الجزيرة عن نيويورك تايمز: شباب دهاة يقودون انتفاضة مصر



ولدوا إبان مجيء الرئيس حسني مبارك للسلطة، ومعظمهم حصلوا على شهادات من أرقى الجامعات المصرية، وجميعهم قضوا أعمارهم تحت وطأة القيود المفروضة من قبل الدولة البوليسية المصرية، وبعضهم ذاق الاعتقالات المستمرة والتعذيب في سبيل القضية.

إنهم مهنيون شباب، معظمهم من الأطباء والمحامين الذين أطلقوا ثم قادوا ثورة هزت مصر. هم أعضاء جيل من أعضاء موقع فيسبوك الذين بقوا مجهولي الهوية في الغالب، ولا عتب عليهم في ذلك نظرا لوجود خطر الاعتقال أو الاختطاف من قبل الشرطة السرية.

الحكومة المصرية حاولت شق صفهم من خلال الزعم بأن المسؤولين كانوا يتفاوضون مع بعض قادتهم، لكنهم ردّوا بتصعيد صوتهم وجهدهم الإعلامي ليفصحوا علنا ولأول مرة هدفهم غير المعلن.

لم يكن هناك سوى حوالي 15 منهم، من بينهم المدير التنفيذي لغوغل وائل غنيم الذي اعتقل لمدة 12 يوما ولكنه ظهر هذا الأسبوع بوصفه أكثر المتحدثين باسم حركة الشباب قوة وتأثيرا.

ستائر افتراضية
أحسنوا استخدام المعرفة والمهنية، وظلوا متوارين خلف ستائر الإنترنت الافتراضية ولم يفصحوا عن هوياتهم ونجحوا في مراوغة الشرطة السرية، وأطلقوا شائعات كاذبة لخداع الشرطة وجواسيسها، أطلقوا "الاختبارات الميدانية" في أحياء القاهرة الفقيرة قبل وضع خطط معركتهم، ثم خططوا لمظاهرات أسبوعية ليحتفظوا بزخم حركتهم، وهذا يفسر قدرة الحركة على الانتفاض اليوم كما بدأت أول مرة.

وفي خضم الأحداث نما نوع من الروابط غير العادية التي تعكس الطابع الفريد لثورة الشباب المصري، وهي الروابط التي لا تنتمي إلى فكر معين، فالحراك الذي تشهده مصر صهر الليبراليين والاشتراكيين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في بوتقة واحدة.
"أنا أحب الإخوان أكثر، هم مثلي"، هكذا وصفت الطبيبة النفسية سالي مور (32 عاما) وهي مصرية قبطية يسارية وناشطة في مجال حقوق المرأة.


وأكملت مور بالقول "لديهم دائما جدول أعمال خفي، ونحن نعلم ذلك، ولا أحد يعلم كيف سيتصرفون عندما يتبوؤون السلطة، ولكنهم منظمون وهم يدعون إلى دولة مدنية فقط مثل الجميع، لذلك ليكن لهم حزب سياسي مثل أي جهة أخرى لأنهم لن يفوزوا بأكثر من 10% على ما أعتقد".

أصدقاء الدراسة
كثير من المتظاهرين كان يعرف بعضهم بعضا أيام الجامعة.
سيف الإسلام لطفي، وهو محام وزعيم شباب جماعة الإخوان المسلمين، قال إن جماعته ضمت إليها بعض الأفراد من الأحزاب اليسارية الصغيرة ليقفوا معها في الدعوة للحريات المدنية، ولجعل قضيتها تبدو أكثر شمولية. الكثير منهم اليوم حلفاء في الانتفاضة بما في ذلك زعيم مجموعة الشيوعيين المحامي الشاب زياد العلمي.

العلمي الذي كان سجن أربع مرات نتيجة نشاطه السياسي وعانى من كسور متعددة في الأطراف نتيجة التعذيب، يعمل الآن مساعدا لمحمد البرادعي الذي فاز بجائزة نوبل للسلام لعمله مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما قامت مجموعته ببناء علاقة تواصل مع منظمي حركة الاحتجاج من الأجنحة الأخرى مثل السيدة مور.

بذور الانتفاضة نشرت مع قيام انتفاضة تونس، عندما أرسل وليد رشيد (27 عاما) -من مجموعة تستخدم الاتصال عبر الإنترنت تسمى حركة 6 أبريل- مذكرة إلى شخص مجهول الهوية مسؤول عن صفحة لمناهضة التعذيب على فيسبوك يطلب منه المساعدة في الترويج ليوم احتجاج يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي. وتساءل لماذا يتواصل هذا المسؤول عن طريق رسائل غوغل الفورية حصرا. في الواقع لم يكن ذلك الشخص سوى المدير التنفيذي لغوغل في الشرق الأوسط غنيم.

لعبة القط والفأر
وفي يوم الاحتجاج حاولت مجموعة التخلص من الشرطة. المنظمون أعلنوا أنهم يعتزمون التجمع في مسجد في حي فخم في وسط القاهرة، والشرطة تجمعوا هناك. لكن المنظمين بدلا عن ذلك تجمعوا في حي فقير مجاور.

كون البداية من حي فقير فإن ذلك في حد ذاته تجربة فريدة.
المحامي لطفي قال "نبدأ دائما بالنخبة مع نفس الوجوه. ولكن هذه المرة قررنا أن نحاول شيئا مختلفا".

قسموا أنفسهم إلى فريقين: فريق لإقناع الناس في المقاهي للانضمام إليهم، وآخر يهتفون لمن في البيوت.
وصف لطفي التحرك بأنه بدلا من التحدث عن الديمقراطية تم التركيز على قضايا أكثر إلحاحا مثل الحد الأدنى للأجور.

