السلام عليكم





بعد أن استنفد السيليكون الذي تبنى عليه المعالجات الإلكترونية في الكمبيوترات قدراته الفيزيائية، بدأ الباحثون البحث عن بديل آخر نظراً لأن الحاسبات المبنية على السيليكون تقوم بعمليات عديدة في الثانية من دون أن ترتفع حرارتها ولكن لحد معين.

ومنذ عدة سنوات لم يتوان الفيزيائيون عن أن يتخيلوا ويجربوا كل ما عرفوا وما لم يعرفوا من مواد للتوصل إلى مادة تزيد من سرعة المعالجات بنسبة كبيرة وفتح آفاق جديدة في صنع الترانزستورات التي تتكون منها هذه المعالجات.

كانت نتيجة هذه الأبحاث توصل الباحثين إلى مادة الجرافين التي تستخدم في تصنيع العديد من المواد مثل أقلام الرصاص، ومن مميزات الجرافين أنه من الناحية البنيوية الشبكية يعتبر المادة المتبلرة الوحيدة ذات البعدين في الفراغ بمعنى أن ذرات الكربون فيها مرتبة على شكل مسدس الزوايا والأضلاع كخلية النحل تماماً. هذا الأمر يجعله يكون جزيئاً مسطحاً وبسمك ذرة واحدة أي ما يعادل 0،1 نانومتر.

وكان الباحثان الأمريكيان ديفيد مرمين وهربرت واجنر توصلا في 1966 إلى أن الجرافيت الذي تصنع منه أقلام الرصاص، يتأثر بعامل الحرارة أو الاستثارة الحرارية، أي أن طبقة واحدة من الذرات يمكن أن تضطرب في بنيتها الشكلية، وبالتالي فإن المادة نفسها يمكن أن تتحول إلى سائل أو مادة مائعة نظراً لأنه لا يمكن عزلها.

هذا الأمر لم يمنع الفيزيائي الهولندي ذا الأصل الروسي أندريه جايم وفريقه العلمي من جامعة مانشستر، من أن ينجحوا في عزل بلورة الجرافين، اللهم إلا أن الجرافين ليس مسطحاً تماماً ويظهر عن تموجات دقيقة جداً قادرة على امتصاص طاقة الاستثارة الحرارية.

ومنذ اكتشافه لم يكف الجرافين عن إظهار خصائص جديدة غير مسبوقة، فخصائصه تبين أنه مادة شفافة وموصلة ومثالية في مجال صناعة الألواح الشمسية أو البلورات السائلة كما أن مقاومته الميكانيكية تبشر بأنه سيكون من المواد فائقة الصلابة، فضلاً عن ذلك فإن خواصه الإلكترونية أثارت دهشة العلماء بالفعل لأن سرعة النقل الإلكتروني فيه مرتفعة بشكل لا يصدق أي أن الإلكترونات تمر عبره من دون مقاومة تقريباً وترتفع درجة حرارته بنسبة قليلة جداً وذلك لأنه موصل جيد للحرارة وفقده لها سريع جداً الأمر الذي يجعله مناسباً للاستخدام في الإلكترونيات.

ويشير الباحثون إلى أن سرعة انتقال الإلكترونات فيه تزيد على سرعتها في السيليكون بثلاثين مرة. علاوة على ذلك فإن سرعة المعالجات المبنية على السيليكون ستبقى محصورة في نطاق الجيفاهرتز أما الجرافين فسيمكنها من اختراق نطاق السيتراهرتز.

في هذه الآونة تنشط المختبرات العلمية لإنتاج الجرافين بكميات تجارية بطريقتين: الأولى منها يديرها معهد جورجيا التكنولوجي بولاية أتلانتا الأمريكية وتتمثل في رفع حرارة بلورة كربيد السيليسيوم (السيليكون) إلى أكثر من 1000 درجة مئوية إلى أن تتفكك وتتبخر. وينتج عن هذه العملية بقاء ذرات الكربون التي ترتبط فيما بينها بشكل تلقائي مشكلة شبكة سداسية من الجرافين. وتقول كلير برجيه التي تعمل في هذا المعهد بفخر: “يبلغ عرض وريقات الجرافين التي ينتجها المختبر بضع عشرات من الميكرومتر، لكن الأهم من ذلك هو أننا استطعنا خلال هذه السنة أن نثبت أن نقاوة العينات التي أنتجناها كانت كافية لاستخدامها في التطبيقات الميكرو إلكترونية، ما يعني أن مرحلة الإنتاج على المستوى التجاري قد انطلقت بالفعل في ديسمبر/ كانون الأول 2008 في أتلانتا”.

الطريقة الثانية التي يسعى إلى التحضير لها الباحث تيري بوارو من مختبر الأبحاث التطبيقية في مجال الإلكترونيات بمدينة غرونوبل الفرنسية، تستفيد من اكتشاف الباحثين الفرنسيين أنه عندما نؤكسد الجرافيت في وسط حمضي فإن وريقاته تتفكك وتتحول إلى جرافين وبالتالي فإنه يكفي تنقية البلورة باستخدام محلول مختزل. وفي الآونة الأخيرة، تمكن فريق من الباحثين من جامعة كاليفورنيا من اكتشاف أن مادة الهيدرازين (مركب من الآزوت والهيدروجين) قادرة على أن تقوم بالدور الذي تقوم به الجرافين بشكل ممتاز حيث يمكن للباحثين الحصول على طبقات ذات درجة توصيل عالية وبسعر أرخص من الطريقة الأولى.

استخدامات الجرافين لن تبقى محصورة في المعالجات والترانزستورات بل ستمتد إلى تقنيات أخرى كالاتصالات والتصوير والكشف الموجي والكشف عن الأسلحة والبيولوجيا للكشف عن متتاليات الحمض النووي وذلك لأن جميع هذه التطبيقات تتطلب سرعة فائقة.

ويقول الباحث أندريه جايم إن الجرافين بمثابة الرحمة للفيزيائي لأنه من الناحية النظرية يمكنه من خلال ذرة واحدة الحوصل على مادة ثنائية الأبعاد وفائقة التوصل، ففي وريقة واحدة من الجرافين تتحرك الشحنات الكهربية كالجسيمات الكمومية النسبوية وكأنها في الحقيقة فقدت كتلتها مما يجعلها تتحرك بسرعة الضوء. ويضيف جايم أن هذا النوع من الفيزياء الذرية كان بعيد المنال، ولذا يمكنني تشبيه الجرافين بأنه يعمل كمعجل للجسيمات، وستكون السنوات الخمس عشرة المقبلة فاصلة في موضوع التطورات التي سيشهدها عالم الكمبيوتر بشكل خاص.. كيف لا وهو أشد مقاومة من الفولاذ بمائتي مرة؟

منقول للفائدة لا أكثر .