aلم تعرف معظم الشعوب العربية الحرية ولا الديمقراطية الحقيقية يوما، ولم يمارسونها بالمعنى الحقيقى، وإنما كانت أوهام يعيشونها حتى استيقظت الشعوب على قرع طبول الحرية والعدالة الاجتماعية التى كانت قد خرجت ولم تعد منذ دهور، والعدالة الاجتماعية هى التى تبحث عنها الشعوب الثائرة التى تريد القضاء على الفقر المستشرى بها، وتكافح البطالة وتضرب بأيدى من حديد على من سولت له نفسه لنهب ثرواتها على مدى عقود طويلة، وترك أبناء شعوب عريقة تتسول لقمة العيش خارج أوطانها، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش فى بلادهم، لقد اكتشفت الشعوب أنها لم تكن فقيرة يوما، وإنما هى فقط كانت منقادة وضعيفة ومسلوبة الإرادة وأنها تمتلك ثروات حقيقية ولكن دائما منهوبة.
لماذا تأخرت الشعوب العربية ولم تَهب للتخلص من الأنظمة الفاسدة؟
قد يتبادر إلى أذهاننا كيف يمكن لشعوب ضخمة أن تضعف أمام أقلية حاكمة؟ لماذا لم تنتفض منذ سنوات بدلا من هذا الإذلال والهوان الذى عاشته الشعوب؟ والجواب واضح؛ وهو أن هذه الأقليات الحاكمة هى من ضلل الشعوب وغيب وعيها من خلال مخططات استهدفت نهب ثروات الشعوب، وتدهور التعليم هو أحد هذه المخالب التى استخدمتها الأنظمة الفاسدة، ثم يأتى بيع الأصول، ثم محاربة المنتج الوطنى بإغلاق المصانع وتحويل الشعوب إلى سياسة الاستيراد، ولايهم نوعية المنتج الذى يتم استيراده، وإنما الأهم الفائدة التى سيجنيها النظام وزبانيته من أرباح، والدولة البوليسية التى كانت تعمل من أجل حماية أفراد هى الركيزة التى استندت إليها معظم تلك الأنظمة لتحطم إرادة شعوبها.
الشعوب الصامته هى من صنعت الأنظمة الديكتاتورية
لم يكن خطاب الرئيس المصرى السابق إلى الشعب المصرى قبل خطاب التنحى يختلف كثيرا عن خطاب الرئيس التونسى السابق أو الليبى أواليمنى أوالسورى، أو غيرهم ممن تثور شعوبهم عليهم إلى الآن، الكل يخاطب شعبه بنفس الأسلوب بأنه المضحى الأعظم وأنه عاش من أجل شعبه ولم يكن يطلب جاها أو سلطانا، إنما هو الوطن الذى يريد أن يخدمه بكل تفان وإخلاص، وأن هذه الثورات ماهى إلا جحود من الشعوب ونكران للجميل، وحقيقة الأمر التى تعرفها الشعوب جيدا، أنها هى التى كانت تخدم تلك النظم الفاسدة بصمتها المطبق وعدم قدرتها على المواجهة، وأنها هى من أمالت أكتافها لتصعد تلك الطغمة الفاسدة على أكتافها ومن معها لكى تعتلى أنظمة لحكم شعوب رضيت بأن تكون تابعة لهؤلاء الأباطرة.
