مقالة هامّة تتحدّث عن مستقبل الثّورة التّونسيّة في ظلّ محاولات النّظام السّابق للعودة مجدّداً بأشكال أخرى (:mad أحببت أن أنقلها لكم:

ليست الثورة التونسية كباقي الثورات التي شهدها الوطن العربي في تاريخه المعاصر، فقد جاءت في توقيت يعتقد الكثيرون أن الشعوب العربية تغط في سباق عميق، وأن لا فائدة من محاولة إيقاظها، وأن الأنظمة الحاكمة لم تعد تأبه لصرخات المواطنين وشكاواهم من ذل المعاملة والعوز والفقر، ولم تعد تلتفت للانتقادات اللاذعة التي يوجهها بعض الكتاب والمفكرين والصحفيين لها، ولا إلى الأعمال السينمائية والمسرحية التي تنتقد الأوضاع بصورة لا لبس فيها ولا غموض.

غير أن هذه الثورة جاءت لتكشف عن حقيقة ينبغي على النظام الرسمي العربي أن يعيها جيداً، وهي أن الشعوب العربية قد تحملت من الضغوط ما يمكن أن يدفعها لانفجار قد لا يحمد عقباه، يستوي في ذلك البلدان العربية الغنية بالموارد النفطية، والبلدان التي يرتفع فيها سقف الفقر ليطال مستوى أعلى مما هو عليه في تونس.

ليس من شك- والحال هذه- أن يضع كل مواطن عربي يده على قلبه، تحسباً من أن ينجح أعداء هذه الثورة في إجهاضها.
فقد أمضى الشعب التونسي أكثر من عقدين من الزمن في نضال مستمر ضد نظام بوليسي استبدادي فاسد لا يرحم.


فهناك من الشواهد والوقائع على الأرض ما يؤكد أن حلفاء النظام السابق يبذلون جهداً غير عادي، من أجل امتصاص غضبة الشارع التونسي، وتجيير ثورته لصالح عودة ذلك النظام .. ولكن بعد تجميله.

من المظاهر التي لا يطمئن لها قلب كل حريص في الوطن العربي على نجاح هذه الثورة:

1- حين بلغت الثورة أوجها، وشعر "بن علي" أنه عاجز عن السيطرة على الوضع، راجت شائعات- قبل هروبه- حول إقالاته لوزراء وضباط كبار من جهاز الأمن الرئاسي والجيش وجهاز الشرطة، وكذلك حول إجراء تعيينات لا يهم أن نعرف من أصابت ومن أخطأت، الأمر الذي احتسب في عداد محاولاته امتصاص غضبة الشارع التونسي.


2- فور الإعلان عن هروبه وحلوله ضيفاً على السعودية، فوجئ الشعب التونسي بـ "محمد الغنوشي" الذي شغل منصب رئيس الوزراء في النظام السابق لمدة تزيد عن عشر سنوات .. يعلن نفسه قائما بأعمال رئيس الجمهورية بصورة (مؤقتة)، معللاً ذلك بعدم تمكن الرئيس "بن علي"، من مزاولة مهام منصبه بصورة مؤقتة (أيضاً).


3- وحتى يقنع الشارع التونسي الثائر بمحاولته تولي زمام الأمور بعد هروب بن علي، راح "الغنوشي" يدلي بتصريحات للقناة الفرنسية حاول فيها أن ينأى بنفسه عن فساد النظام السابق. كما صاحبت محاولاته تلك قصائد مدح من مؤيديه تشيد بنزاهته، وأن دوره- في العهد السابق- لم يتعد كونه رجل اقتصاد يؤدي عمله بأمانة ونزاهة، كما لم تكن له أي صلة أو علم بما كان يرتكبه النظام من جرائم الاستبداد والفساد بحق الشعب التونسي.


