أحد ثوار ليبيا لـ«اليوم السابع»: المصريون أصلحوا الأسلحة الفاسدة.. وأول من استخدموا
الـ«آر. بى. جى» فى مواجهة «مرتزقة القذافى»
مدينة مصراتة، أو رمز الصمود كما يلقبها الليبيون كانت قبل أشهر، سوقاً تجارية ضخمة، يقصدها الليبيون من كل فج لشراء بضائعهم، وبعد الثورة أصبحت مركزاً لتحركات الثوار الذين سردوا لـ«اليوم السابع» قصصاً عن بطولات المصريين فى ليبيا، قائلين إن أبناء ثورة 25 يناير لم يتركونا ورفضوا العودة إلى بلادهم، وكانوا أول من استخدموا الـ«آر. بى. جى» فى مواجهة مرتزقة القذافى، مستفيدين من أداء أغلبهم الخدمة العسكرية فى مصر.



مصراتة تعيش الآن مرحلة انتقالية بعد نجاح ثوارها فى ردع قوات القذافى، وبعد تعرضها للقصف المكثف عبر كتائبه، تحاول النهوض مجددا لتقف على قدميها وتساهم فى إعادة بناء المجتمع الليبى.

فور دخول المدينة التى لم تبح بكل أسرارها بعد، ترى الشوارع شبه خاوية من المارة، حركة السيارات بطيئة، وأغلب المحال التجارية مُغلقة أو مدمرة من آثار القصف، لا متسع فى مصراتة للهو أو اللعب، الشوارع ما زالت شاهدة على عنف الهجوم الذى شنته كتائب القذافى على المدينة، وبالتحديد شارع طرابلس الذى دمرت أغلب أبنيته وُسويت بالأرض، وشاهدة أيضًا على حيل لجأ إليها أبناء المدينة فى حربهم ضد الكتائب والمرتزقة كالحواجز التى استخدموها فى بعض المناطق، كما تتناثر بين الشوارع دبابات متفحمة تم إحراقها أثناء المواجهات المسلحة، إضافة إلى بعض السيارات التى كانت تنقل قوات القذافى من طرابلس إلى مصراتة.

شكراً يا مصر
داخل المدينة الصامدة، يكثر الحديث عن بطولات لثوار مصريين رفضوا العودة إلى أرض الكنانة، وقرروا مواجهة القذافى وقواته، والإشادة لا تقتصر على المشاركة ضد المرتزقة والكتائب المسلحة، لكنها تمتد أكثر من ذلك إذ يقولون إنه لولا مصر ما صمدت مصراتة.
يقول إبراهيم أبوشحمة من كتيبة الصقور بمصراتة: «حين دخلت قوات القذافى كنا نواجهها بالمولوتوف لأننا لم نكن نجيد استخدام السلاح، وكان المصريون المقيمون معنا هم أول من استخدموا السلاح»، مضيفًا: «كانوا قد قضوا الخدمة العسكرية فى مصر، وكل منهم لديه خبرة باستخدام السلاح، وحين جاءتنا أسلحة من بنغازى كان بعضها معطوبًا فنجح المصريون فى إصلاحها، وعلمونا كيف نستخدمها، ثم قاموا من أنفسهم بتصنيعها».
وأكد أبوشحمة الذى حضر أثناء قتال قوات القذافى جنازة أحد «أبطال مصر» على حد وصفه، أن أول من استخدم الـ«آر بى جى» فى مصراتة، كانوا مصريين، وأكثر من واجه قوات القذافى فى هجومهم الأول كانوا أيضًا من مصر.
ويتضامن مع أبوشحمة فى الإشادة بالمصريين أبوبكر السعداوى من كتيبة القرية المجاهدة وأحد المسؤولين عن تأمين الميناء البحرى لمصراتة، مؤكدًا أنه طالب بعضهم بالهروب خارج مصراتة، لكنهم رفضوا وقالوا: «نعيش معكم منذ زمن بعيد، نأكل من إناء واحد، ونحيا فى مدينة واحدة، فكيف نترككم حال الحرب».