الأموال السوداء
والأموال السوداء، هى تلك المنهوبة من ثروات الشعوب ومخبأة فى حسابات سرية فى بنوك فى الخارج، وقد تكون على شكل أسهم وعقارات، أو سبائك مودعة بتلك البنوك، ونهب الأموال وإخفاؤها ليست بالمعضلة، وخاصة أن هؤلاء الحكام كانوا فى السلطة وقت أن نهبوا تلك الأموال وبالتالى فكل الأبواب كانت مفتوحة على مصراعيها لخزائن وثروات تلك الدول فلا يوجد حسيب أو رقيب غير الله، وتونس من بدأت الثورة على نظام بن على زين العابدين وقد كشفت وسائل الإعلام عن أن هناك مايقدر ب5 ,1 طن من الذهب تقدر قيمتها بحوالى 60مليون دولار من أموال الشعب التونسى قد تم تهريبها من خلال حقائب أفراد أسرة الرئيس السابق بن على وهو فى طريقه إلى المملكة السعودية محل إقامته الحالية، كما اتضح أنه استولى على 3 بلايين جنيه استرلينى من خزانة الدولة، والرئيس المصرى السابق يواجه نفس التهم، وذلك عندما تناولت الجارديان حجم الأموال المنهوبة فى عهده بما قيمته 5،43 بليون جنيه استرلينى موزعه بين البنوك الأوربية والأمريكية وعقارات فى جميع أنحاء العالم وصناديق استثمار، ومازال البحث جاريا، فى حين أن ربع الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر، والرئيس الليبى القذافى قُدرت قيمة الأموال التى أودعت باسمه فى بنوك الخارج بنحو 160 مليار يورو تم تجميدها جميعا، وكانت المعارضة الليبية تتسائل أين عائدات البترول على مدى 42 عاما هى طوال حكم القذافى، حيث تصل عائدات البترول يوميا إلى حوالى 500 مليون دولار، والشعب الليبى حوالى 6 ملايين نسمه منهم مليون يعيشون فى الخارج.
فرص استرداد الأموال المنهوبة من ثروات الشعوب
كان للضغوط الموجهة من جماعات التصدى للفساد ومراقبته، والمؤسسات المختلفة للمحامين على المستويات المحلية والدولية للدول المنهوب ثرواتها، الفضل فى الضغط على البنوك الأوربية الخاصة وعلى قطاعات مكافحة الفساد فى وزارات العدل التابعة لحكومات الدول التى تسترت على حسابات بالمليارات لزعماء دكتاتوريين فى سويسرا، للكشف عن تلك الحسابات ومحاولة استردادها لأصحابها الحقيقيين وهم الشعوب، وقد وافقت الحكومة السويسرية على إصدار قانون يسهل تتبع والوصول إلى الحسابات الخاصة السرية الضخمة للحكام سابقين الذين اتهموا بالفساد وسرقة أموال شعوبهم، ونهب ثروات بلادهم وتمت إدانتهم.
وقد ظلت حسابات البنوك وسوق الأسهم فى أوربا تتستر لعقود طويلة على بلايين الدولارات المنهوبة على أيدى زعماء من شعوب العالم الثالث، ولكن بعد ثورات الشعوب العربية وطالبة الحكومات الجديدة بضرورة استعادة الأموال المنهوبة المودعة فى البنوك الخارجية، استجابت الحكومة السويسرية وقامت بإصدار قانون جديد فى فبراير الماضى ويسمح القانون السويسرى الجديد بأن يتم إعادة الأموال المنهوبة إلى الحكومات الشرعية، وذلك فى حال ثبوت التهم الموجهه لأصحاب تلك الحسابات بأنها أموال منهوبة وأنها خرجت بطريقة غير شرعية، وأن هناك دلالة على الفساد، وفى هذه الحالة سوف تتخذ الحكومة السويسرية الإجراءات اللازمة لسرعة إعادة تلك الأموال للحكومات المنتخبة الجديدة، وهذا وفق ما جاء على لسان السيد/ فالنتين زيلويجير valentine Zellweger رئيس قطاع القانون الدولى فى الحكومة السويسرية، وقد تم التوصل فى الحالة المصرية إلى حسابات تقدر بحوالى 800،3 بليون دولار فى بنوك سويسرية ثبت أنها ودائع مختلسة، وأن الحكومة المصرية تطالب باستعادتها. ومن الملاحظ أن البنوك فى سويسرا استمدت شهرتها من حصانة سرية حسابات عملاؤها ولذلك كانت الحصن المنيع للثروات المنهوبة، وتتهاتف على البنوك السويسرية ودائع تقدر بالمليارات، فعلى سبيل المثال نجد أن فى سويسرا وحدها حوالى 27 % من ثروات العالم، أى ما يعادل 2 ترليون دولار موجودة وتدار من خلال البنوك السويسرية، وذلك وفقا لأحد الجماعات الاستشارية فى واشنطن.