4- حين رفضت الحشود الثائرة تولي "الغنوشي" رئاسة الجمهورية، وأيقنت أن القبول به يعتبر محاولة لاحتواء ثورتها، بادر بالتخلي عن منصبه بسرعة فائقة لرئيس مجلس النواب "المبزع"- حسبما ينص الدستور التونسي- والذي أوعز بدوره للمجلس الدستوري الأعلى بإصدار بيان أعلن فيه، أن "بن علي" لم يعد رئيساً للجمهورية التونسية. وكان الهدف من ذلك كله،محاولة الغنوشي والمبزع تهدئة الجماهير الثائرة.


5- دائرة الاستشارات الخاصة بتشكيل الوزارة المؤقتة التي كان يجريها الغنوشي، والتي يفترض أن تتولى الإعداد لإجراء انتخابات تشريعية .. لم تشمل كل أطياف الشعب التونسي. ففي الوقت الذي كان التجمع الدستوري- الممثل للنظام- حاضراً في تلك المشاورات، كانت أحزاب المعارضة المحظورة- التي يشهد لها بالوقوف بحزم في وجه النظام السابق- يجري استبعادها.







6- انتشار أعمال السلب والنهب والتقتيل والترهيب وحرق المباني العامة والخاصة، على يد مجموعات مسلحة تستخدم سيارات إسعاف مسروقة وسيارات أجرة في تنفيذ جرائمها .. يبدو أن الكثير منها هذه موظفٌ في إثارة الرعب بين الأهالي، ما يعني أن ثمة أيادٍ خفية تحركها بهدف إجهاض الثورة وتحويل اهتمام المتظاهرين للمحافظة على حياتهم وأملاكهم.


7- هناك من الدلائل ما يشير إلى أن بعض ضباط قوى الأمن الرئاسي والشرطة، يقفون وراء التشكيلات الإجرامية التي تقوم بأعمال التخريب ضد الممتلكات العامة والخاصة وترهيب المواطنين. وهذا ما أثبته اعتقال رئيس الحرس الرئاسي وعدد من تلك العناصر، كما أثبتته المواجهات العديدة التي جرت بين قوات الجيش وبين تلك التشكيلات. أضف إلى ذلك ما يشاع عن وجود 800 سيارة مفخخة منتشرة في جميع مدن تونس .. يقوم الجيش بالبحث عنها.


8- ما قيل عن هروب مئات المساجين، والعثور على جثث تفحمت بفعل الحرائق التي اشتعلت في السجون .. يؤكد القول باحتمال وجود مخطط مسبق يستهدف- ضمن حيثياته- إطلاق سراح المحكوم عليهم جنائياً، والإيعاز لهم بارتكاب جرائم السلب والنهب والتخريب والحرق والتقتيل التي جرت وتجري ضد الأهالي، بهدف ترهيبهم ودفعهم للبحث عن وسائل تؤمن حياتهم وممتلكاتهم. وليس من شك أن هذه الأفعال تصب في خانة إجهاض الثورة، ومساعدة أركان النظام السابق على العودة لحكم البلاد.


9- العفوية التي أشعلت نار الثورة في الشارع التونسي، قد تتحول- هي ذاتها- لخطر قد يؤدي لوأدها في المهد، ما لم يقم الشعب التونسي بكل نقاباته وهيئاته الوطنية ومنظماته المدنية وشبابه المثقف الثائر .. بتشكيل قيادة وطنية واعية تتولى زمام الأمور في البلاد، وتقطع الطريق أمام محاولات أنصار النظام السابق لإجهاض الثورة وإعادة الأوضاع في تونس لسابق عهدها. ولعل المبادرة السريعة لرموز النظام المنهار في محاولة استغلال هذا الوضع في السيطرة على زمام الأمور في البلاد .. يدلل على صدق ما نقول.