قبضة من حديد
«كل المدن عانت بعد انسحاب قوات القذافى من تفجيرات وعمليات انتقامية إلا مصراتة.. نجحنا بصورة تامة فى تطهير المدينة من الأوباش والقضاء عليهم».. عبارتان امتدح بهما «عبدالسلام» من كتيبة الصقور مدينته متفاخرًا باستئصال جذور الفساد منها مثل سكان تاورغاء الذين خانوا أهل مصراتة وهاجموا أهلها أثناء الثورة، واغتصبوا بعض النساء فكان الرد عليهم عنيفاً بإحراق بيوتهم وقتل أولادهم جميعًا.
الملاحظة الأولى التى تلفت انتباه كل من يدخل مصراتة هى الانتشار المكثف للثوار ورجال المرور بصورة تفوق سائر المدن، حيث يوزع الثوار أنفسهم بطريقة تمكنهم من السيطرة على المنافذ والمخارج التى تمر منها السيارات، وتقوم كل كتيبة بحماية المنطقة التى تتواجد فيها عن طريق فرق تتناوب الحراسة والتأمين.
ورغم نجاح هذه الكتائب فى تأمين المدينة فإن الأيام الأخيرة شهدت سخط كثير من العائلات على أداء الكتائب وانتقادات وصل بعضها إلى حد المطالبة بنزع السلاح من الشباب الثائر، وذلك لسببين، الأول، قيام الثوار بإطلاق الأعيرة النارية فى الهواء «على الفاضى والمليان» خاصة فى المساء، والثانى عدم التفرقة فى التعامل بين المتهم بالولاء للقذافى وبين أهله وذويه.
يقول فرج أحد سكان مصراته: «قبل أيام اقتحم ثوار منزل أحد الطحالب (المشتبهين فى انتمائهم للقذافى) للقبض عليه، لكنهم لم يراعوا حرمة المنزل وتعاملوا مع كل من وجدوه بعنف ودون تفرقة» ويضيف: «نفتخر دائمًا أننا نجحنا فى تطهير المدينة من الخونة، لكن يجب أن نتعامل بحكمة فى مثل هذه المواقف حتى لا يتم التعدى على الأبرياء».
ويؤكد فرج أيضًا أن إطلاق النار بصورة مكثفة فى المساء يتسبب فى رعب الأطفال والنساء، متعجبًا من عدم تدخل الشيوخ والعقلاء لإجبار الشباب على التخلى عن تلك العادات.

أطفال الموت
«فى الحرب كنا نخدع المرتزقة وكتائب القذافى بكمائن ثم نصطادهم واحدًا تلو الآخر، كنا نختبئ فى أماكن منخفضة وحين يقتربون نطلق عليهم الرصاص دفعة واحدة».. هذه الكلمات خرجت من شاب صغيرٍ، يدعى أيوب محجوب، بلغ قبل أيام قليلة عامه الـ18 لم يعرف يومًا معنى السياسة أو الحرب إلا حين دقت ساعة زحف قوات القذافى.
يقول أيوب: «كانت حياتى بين المدرسة والمنزل لا أفارقهما، وبعد ثورتى تونس ومصر بدأت أقرأ فى السياسة، وحين تمت الدعوة للثورة الليبية قمنا بتوزيع المنشورات داخل المدراس قبل أن تقبض علينا قوات القذافى وتعذبنا»، مضيفًا: «حاولنا تعلم استخدام السلاح، وفى البداية أصاب كثير من الشباب أنفسهم وأقاربهم بأخطاء ساذجة نتيجة عدم إغلاق خزينة الذخيرة ومع مرور الوقت تعلمنا كيفية استخدامه، وللمصريين المتواجدين فى مصراتة فضل كبير علينا».
وقص الشاب تفاصيل لمواجهات مسلحة شارك فيها مع كتيبته التى ضمت أطفالاً صغارا دون الـ 15 عامًا قائلاً: «بعد أن تعلمنا كيف نستخدم السلاح، بدأنا نحارب المرتزقة الذين استأجرهم القذافى من النيجر وتشاد والجزائر وكولومبيا، واستخدمنا مختلف الأسلحة بدءًا بالمسدس البلجيكى مرورًا بالكلاشينكوف والـ آر بى جى».

السلاح وعقبة الاندماج
الهاجس الأكبر داخل ليبيا الآن هو خطورة التسليح على مستقبلها وإمكانية اللجوء إليه عند أى خلاف سواء بين شخصين أو قبيلتين أو حتى مدينتين، وفى مصراتة تبرز الأزمة بصورة أكبر إذ يرفض أبناؤها تسليم أسلحتهم للمجلس الانتقالى إلا بشرط تخزين السلاح داخل مدينتهم كى يتمكنوا من حماية أنفسهم حال تعرضهم لأى هجوم.
يقول أبوشحمة: «مصراتة مستودع للأسلحة الآن، أنفقنا قرابة ربع مليار دينار لشراء الأسلحة، فضلاً عن الأسلحة التى حصلنا عليها بالمجان، وهناك 450 دبابة حصلنا عليها من قوات القذافى أثناء المواجهات، وهذه الأعداد الكبيرة تشكل دون شك خطرًا على البلاد،