صلنا وجلنا في موضوع المدعو زين العابدين بن علي، ودخلنا في نفق المواضيع السياسية والحقوقية والإنسانية، ولكن أعظم ما تترقق به القلوب وتتعظ به العقول، وتنقاد من بعده الأنفس، النظرة الإيمانية لما اصاب زين العابدين بن علي، وهو فن لم نتقنه، أوغلنا في ساس يسوس، وتناطحنا تناطح التيوس، وبقيت القلوب تحمل بين جوانحها حنقا يقسي القلب.

فما نصيبنا من الحديث السياسي حول بن علي وأضرابه إلا كقصص المغامرات، وروي أن قاصا كان يقرب محمد بن واسع، فقال: مالي أرى القلوب لا تخشع، والعيون لا تدمع، والجلود لا تقشعر ؟ فقال محمد: يا فلان ما أرى القوم أتوا إلا من قبلك، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع على القلب.

فحري بالعاقل أن ينظر لمآل الأحوال بعد أن صارت المخالفة ديدن أصحاب الرياسة، والظلم من شيمهم الأصيلة، فأهانوا شعوبهم وظلموهم واضطهدوا من خالفهم وألقوهم في غياهب السجون، وشردوا أصحاب العلم والمثقفين وعلية القوم، وجمعوا حولهم السراق واللصوص ومن لا أصل له يردعه ولا شرف له يستره، فجعلوهم حائلا بينهم وبين الناس، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين ، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ؛ احتجب الله دون حاجته ، وخلته ، وفقره وفي رواية : أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته"...

وها هو ابن علي، فر لا يلوي على شيء، ونقل معه ثروة عظيمة، خمسة مليارات دولار كما قيل، كانت كافية لعمل عشرات المصانع وبنية تحتية ومطار وشوارع وميناء للمناطق الفقيرة ليعمل أهلها في الصناعة والزراعة والتجارة، فر، نعم هو فر بثروة عظيمة قد تبقى له ولأحفاده، لكن ما قيمة المليارات والرجل ينعته الناس باللص والحرامي، وقد عرف القاصي والداني بأنه لص سارق، ماذا ستنفعه المليارات وقد فقد بعض أقاربه، ماذا ستنفعه وقد ألقي القبض على مالا يقل عن 30 من أفراد عائلته، وقد بدأت بعض الدول بتجميد أرصدته.

عاش عزيزا مكرما لمدة 23 سنة، الناس تصفق له خوفا وطمعا، لكن 23 ساعة لم تكفي ليكسب ود شعبه، بل كان الشعب يزيد غليالا يوما بعد يوم حتى أقصاه، وأصبح يعيش في ذل الأقصاء:
إتعض يامن قضا أو حكما --- سوف يلقى الشخص ما قد قدما
وهوإن يعرض عزل ندما --- لا توازى لذة الحكم بما
ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل

قد عزل، عزل ممن؟ عزله الشعب الذي سيم الخسف لعقدين من الزمان...

ولكن العاقبة لم تأت بعد، فعاقبة الأخرى أشد، قال تعالى "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى"...
فهل من عظة؟


علينا الاعاظ من الأحداث، نعم نفرح ونسعد بذهاب أمثال هؤلاء، لكننا نأبى علاج القصور الذي يصبنا وننشغل بقصور الآخرين.