أمثلة لدول استردت أموالها المنهوبة
هناك أمثلة على إمكانية استرداد ثروات الشعوب، ففى الحالة النيجيرية، نجد أن هناك جهودا قد بذلت من الحكومة التالية للرئيس النيجيرى الراحل (سانى اباتشا sani Abacha) الذى توفى أثناء رئاسته، تم اكتشاف 1،1 بليون دولار كانت قد نهبت فى عهد أباتشا وتم إيداعها فى بنوك سويسرية، وقد استطاعت الحكومة الجديدة على مدى 5 سنوات استعادة بليون دولار عام 2002، وبعد معركة قانونية أخرى تم استعادة300 مليون دولار. وهناك العديد من الحسابات السرية على شكل عائدات وسندات تم إيداعها فى البنوك السويسرية من أفريقيا وباقى دول العالم الثالث فى حسابات سرية لزعماء سابقين وحاليين.
وهناك جماعة فى فرنسا تشكلت إيمانا بحق الشعوب فى استرداد ثرواتها المنهوبة، وهى جماعة شيربا Sherpa Group، وتتألف الجماعة من مجموعة من المحاميين يعملون ضد الفساد ويهدفوا لدعم الشفافية على مستوى العالم، وقد قامت الجماعة بالتقدم بطلب رسمى للحكومة لحصر ممتلكات الحكام الدكتاتورين وأرصدتهم وأقاربهم فى فرنسا، وقد رصدوا عقارات للرئيس التونسى السابق بن على تقدر بـ5 بليون دولار وعدد هائل من العقارات، وكذلك قدمت تلك الجماعة دعاوى ضد كل من رئيس الكونغو برازفيل السابق enis Sassou Nguess ورئيس غينيا الاستوائية Teodoro Obiang، والرئيس السابق مبارك. وهناك ثلاث زعماء أفارقة أيضا تم توجيه اتهامات لديهم ولعائلاتهم ومازالت أملاكهم قيد التحرى.
المسؤولية المشتركة لإخفاء الأموال المنهوبة
يتسبب الفساد للدول النامية فى رفع أسعار السلع بمعدل حوالى 20 % سنويا، وأن الفقراء يزدادوا فقرا نظرا لتهاوى الاقتصاد ومعدلات التنمية، ففى دولة فقيرة مثل كينيا نجد أن حوالى خمس سكانها يعيشون تحت خط الفقر، وطبقة المثقفين الشرفاء فى جميع الدول التى خضعت لأنظمة ديكتاتورية يقع عليها مسؤولية توعية الشعوب ويقظتها ضد هذا الكم من الفساد المستشرى، أما حكومات الدول الأوربية والأمريكية فهى يقع على كاهلها مسؤولية السماح لبعض البنوك بتقبل ودائع بهذه الضخامة من حكام ديكتاتوريين وأقاربهم وبعض أعوانهم دون مسائلة، لأن حكومات الدول التى تسمح لهذه البنوك بقبول هذه النوعية من الودائع المشكوك فى أمرها، تعتبر شريكة فى الفساد الحادث من خلال التستر على أموال منهوبة، ويجب أن يصدر القانون دولى أحكامه بأحقية الشعوب فى ثرواتها دون مماطلة، من خلال آليات بحث وتتبع دولية تعمل بصورة فورية على إعادة الأموال، و لكى يعرف هؤلاء الفاسدين أنه لا فائدة من نهب ثروات الشعوب، ولكى يكونوا عبرة لمن تسوله نفسه بسرقة أموال عامة هى من حق الشعوب.
المفضلات