أخذ المتظاهرون يهتفون في الأحياء الفقيرة "إنهم يأكلون الدجاج والحمام ونحن تناول الفول في كل وقت"، ورددوا "يا بلادي، والعشرة جنيهات تشتري القليل من الخيار يا للعار يا للعار".

وقالت السيدة مور "مجموعتنا بدأت عندما كنا 50 فردا. عندما غادرنا الحي كنا بالآلاف."

إسعافات أولية
وقالت مور عندما اندلعت الاحتجاجات في ذلك اليوم إنها رأت رجلا يُقتل بالرصاص على يد الشرطة فما كان منها إلا أن تحمل حقيبتها الطبية وسط المتظاهرين وتقيم مركزا للإسعافات الأولية.

في الوقت الذي اُحتل ميدان التحرير، التحق بها الكثير من الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء العرب، والكثير منهم من الإخوان المسلمين التي أنشأت شبكة من سبع عيادات.
في الليلة التي سبقت مظاهرة "جمعة الغضب" يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي، اجتمع الفريق في منزل العلمي الذي أجرى ما سماه "اختبارا ميدانيا" عندما قام ومجموعة من أصدقائه في الفترة من 6 إلى 8 مساء بالمشي في أزقة ضيقة لحي تقطنه الطبقة العاملة ونادوا بالخروج للاحتجاج، وذلك لقياس مستوى المشاركة وقياس وتيرة الاستعداد للنزول إلى الشارع.

يقول العلمي عن تلك التجربة "الشيء المضحك هو رفض الناس المغادرة، في نهاية المطاف كانوا حوالي 7000 وأحرقوا سيارتين تابعتين للشرطة".

عندما نقل العلمي تلك المعلومات إلى المجموعة التي تجتمع في بيته، تم وضع خطة مفصلة للمتظاهرين تقضي بالتجمع في مساجد محددة، ثم السير نحو الشرايين الرئيسية المؤدية إلى ميدان التحرير.

خراطيم مياه

قالوا للسيد البرادعي إلى أي مسجد عليه الحضور، ثم عملوا على اطلاع الصحافة وانتشرت صور الحائز على جائزة نوبل وهي منقوعة بمياه خراطيم الشرطة في جميع أنحاء العالم.

لكن هناك دلائل على وجود فجوة بين المتظاهرين من جيل الشباب والمتظاهرين من الجيل الأكبر، واعترف بعض الشباب بإصابتهم بالإحباط من شيوخهم في أحزاب المعارضة.
يقول لطفي في ذلك الاتجاه "ببساطة هم جزء من النظام. كان مبارك قادرا على ترويضهم".

ولكن العلمي يعتقد أنه رغم الاختلافات، فوجود جماعة الإخوان في ساحة التحرير يعتبر رصيدا إستراتيجيا لأنهم جماعة محظورة وبالتالي "كانوا منظمين بالفطرة".

أثبتت هذه المنظمة دورها الحاسم بعد بضعة أيام عندما شكل المتظاهرون نوعا من خط دفاع على وجه السرعة للتصدي لهجمات بالحجارة والقنابل الحارقة من جيش من الموالين لمبارك. مجموعة واحدة تستخدم قضبان الصلب لكسر الحجارة، وأخرى تنقل الحجارة والثالثة تعتني بالمتاريس.

يقول لطفي "عندما قتل عدد من الناس، من وقت لآخر كنت أشعر بالذنب. لكن بعد الحرب في تلك الليلة، شعرنا أكثر وأكثر أن بلدنا يستحق تضحياتنا".

وبعد بضعة أيام، تم اختطاف سبعة من أعضاء الفريق من قبل الشرطة بعد مغادرته اجتماعا في منزل السيد البرادعي واحتجز لمدة ثلاثة أيام.

المنظمون نشروا جدولا زمنيا أسبوعيا، مع أكبر موجة من الاحتجاجات الثلاثاء والجمعة، للحفاظ على القدرة على الحشد. وقبل كل احتجاج تسربت أخبار مضللة للتخلص من الشرطة، مثل الإعلان أنهم ينوون الاتجاه إلى مبنى التلفزيون بينما كان هدفهم الحقيقي هو تطويق البرلمان.

شكلوا ائتلافا يمثل ثورة الشباب، والسيد غنيم عضو في اللجنة التنفيذية. وعندما بدأت الحكومة بدعوتهم لحضور الاجتماعات عقدوا جلسة تصويت في ميدان التحرير لاتخاذ قرار. صوت ضد التفاوض حوالي 70% منهم.

مختلف ألوان الطيف
معظم أفراد المجموعة من الليبراليين أو اليساريين، والجميع -بمن فيهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين- يقولون إنهم يتطلعون إلى الديمقراطية الدستورية على النمط الغربي، حيث المؤسسات المدنية هي أقوى من الأفراد.

لكنها تقر أيضا أن الانقسامات عميقة، ولا سيما حول دور الإسلام في الحياة العامة. السيد لطفي يشير إلى تركيا التعددية. وبشأن الخمر -الذي نهى الإسلام عنه- أشار إلى أن شربه مسألة خاصة ولكن ربما ينبغي أن يمنع شربه في الأماكن العامة.

وعندما سئل عن موقفه من مجيء امرأة قبطية على سدة الرئاسة، تمهل في الإجابة وقال "إذا كانت حكومة مؤسسات، لا يهمني إذا كان الرئيس قردا".


المصدر: هنا