10- أخطر ما يهدد المرحلة القادمة، هو قيام رموز النظام السابق بتشكيل حكومة ائتلافية يهيمن عليها وزراء ينتمون لحزب التجمع الدستوري، إضافة لتعيين وزراء ينتمون لأحزاب المعارضة المرخص لها قانوناً في وزارات هامشية. فكأن ما ألحقه النظام السابق بالشعب التونسي من عذابات، سوف يزول ويتلاشى، بمجرد توزيع بعض المناصب الوزارية على تلك الأحزاب.


ومما يثير الريبة بالفعل أن الوزارة التي أعلن الغنوشي عن تشكيلها، جاء أغلب أعضائها من الوزارة السابقة التي تدين بالولاء لحزب التجمع الدستوري. بل الأدهى والأمر أن الوزارات السيادية، وهي الخارجية والداخلية والدفاع، أسندت للوزراء الذين كانوا يتولونها في الحكومة السابقة، بينما أسندت ثلاثة حقائب وزارية لثلاثة من الأحزاب المعارضة المجازة قانوناً، إضافة لإسناد بعض الحقائب لشخصيات مقربة من النقابات المهنية وهيئات المجتمع المدني. ونتيجة لهذا التشكيل، بل وحتى قبل إعلانه، خرجت مظاهرات ترفض إشراك أي من أعضاء حزب التجمع الدستوري الذي يرأسه بن علي، في الوزارة الجديدة.

نخلص من ذلك كله، أن رجال النظام السابق (وعلى رأسهم محمد الغنوشي)، يحاولون احتواء الثورة (إن لم يكن القضاء عليها)، بهدف تجييرها لصالح إعادة الوضع لما كان عليه، والتمهيد لعودة الرئيس المخلوع "بن علي" إلى حكم البلاد من جديد.


فقد رأينا كيف يظهر الغنوشي- بعد هروب بن علي- وكأنه يريد توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر فحواها، أن توقف رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه ليس توقفاً نهائياً، وإنما هو توقف مؤقت اقتضته ظروف قاهرة، سرعان ما يعود بعد انتهائها ليمارس سلطاته كرئيس للجمهورية التونسية. وحين شعر بأن الجموع الثائرة تستنكر هذا البيان، وترفض توليه منصب رئيس الجمهورية بالوكالة، سارع للتخلي عن هذا المنصب لصالح رئيس مجلس النواب "المبزع" المحسوب هو أيضاً على النظام السابق.


ثم رأينا كيف أن مشاورات تشكيل الوزارة، صاحبها انفلات أمني منظم قامت به مجموعات تعمل بصورة ممنهجة على ترويع المواطنين، بممارسة السلب والنهب والتخريب والقتل، التي رافقها إطلاق سراح مئات المساجين المحكوم عليهم جنائيا، بغية تصعيد الفوضى والفلتان الأمني في المدن التونسية.


وها نحن نسمع أن تشكيل الوزارة المؤقتة، لم يصمد لأكثر من أربع وعشرين ساعة، حيث قدم أربعة وزراء استقالاتهم، منهم ثلاثة وزراء تم اختيارهم ليمثلوا أحزاب المعارضة التي أشرنا إليها. وقد صرح هؤلاء بأنهم تعرضوا لضغوط شديدة من قواعد أحزابهم التي ترفض نهائيا الاعتراف بأي وزارة تضم أعضاءً من حزب التجمع الدستوري الذي كان يرئسه الرئيس المخلوع "بن علي".


والجدير بالذكر أن الأنباء الواردة من تونس العاصمة ومن مدن تونسية أخرى، أفادت بأن مظاهرات انطلقت في الشوارع تطالب بإسقاط هذه الحكومة، وترفض انضمام أي عضو من حزب التجمع الدستوري لأية وزارة أخرى يجري تشكيلها، ما دفع بالمبزع والغنوشي للاستقالة من هذا الحزب خضوعاً لرغبة الحشود الغاضبة.

نسأل الله تعالى أن يسدد خطى هذه الثورة، لما فيه صالح الشعب التونسي وصلاح الأمة العربية.

لاأجد ما أعلّق به سوى: :mad:


المصدر:
https://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=443727