيفاءالعدد. واستيفاء الشيء : أن تستقضيه. يقال: توفيته ، واستوفيته . ( كما يقال : تيقنت الخبر :واستيقنته ). والوفاة : اسم للموت، لأنه يكون عند إستيفاء العمر. وذكر أهل التفسير أن التوفي في القرآنعلى ثلاثة أوجه:
أحدها : الرفع إلى السماء ، ومنه قوله تعالى في آلعمران : إني متوفيك، وفي المائدة : فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم. والثاني: قبضالأرواح بالموت ، ومنه قوله تعالى في سورة النساء:إنالذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، وفي النحل : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وفي السجدة :قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم. والثالث:قبض حس الإنسان بالنوم، ومنه قوله تعالى في الأنعام : وهو الذي يتوفاكم بالليل، وفي الزمر: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها. إنتهى كلامه رحمه الله. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 4-99-101": وقال جماعة من أهل المعاني منهم الضحاك والفراء في قولهتعالى: " إني متوفيك ورافعك إلي " على التقديم والتأخير، لان الواو لا توجبالرتبة. والمعنى: إنى رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل منالسماء، كقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى}(طه 129)،والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما . قالالشاعر: ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام،، أي عليك السلام ورحمةالله. والصحيح أن الله تعالى رفعه إلىالسماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيحعن ابن عباس، وقاله الضحاك . إنتهى كلامه رحمه الله . قال الزجاج في إعرب القرآن 19: قوله تعالى:"إنى متوفيك ورافعك إليَّ"والرفع قبل التوفي ومن ذلك قولهتعالى " ووهبنا له إسحاق ويعقوب " إلى قوله " وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً " فأخرلوطا عن إسماعيل وعيسى نظيره في النساء " وعيسى وأيوب ويونس " وعيسى بعد جماعتهمومن ذلك قوله تعالى " رب موسى وهارون " في الأعراف، وفي طه " برب هارون وموسى " وفيالشعراء أيضاً، فبدأ أولا بموسى ثم قدم هارون في الأخريين ومن ذلك قوله تعالى " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة " وإمطار الحجارة قبل جعلالأسافل أعالي فقدم وأخر الإمطار نظيره في سورة الحجر وقال تعالى " فكيف كان عذابي ونذر " والنذر قبل العذاب وفسر قوله تعالى " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " أي وانتفخت لظهور نباتها، فيكون من هذا الباب. إنتهى كلامه رحمه الله. قال الشيخ الامين الشنقيطي في أضواء البيان "129" : إن كثيرا ممن لاتحقيق عندهم يزعمون أن عيسى قد توفي، ويعتقدون مثل ما يعتقده، ضلال اليهودوالنصارى، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّيمُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55], وقوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِيكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (المائدة:117) .فالجواب: أنهلا دلالة في إحدى الآيتين البتة على أن عيسى قد توفي فعلا. أما قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} فإن دلالته المزعومة على ذلك منفية من أربعةأوجه:
الأول: أن قوله: {مُتَوَفِّيكَ} حقيقة لغوية في أخذ الشيء كاملا غير ناقص، والعرب تقول: توفي فلان دينه يتوفاه فهو متوف له إذاقبضه وحازه إليه كاملا من غير نقص. فمعنى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} في الوضعاللغوي أي حائزك إلي، كاملا بروحك وجسمك.
الوجه الثاني: أن معنىمُتَوَفِّيكَأي منيمكوَرَافِعُكَإِلَيَّ، أي في تلك النومة.وقد جاء في القرآن إطلاق الوفاة على النوم في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِوَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}.(الأنعام:60)، وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْفِي مَنَامِهَا}(الزمر:42)، وعزى ابن كثير هذا القول للأكثرين، واستدلبالآيتين المذكورتين.

