بذل العلم بتعليمه الحمد لله العليم الحكيم والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ليس امتلاك الإنسان للثروة فقط هو الذي يشعره بالأنانية والبخل، بل إن كل إمكانية يحصلها الإنسان تسبب له هذا الشعور، وتشيعه في نفسه وسلوكه، لذلك فهو بحاجة لترشيد مشاعره وتصرفاته تجاه كل ما يتحصل عليه من إمكانيات ومكاسب في هذه الحياة، ليتجه لتوظيفها في خدمة المصلحة العامة.
والعلم والمعرفة من أكبر الإمكانيات وأهم المكاسب، وإذا ما حصل إنسان على مستوى وقدر من العلم، فقد يأخذه الغرور والتعالي على من حولـه، وتسيطر عليه الأنانية فيحتكر العلم والمعرفة لنفسه، ويبخل بها على الآخرين، إلا في حدود خدمة ذاته ومصالحه. لذا جاءت تعاليم ديننا الحنيف بالحث على حب الخير للغير كحبه لأنفسنا حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فلا شك أن بذل الإنسان لما لديه من علم يعلمه غيره يدل على كمال إيمانه وحبه الخير لإخوانه وهو دليل على صفاء نفسه وسموها.
وبذل العلم النافع للمحتاجـين إليه والمنتفعين به من أعظم القربات إلى الله عز وجل وفيه أجر عظيم، بل هو من الصدقة التي يؤجر عليها فالصدقة لا تعني بذل المال فقط بل أبوابها كثيرة منها تعليم الحرف للغير ليكتسب منها ويعيش فيكون لك أجره وقد جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - عليه الصلاة والسلام -: أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله، وجهاد في سبيله) قال: قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: (أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها). قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين صانعا أو تصنع لأخرق). قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تدع الناس من الشر; فإنها صدقة تصدق بها على نفسك). متفق عليه .
إن بذل العلم للناس يزكي نفس صاحبه ويطهرها من الأنانية والبخل، ويؤكد لديه الشعور بالمسؤولية، فالعلم ليس تشريفاً فقط وإنما هو مسؤولية وتكليف.
ومن علّم أو تعلّم شيئا من العلوم التطبيقية المباحة ـ من حيث الأصل ـ ، بإمكانه أن يحسن نيته فيه، بطلب الخير له وللناس، أو سد حاجة المحتاج، أو إعانة الضعيف، أو إغناء أمته وسد حاجتها، أو غير ذلك من المقاصد المحمودة شرعا، وبقدر ما عنده من القصد الحسن، والنية الصالحة يحمد على عمله ويؤجر عليه، إن شاء الله، وإن كان هذا العمل مباحا من حيث الأصل. هذا والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
المفضلات