السلام عليكم
الموضوع ليس موجها اساسا للدفاع عن قناة الجزيرة ، ولكنها كانت المثال الصارخ الذي يمكن لكاتب هذه الكلمات ان يستشهد فيه ، أترككم مع النص المنقول من احد المواقع ، وبتقديري هو كلام احكمه صاحبه ، ويستحق منا قراءته .


....
.......
...................

يبدو أن الجهل بتطوّر الإعلام ووسائله ودوره وثورته قد تفاقم إلى درجة إعطاء الدليل القاطع على أن الاستبداد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم!..
سيّان ما يقال بحق وباطل عن الجزيرة ونشأتها ودورها وأنشطتها أو عن قطر والوجود العسكري الأمريكي فيها، فلا ريب أنّ ثورة الإعلام التي أحدثتها خلال أكثر من عقد مضى، هي جزء من الثورة الشاملة في المنطقة العربية والإسلامية على أكثر من صعيد، والتي وصلت إلى أركان الاستبداد القائم في أكثر من بلد.
ولكنّ الجزيرة نفسها كانت من نتائج تطوّر تاريخي تدور عجلته عالميا وتشمل البلدان العربية والإسلامية قطعا، ولم تكن هي صانعة ذلك التطوّر، إنما كان لها فضل استيعاب مقتضياته، فليست هي الطرف الذي يمكن توجيه أصابع الاتهام إليه بالإعلام عن الحقائق، المكشوف منها والمستور، إنّما توجّه أصابع الاتهام إلى من لا يزال يعمل على طمس الحقائق، يعيش عل ى فتات الماضي المزري إعلاميا وسياسيا، وقد بات المكشوف من تلك الحقائق أضعافَ اضعافِ المستور، فلا ينفع في محاولة تغييبها غربال الاستبداد ولا تعميم صورة القرود الثلاثة الأعمى والأصمّ والأخرس!..

الإعلام –سواء بمعيار المهنية أو معيار الوطنية أو معيار الرسالة الإنسانية التي يحملها- هو متابعة الأحداث وتغطيتها إعلاميا ليطلع عليها القاصي والداني.. وما صنعت فضائية الجزيرة –ولا يمكن أن تصنع- ثورةً في تونس أو ثورة في مصر، كما لم تصنع سقوطا مريعا في المفاوضات على حساب فلسطين وأهلها وأرضها، إنّما كانت "أداة إعلامية مهنية" حول ثورة صنعها أهل تونس وأهل مصر، وكانت أداة إعلامية مهنية حول جريمة يرتكبها من يرتكبها على حساب فلسطين.
وما برز دور الجزيرة.. ولا حازت على مكانة متقدّمة لدى الشعوب.. لأنها تصنع إعلاميا ما لم يصنع سواها، بل كان ذلك لأنّ سواها لم يصنع إعلاميا ما ينبغي أن يصنعه، مثلها أو بصورة أفضل منها.
هي فضائية واحدة بين مئات الفضائيات.. لو كان فيها بعض ما تقتضيه الرسالة الإعلامية، لوجدت الجزيرة نفسها واحدة من وسائل الإعلام المعاصرة.. إنّما عندما تتحول غالبية وسائل الإعلام إلى أدوات استبداد أو أدوات انحلال، فإنها هي بذلك التي تمدّ الجزيرة بقوة إضافية تجعلها "منفردة" في الميدان بلا منافس.
لئن لم "تتعلّم" الجزيرة من دروس الاستبداد وهو يلاحقها دوليا بالقذائف والاغتيالات، ومحليّا بالحَجْر والمنع وقطع تقنيات الاتصال.. فإن الصورة المقابلة الأخطر بحق الإعلام والشعوب هي أن الاستبداد لم يتعلّم على المستوى الدولي والمحلي، أنّ قهر الكلمة بالقذائف والحصار مستحيل.
ليست المشكلة في أن ما تقدّمه الجزيرة قابل للتصديق والمتابعة على مستوى الشعوب، بل هي مشكلة أنّ ما يقدّمه سواها قد سقط في وحل الانحلال فلا يهمّ ما يقدّمه غالبيةَ الشعوب وهي تتابع نبض الأحداث والثورات والقضايا المصيرية، أو سقط في وحل الاستبداد ففقد مصداقيته.
وليست المشكلة في أنّ الجزيرة تجد طريقا لإثارة الشعوب، بل المشكلة في أن الاستبداد صنع بإجرامه من الاحتقان ما وضع الشعوب على طريق الثورة.
وليست المشكلة في أنّ الجزيرة تشارك إعلاميا في صناعة أحداث تتجاوب معها الشعوب، بل المشكلة في أنّ الاستبداد يريد أن يحتكر صناعة الأحداث على حساب الشعوب.
وليست المشكلة في أنّ الجزيرة "تفضح" الأسرار، بل المشكلة في أن تلك "الأسرار" وخيمة وذاك ما يجعل الكشف عنها "فضيحة" للمتورّطين في الإجرام على حساب القضايا المصيرية والشعوب والأوطان.
وليست المشكلة في عجز المستبدين عن إسكات الإعلام نتيجة معطيات التطوّر الحديث عن الحيلولة دون وصول الكلمة الإعلامية إلى البشر، بل هي مشكلة المستبدين الذين لا يريدون أن يرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى البشر الواعين بعالمهم وعصرهم والواقع من حولهم، ليدركوا ما يعنيه تطوّر وسائل الاتصال من استحالة منع الإعلام عن الوصول إلى البشر.
ولا يشين الجزيرة.. ولا يشين المدوّنات الفردية المنتشرة عبر الشبكة العالمية.. ولا يشين الشباب القادرين على التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة لكسر حواجز الاستبداد بالشعوب والأوطان والإعلام.. لا يشين من يستخدم الإعلام ووسائله للغسهام في صناعة الثورة على الظلم والاستبداد والفساد والتضليل، إنّما يشين مَن يمارسون الظلم والاستبداد والفساد والتضليل.. أنّهم لا يزالون يقبلون لأنفسهم بهذا الموقع ويتشبّثون به.
إن إعلام المستقبل في عصر الثورات الشعبية، العربية والإسلامية، في تونس ومصر وسواهما، هو الإعلام الذي ينتقل من البلاط الملوّث بين أيدي المستبدين، إلى الساحات الطاهرة بنداء الثائرين، ليعلن على الملأ في وجه المستبدّين من كل صنف وفي كل ميدان، هدير الشعوب الذي أصبحت ساحة التحرير في القاهرة رمزا تاريخيا شاهدا عليه: الشعب يريد إسقاط النظام
.