تدرسإسرائيل بتمعن ما حدث ويحدث في مصر، والتغيرات المحتملة بعد سقوط نظام حسني مبارك، ومعالم النظام القادم ومدى التغيير الذي قد يحدث في مصر ويؤثر بشكل مباشر على أمن إسرائيل واستراتيجياتها السياسية والعسكرية المستقبلية.
وعقب سقوط نظام مبارك مباشرة، كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اعتزام تل أبيب لتغيير استراتجيتها العسكرية والأمنية تماما، تأهبا لمواجهة أية متغيرات سلبية على الساحة المصرية، لاسيما أن يخلف نظام مبارك نظام معاد لإسرائيل.
من ناحية أخرى، أشارت عدد من الآراء الإسرائيلية إلى صعوبة توجيه ضربة إسرائيلي لمنشآت إيران النووية عقب سقوط مبارك، نظرا لأن أي نظام سيخلف مبارك سيحرص على عدم الظهور كمتعاون مع إسرائيل ضد أي دولة إسلامية أو عربية.
تحذير استراتيجي
شرعت الدوائر العسكرية والأمنية الإسرائيلية فور سقوط نظام مبارك في مراجعة الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل، وذلك للاستعداد إلى واقع جديد ومجهول، فقد كشفت معاريف يوم 16 فبراير عن أن رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست "شاؤول موفاز"، عقد اجتماعاً خاصاً، للوقوف على المتغيرات في مصر، والتي اعتبرها بمثابة "تحذير استراتيجي" بالنسبة لإسرائيل، ومن شأنه أن يغير سلبياً عملية توازن القوة المعروفة في الشرق الأوسط.
وفي يوم 14 فبراير نقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن "عوزي ديان"، مساعد رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي السابق، تشديده على أن المستويات العكسرية والأمنية في إسرائيل يجب عليها أن تراجع الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل في مواجهة بلد بقي عدوا لزمن طويل قبل ان يصبح شريكا أساسيا.
وأضاف ديان أن اتفاق السلام الذي وقع مع مصر عام 1979 حرر إسرائيل من تهديد الجبهة الجنوبية، على طول الحدود المصرية ومنحها حرية التصرف مع الفلسطينيين, وكذلك على الجبهة الشمالية في مواجهة سوريا ولبنان.
ورأى ديان أن على الجيش الإسرائيلي أن يتجهز لأي احتمال على الجبهة المصرية، وأن يزيد من تسلحة بأسلحة مرنة يمكن نقلها من جبهة إلى أخرى بسرعة، مثل المروحيات القتالية.
من جهته اعتبر الجنرال الاحتياط ياكوف اميدرور الذي كان يترأس سابقا قسم التحليل في الاستخبارات العسكرية, في مقابلة مع الاذاعة في نفس اليوم, "أن على الجيش أن يفكر على المدى الطويل في اعادة تشكيل فرقة من الجيش للجبهة الجنوبية" بعد ان تم تفكيكها اثر توقيع السلام مع مصر.
ورأى عمير اورين المحلل العسكري في صحيفة هاآرتس أن الخطر الأساسي يتمثل في اعادة تشكيل "جبهة شرقية" اثر اضطرابات في العراق وفي الاردن, مما سيعيد اسرائيل الى "وضع الطوق" كما كان الامر قبل حرب يونيو 1967، وأكد اورن "ان على الجيش ان يقوم بتعزيز فرق الاحتياط وتجهيز فرق جديدة, مما سيتطلب زيادة جديدة لميزانيته".
وفي نفس اليوم أيضا، قال رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو صراحة، إن الجيش الاسرائيلي "مستعد لكل الاحتمالات", في حين "يتعرض كل العالم العربي لزلزال" وأكد نتانياهو ان الجيش الاسرائيلي يشكل "الضمانة الحقيقية لضمان مستقبلنا", مضيفا "اننا اقوياء لان جيشنا قوي".
وفي يوم 13 فبراير كشفت هاآرتس في تقرير لها عن اتصالات أجريت بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول بلورة سياسات أمركية- إسرائيلية مشتركة استعدادا لليوم التالي لاستقالة مبارك، مشيرة إلى أن الاستعداد الأمني كان في مركز هذه الاتصالات.
وأضافت الصحيفة أن مستشار الامن القومي عوزي اراد والقائم باعمال مدير عام وزارة الخارجية رفائيل باراك التقيا في واشنطن مع مسؤولين عسكريين أمريكيين، حيث دارت نقاشات حول تأمين الجبهة الجنوبية لإسرائيل في ظل التنطورات الأخيرة في مصر والخوف من امكانية نشوب حرب.
كما كشفت هاآرتس يوم 12 فبراير عن أن التطورات في مصر كانت مركز النقاشات في النظام الأمني الإسرائيلي، وفي نقاشات تقدير الوضع الذي أُجري برئاسة رئيس هيئة الأركان.
ونقلت هاآرتس عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن التقديرات السائدة في إسرائيل هي أن الأحداث في مصر يمكن أن تخلق على المستوى البعيد جبهة إضافية لإسرائيل، إذا ما شاركت عناصر "متطرفة" في حكم مصر.
