السلام عليكم

علة التقليد:

تحدثت في تدوينة سابقة عن الأليات المتبعة في الإعلام الغربي عموما للسيطرة على الرأي العام وإعادة تشكيل اهتمامات الناس والتأثير على خياراتهم من خلال عرض وتلخيص لبعض الأفكار التي وردت في كتاب المتلاعبون بالعقول لهربرت شيللر.
ويمكن لي القول أن الإعلام العربي كالعادة استنسخ أساليب الإعلام الغربي بحرفيتها دون أن يكون هدفهم السيطرة أو التلاعب بعقول الناس وحشد الرأي العام لصالح قرارات معينة كما يحدث بالغرب، وإنما فقط من باب التقليد الأعمى والإعتقاد بأن التفوق الحضاري الغربي يجعل من كل ما يقومون به معيارا للجودة والمهنية العالية واجبة الإحتذاء.
لو راقبنا الوسائل الإعلامية العربية لوجدناها ملتزمة حرفيا بالمنهجيات الإعلامية الغربية من حيث التجزيئية والبرامج المنوعة وأساليب التنافس بين القنوات من خلال تقديم نفس المادة المحتوى (سوبر ستار * ستار أكاديمي) (الإتجاه المعاكس * بالعربي) . . إلخ من الثنائيات التنافسية ذات المضمون الواحد، ولا تتوقف المسألة عند المضمون وإنما حتى الشكل وطريقة جلوس المذيع وإلقاءه.


فورية الحدث في تعزيز بلادة الجمهور:


مؤخرا أصبح التركيز على فورية الخبر أولوية من أولويات الوسائل الإعلامية العربية . . من خلال التعامل معه كسلعة سريعة التلف دون العمل على تقديم محتوى معرفي يلقي الضوء على خلفية الأحداث بقصد لفت الأنظار لها والعمل على حث الجهات المسؤولة لمعالجتها، أو لخلق وعي شعبي اتجاه ما يدور حولهم.

مع الإهمال الكلي لمدى أهمية الخبر لدى المتلقي العربي، فالتغطية الإخبارية التي رافقت وفاة مايكل جاكسون تكاد تكون مشابهة إلى حد كبير لتغطية أحداث مجزرة غزة الأخيرة أو حرب تموز !!
حتى التغطية الإعلامية لمجزرة غزة بجانب من جوانبها تحولت إلى صراع التغطية الأفضل بين القنوات الإخبارية. وتحول الإهتمام الشعبي بعد تجاوز الصدمة الأولى بشكل ما إلى مراقبة وتقييم أداء الوسائل الإعلامية (الجزيرة/العربية) بحيث أصبحت التغطية الأفضل مدعاة رضى وارتياح لدى المشاهد والتغطية السيئة هي مدعاة السخط والغضب!!
ورغم انني أسلفت أن وسائل الإعلام العربية عندما استنتسخت الأساليب الغربية لم يكن هدفها إعادة تشكيل الوعي العربي بقصد تضليله والسيطرة عليه كما يحدث بالغرب نظرا لأن:

"الحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور – ولو بصورة فجة- كإرادة إجتماعية في مسار العملية التاريخية، أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل – بالمعنى الدقيق للكلمة – بل نجد قمعا شاملا. إذ لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع". “باولو فرير”

الإعلام الأداة المثالية لتضليل الوعي وقلب الحقائق


إلا أن التضليل بدأ يشق مساره رويدا رويدا وتجلى ذلك بأوضح صورة من خلال الحملة الموازية لحرب تموز 2006 وأيضا مجزرة غزة، حيث بدأ العبث بمفاهيم أساسية وراسخة في الوعي الشعبي "المقاومة مثلا" كمحاولة لتغيير دلالاتها بما يتفق وتوجهات مجموعة من النظم السياسية، وأحيانا يتم نقل وتداول المصطلحات والمسميات الغربية كما ترد في الوكالات العالمية دون أي تمحيص في معانيها فتصبح الوسائل الإعلامية ناقلة للتضليل ولو بشكل غير مقصود.
أيضا نجحت وسائل الإعلام بالتأثير على الوعي العام وتتفيه إهتمامات الشباب من خلال برامج الواقع وصناعة النجوم، ولعل ما يحصل من بكاء وإغماءات بالجملة لمشاهدة فنان مثلا خير مثال على ذلك!
بالعودة إلى مسألة التعامل الفوري والآني مع الأحداث، لقد انعكست هذه الطريقة بالتعامل على الجمهور نفسه بحيث أصبح يتعامل مع الحدث خلال ساعاته أو أيامه الأولى وبعدها يتحول إلى أمر اعتيادي جدا، وفي حال انتهى التركيز الإعلامي عليه يدخل طي النسيان حتى لو كان مستمرا على أرض الواقع، فمثلا التفاعل مع إحتلال العراق والتفجيرات التي لا تزال تحصل على أرضه ويذهب ضحيتها عشرات الأبرياء لم تعد تثير أهتمام أحد في الشارع وتمر في الشريط الإخباري مثل أي خبر عن عابر.
مجزرة غزة، توقف الإهتمام الشعبي منذ لحظة توقف الحرب، رغم أن المأساة الحقيقية بدأت بعد توقف إطلاق النار. حتى على مستوى المدونين نجد الآن لا أحد يكتب عن معاناة الشعب في غزة، والسبب باعتقادي يعود إلى أنهم وبشكل لا شعوري يعتقدون أنها مسألة أخذت كفايتها من الإهتمام فضلا عن كونها أصبحت قديمة (أخبار بايتة).
ولا تتوقف مساوئ الأساليب الإعلامية عند هذا الحد فقط بل تتعداها بكثير . . يتبع.