الوجه الثالث: أن{مُتَوَفِّيكَ}، اسم فاعل توفاه، إذا قبضه وحازه إليه، ومنهقولهم: توفي فلان دينه إذا قبضه إليه، فيكون معنى {مُتَوَفِّيكَ} على هذا، قابضكمنهم إلي حيا، وهذا القول هو اختيار ابن جرير. وأما الجمع بأنه توفاه ساعات أوأياما، ثم أحياه فلا معول عليه، إذ لا دليل عليه.
وأما الوجه الرابع: من الأوجه المذكورة سابقا، أن الذين زعموا أنعيسى قد مات، قالوا: إنه لا سبب لذلك الموت، إلا أن اليهود قتلوه وصلبوه، فإذا تحققنفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره، تحققنا أنه لم يمت أصلا، وذلك السبب الذي زعموه، منفي يقينا بلا شك، لأن الله جل وعلا قال:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}. (النساء:157)، وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً, بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُإِلَيْهِ}.وضمير: {رَفَعَهُ} ظاهر في رفع الجسم والروح معا كما لايخفي. وقد بين الله جل وعلا مستند اليهود في اعتقادهم أنهم قتلوه، بأن الله ألقىشبهه على إنسان آخر فصار من يراه يعتقد اعتقادا جازما أنه عيسى. والحاصل أن القرآنالعظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهمادال على أن عيسى حي، وأنه سينزل في آخر الزمان، وأن نزوله من علامات الساعة، وأنمعتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره، واعتقادهم الكاذبأن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى. إنتهى كلامه رحمه الله.
ثانيا: هل سينزل نبي الله عيسى لآخر الزمان؟
علي الرغم من إختلاف العلماء الذي ذكرته سابقا في كنه الوفاه المذكوره فإنهم إجمعوا جميعهم علي أن نبي الله عيسى سينزل في آخر الزمان وذل لما هو ثابت بالقران الكريم و السنه النبويه المطهرة.
من القران الكريم قوله تعالي:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.الزخرف (61)،وقوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} النساء (159) . قال ابن عباس رضي الله عنهما :" }وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ { قَالَ : هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (([1])). وقال القرطبي رحمه الله :" وقرأ ابن عباس وأبو هريرة و قتادة و مالك بن دينار و الضحاك : وإنه لعَلَمٌ للساعة ، بفتح العين واللام . أي : أمارة ". قال مُجاهد " وإنهُ لعلم للساعة " أي ءاية للساعة خُرُوج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة وهكذا رُوي عن أبي هُريرة وابن عباس وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم وقد اشتهرت الأحاديث عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ أخبر بنُزُول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إمامًا عادلا وحكمًا مُقسطًا. وقوله تعالى " فلا تمترُن بها " أي لا تشُكوا فيها إنها واقعة وكائنة لا محالة " واتبعُون " أي فيما أُخبركُم به . قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان : أن الضمير في قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} ، راجع إلىعيسى، وأن تلك الآية من سورة النساء تبين قوله تعالى هنا: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌلِلسَّاعَةِ}.
أما من السنه المطهرة فقد تواترت الأحاديث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلمبخبر نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا أذكر منها :
· حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم، قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول: سمعت عبدالله بن عمرو، وجاءه رجل، فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله! أو لا إله إلا الله. أو كلمة نحوهما. لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا. إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرق البيت، ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما). فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود. فيطلبه فيهلكه. ثم يمكث الناس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع. لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم. ثم ينفخ في الصور. فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا. قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله. قال فيصعق، ويصعق الناس. ثم يرسل الله - أو قال ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل (نعمان الشاك) فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يقال: يا أيها الناس! هلم إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسؤلون. قال ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعين. قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا. وذلك يوم يكشف عن ساق". صحيح مسلم ، كتاب الفتن ، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ في الصور، وبعث من في القبور 116 - (2940). حدثنا إسحاق: أخبرنا
· يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب: أن سعيد بن المسيب: سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها). ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به من قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}. صحيح البخاري ،كتاب الأنبياء ، باب: نزول عيسى بن مريم عليهما السلام،326.
· حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم حَكَما مُقْسِطا. فَيَكْسِرُ الصّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". و حدّثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَ هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ قَالُوا: حَدّثَنَا حَجّاجٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله يَقُولُ: سَمِعْتُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَىَ ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ فَصَلّ لَنَا. فَيَقُولُ: لاَ. إِنّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ الله هَذِهِ الأُمّةَ". صحيح مسلم،كتاب الإيمان،باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


قول الدكتور حسن الترابي في مسألة نزول المسيح:
جاء في كتابه "قضايا التجديد.. نحو منهج أصولي" : "وفي بعض التقاليد الدينية تصور عقدي بأن خط التاريخ الديني بعد عهد التأسيس الأول ينحدر بأمر الدين انحطاطاً مضطرداً لا يرسم نمطاً روحياً. وفي ظل هذا الاعتقاد تتركز آمال الإصلاح أو التجديد نحو حدث أو عهد واحد بعينه مرجو في المستقبل يرد أمر الدين إلى حالته المثلى من جديد. وهذه عقيدة نشأت عند اليهود واعترت النصارى، وقوامها انتظار المسيح يأتي أو يعود عندما يبلغ الانحطاط ذروته بعهد الدجال قبل أن ينقلب الحال صاعداً بذلك الظهور، ولعلها تحريف للبشريات التي جاءت في الوحي القديم بمبعث عيسى ثم بمبعث محمد عليهما السلام.
ذكر الشيخ محمد سرور زين العابدين في كتابه " دراسات في السيرة النبوية " ، وفي مجلة السنة .:
- ( حسن الترابي ونزول المسيح : أنكر أستاذ الحقوق الدستورية في الجامعات السودانية الدكتور حسن عبد الله الترابي نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان ، فقلت له في مجلس ضمنا قبل أكثر من إحدى عشرة سنة : كيف تنكر حديثاً متواتراً ؟! قال : أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده وإنما أراه يتعارض من العقل ، ويقدم العقل على النقل عند التعارض .

حكم من أنكر نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام:
الشيخ ابن باز: نصيحة لمن اعتقد بوفاة المسيح وعدم نزوله في آخر الزمان (الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 332)
في رسالة أرسلها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الشيخ : أبو بكر محمود جومي رئيس القضاة سابقا في شمال نيجيريا وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة . "
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد اطلعت على كتابكم حول وفاة المسيح عيسى ابن مريم ، وتقريركم : عدم نزوله في آخر الزمان ، وعنوانه : ( حل النزاع في مسألة نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ) ، ويقع في ثلاثين صفحة من القطع الصغير . واستغربت ذلك كثيرا ; لمخالفته للأحاديث الصحيحة المتواترة في نزوله آخر الزمان ، ولا يوجد في الكتاب الكريم ما يخالف ذلك . فالواجب عليك الرجوع عن هذا القول ، والتوبة إلى الله من ذلك ، ومتابعة أهل السنة في إثبات نزوله عليه السلام آخر الزمان ، ومن خالفهم فقد شذ وخالف الحق ."


والله من وراء القصد