استعداد عسكري
تحت عنوان " نحن والجيش المصري"، أشار رون بن يشاي المحلل العكسري بصحيفة يديعوت أحرونوت يوم 12 فبراير، إلى أن أكثر ما يقللق إسرائيل على المستويين الأمني والاستراتيجي، هو أن يزداد الإرهاب في سيناء وأن تتحول إلى قاعدة انطلاق لعناصر تنظيم القاعدة للهجوم على إسرائيل، وأن تتحول أيضا إلى ممر آمن لنق السلاح والعتاد العسكري إلى عناصر حماس في غزة.
ورأى بن يشاي أن على إسرائيل أن تزيد من نشاطها الاستحباراتي في مصر لاسيما حول شخصيات القيادات السياسة والعسكرية، وذلك لكي تتوافر لديها امكانيات تقدير مسبقة حول التغيرات الممكن حدوثها في المنطقة، كما أن عليها أن تزيد من مواجهتها لعمليات تهريب السلاح إلى غزة، وعليها أن تكون مستعدة لوضع لا يمكن فيه لسفن الأسطول البحري الإسرائيلي المرور من قناة السويس وبالتالي الحاجة لوقت طويلة حتى تصل إلى مياه البحر الأحمر وللمحيط الهندي.
كما دعا المحلل الإسرائيلي إلى ضرورة أن يستعد الجيش الإسرائيلي لوضع يضطر فيها لمواجهة هجوم صاروخي بري من جبهة أو جبهتين في نفس الوقت، وفي نفس الوقت الاستعداد لمواجهة انتفاضة فلسطينية ثالثة نتيجة الأوضاع المضطربة في مصر والعالم العربي.
واعتبر الكاتب أنه في ضوء ما أوصى به سابقا، من الضروري أيضا أن يتم إعادة بناء سلاحي المشاه والمدرعات في الجيش الإسرائيلي، وإنشاء كتيبة أو اثنين اضافيتين في كل سلاح، والتسلح بكثافة بنوعيات أسلحة ممن تصيب الهدف بدقة لاسيما في سلاح الجو، إضافة إلى إحداث تغييرات في قيادات هيئة أركان الجيش الإسرائيلي.
واختتم يشاي تحليله، بالتشديد على ضرورة أن تقوم إسرائيل بإعادة بناء جيشها، وأن تقوم بتحديد أجندة أولوياتها العسكرية والاستراتيجية، وأن تقوم بكل ما في وسعها بالمجالين السياسي والعسكري لردع أي أعداء محتملين.
ضرب إيران
أعربت عدد من الآراء الإسرائيلية عن استحالة توجيه ضربة إسرائيلية لإيران في أعقاب سقوط نظام مبارك، الذي كان من الممكن أن يوفر غطاء عربي لأي هجوم على إيران، وفق هذه الآراء الإسرائيلية.
ففي يوم 17 فبراير 2011 أشارت الكاتبة "ايميلي لنداو" في مقال له بصحيفة إسرائيل اليوم، إلى أنه بات من الصعب على الولايات المتحدة وإسرائيل توجيه ضربة لإيران في الوقت الحالي.
واضافت الكاتبة أن الولايات المتحدة وإسرائيل لم يعد أمامها سوى تأييد حق المتظاهرين ضد النظام في إيران، نظرا لأنه من المستبعد في الوقت الحالي وقف برنامجها النووي عن طريق ضرب منشآتها النووية بعد سقوط مبارك، ولا سيبل سوى لتغيير النظام المتشدد.
من جهته اعتبر المحلل السياسي "ألوف بن" في مقاله بهاآرتس يوم 14 فبراير، أن سقوط الرئيس المصري حسني مبارك خلق صعوبات عديدة أمام إسرائيل في تنفيذ مخططاتها في المنطقة, ولاسيما الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية استباقية للمفاعلات النووية الإيرانية.
كما أشار بن إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخشى من تحول مصر إلى جمهورية إسلامية معادية لإسرائيل على غرار إيران, بعدما كانت مصر بقيادة مبارك تتقاسم العداء من إيران, وكانت مصر تعمل إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد أحمدي نجاد وحلفاؤه في لبنان وسوريا وغزة.
ويعتقد المحلل الإسرائيلي أن مصر لن تشهد تغيرات استراتيجية في مواقفها وستستمر في تقوية موقفها القومي, إلا أن هذا لا يعني أن وريث مبارك سيشجع ضرب المفاعلات النووية الإيرانية, إنما بالعكس سيستمع إلى رأي الجمهور في الوطن العربي الذي يعارض مثل هذه الحرب, وحينها ستجد إسرائيل نفسها في وضع صعب لا تستطيع معه توجيه ضربات في الشرق وهي لا تستطيع الاعتماد على الموافقة الهادئة من الدول الغربية وحدها.
وأضاف "إن ورثة مبارك يخشون من غضب عارم, إذا تم وصفهم بالمتعاونين مع إسرائيل, لذا فإنه ليس هناك ضربة لإيران بعد مبارك".
مصدر
المفضلات