مقال لا أعرف تاريخه
بمناسبة ما حدث الأسبوع الماضي من «تعسف» ضد بعض مرشحي أحزاب المعارضة بإجبارهم على تقديم «شهادة إثبات الجنسية» مع باقي أوراق الترشح، (وهم يعلمون أن الحصول عليها من رابع المستحيلات كما سترون في نهاية هذا المقال)، تذكرت التالي:
إنه فى عام ٨٦.. اتصل بي اللواء أحمد فهمي، مساعد أول وزير الداخلية ومدير مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، يطلب مني «بصفة شخصية» وليس بصفتي رئيساً للجالية، استقبال وفد من ٣٠ ضابطاً بالجوازات لدورة تدريبية لدى السلطات الفرنسية.. وخلال لقاءاتنا المسائية شكوت لهم مما يحدث فى المطار مع بعض إخواننا المغتربين عند زيارتهم لمصر.. «باستيقافهم» وتعطيلهم بحجة تشابه الأسماء.. بمعنى أن اسمي محمود عبد المحسن عمارة، وهناك تشابه مع اسم أحد المطلوبين أمنياً أو جنائياً واسمه محمود أبو الحسن عمارة.. (وقد حدث معي فعلاً)..


ونظراً لأنني ضد أن يستقبلني أحد بالمطار، وأعتبره عيباً كبيراً وإهانة لنا وللوطن، فنحن ندخل جميع مطارات العالم عادي وطبيعي زي بقية خلق الله المتحضرين.. فكيف أستعين بصديق لدخول بلدي؟! المهم أن رئيس الوفد العميد «عادل عفيفي» ضابط أركان حرب الجوازات وقتها حاول التخفيف عني وعن زملائي المغتربين بأن «ضحك» ضحكة مجلجلة على غير عادته، وقال: «طيب دي بسيطة ومقدور عليها، وممكن حلها.. تعالى بقى للأصعب..


لو أنا ظابط رخم عايز أقرفك، وأخليك تلف حوالين نفسك، وتكره اليوم اللي اتولدت فيه فى مصر.. أطلب منك شهادة إثبات الجنسية».. (يستطيع أي موظف بالجوازات أو حتى خصم لك في أحد القضايا أو أي صاحب مصلحة أن يدعي عليك بأنك غير مصري).. ورغم أن القاعدة القانونية تنص على: أن البينة على من ادعى.. فإنه استثناء لهذه القاعدة.. فهذه الحالة الشاذة هى أن «الإثبات على المدعى عليه».. فكيفى أن يكون اسمك «المغربي» أو «التونسي».. أو الميرغنى أو المهدي (أسماء سودانية).. أو الدبيكي (دبى).. أو «رياض» السعودية.. وفي النساء «سوزان» أو «مادلين» لأن اتهمك بأنك غير مصري، وعليك أنت إثبات العكس!


ولا يكفى أن تحمل بطاقة رقم قومي.. ولا أن تبرز جواز سفرك.. ولا شهادة ميلادك.. ولا حتى شهادة أداء الخدمة العسكرية.. فكل ذلك لا يكفى لإثبات أن سيادتك مصري!!


الأدهى والأنكى، والأزرط أن جميع الوزراء ورئيسهم، والضباط جميعاً يمكن الادعاء عليهم بأنهم غير مصريين.. ودليلي من الوقائع المسجلة بالجوازات أن د. حيدر فهمي الداغستاني وكان مديراً لمستشفى الجلاء، تقدم لعمل توكيل لاستيراد معدات طبية، ومن شروط الحصول على هذا التوكيل تقديم شهادة إثبات الجنسية.. فذهب إلى مجمع التحرير يحاول إفهامهم بأنه مدير المستشفى.. وأنه شقيق وزير النقل على فهمي الداغستاني.. وأنه مصري ابن مصري دون جدوى.. ولم يحصل على التوكيل!!


ومثال ثان: حدث لأحد لواءات الشرطة عندما تقدم بطلب استيراد معدات دفاع مدني وحريق، وعندما طلبوا منه شهادة «إثبات الجنسية» لم يشفع له أنه وكيل وزارة الداخلية، وخرج يضرب كفاً بكف، ولم يحصل على الوكالة!!


ومئات الأمثلة التي لا يتسع لها المكان.


والسؤال الآن: كيف تحصل على شهادة إثبات الجنسية المصرية؟!


والإجابة: طبقاً للمادة ٢٦ لسنة ٧٥ التي تقول: يعتبر مصرياً كل من توطن في مصر من غير رعايا الدول الأجنبية.. قبل ٥ نوفمبر ١٩١٤ (تاريخ خروج مصر من سيطرة الدولة العثمانية).. ولكي تحصل على هذه الشهادة عليك بإحضار التالي:


أولاً: شهادة ميلاد الأب والأم + شهادة ميلاد الجد والجدة + شهادة ميلاد جد الجد، وجد الجدة.. وهكذا حتى قبل ٥ نوفمبر ١٩١٤ (على أن تكون هذه الشهادات مستوفاة بكل البيانات دون خطأ أو سهو أو لبس أو نقصان).


ثانياً: عليك أن تتقدم بما يثبت أن جد جدك كان مقيماً بمصر قبل هذا التاريخ وذلك بالمستندات التالية:


(١) إيصال سداد فاتورة الكهرباء أو الغاز أو التليفون (وطبعاً لم يكن هناك كهرباء أو غاز أو تليفون فى ٩٩٪ من مساحة المحروسة).


(٢) عقد بيع أملاك مسجل قبل هذا التاريخ (وطبعاً ٩٩.٥٪ من المصريين كانوا أجراء أو عمال تراحيل أو موظفى حكومة على باب الله.. وإذا كانوا ملاكاً فهي بعقود عرفية!


الخلاصة: أنك لن تستطيع الحصول على هذه «الشهادة» حتى لو كنت وزيراً سيادياً «في المعاش طبعاً».. والمدهش أنك ستكتشف أن هناك «راقصات» عربيات حصلن على الجنسية المصرية بمكالمة تليفونية، ومكتوب في خانة السبب.. «أنها أدت خدماااااات جليلة للوطن»!!


وبالمناسبة أيضاً أن المشرع «الترزي» تبرع بتفصيل على المقاس نصاً فى قانون الانتخابات نفاقاً للرئيس السادات ومن سيأتي بعده.. يقول: «يُكتفَى للمرشح لرئاسة الجمهورية أن يكتب إقراراً على نفسه بأنه مصري»!


وطبقاً لهذا النص يكون الـ٨٥ مليون مصري (رغم أنهم هم الذين يمنحون الشرعية للرئيس) مشكوكاً في مصريتهم حتى يثبتوا العكس نفراً.. نفراً!!


والحل لهذه المعضلة: إما بتعديل المادة ٢٦ لسنة ٧٥.. ليصبح الرقم القومي دليلاً كافياً على مصرية حامله كما هو الحال فى موزمبيق وبوركينا فاسو وجزر الموز والبطيخ.. أو لدى اقتراح:


بأن نتفق من الآن (وعفا الله عما سلف) وتسهيلاً على الأجيال المقبلة التي ستلعننا، وربما تجرجر هياكلنا العظمية وتعلقنا في ميدان التحرير عقاباً لما فعلناه بهم.. أن نختار خمسة أسماء فقط لكل المصريين وهي: «الجحش.. والبغل.. والثور.. والحيوان.. وأبوجاموس».. وما عدا ذلك عليه إثبات أنه مصري!!





د. محمود عمارة - المصري اليوم