في ظلام الليــــل ينادي بعضنا بعضـــا..
في ظلام الليل نصرخ ونستغيــــث..
وخيال الموت منتصب في وسطنا
وأجنحته السوداء تخيــــم علينـا
ويده الهائلة تجرف إلى الهاوية أرواحنا..
أما عيناه الملتهبتان فمحدقتان إلى الشفق البعيـــــد...


في ظلام الليل يسير الموت ...
ونحن نسير خلفه خائفين منتحبين ..
وليس بيننا من يستطيع الوقوف ..
وليس فينا من له أمل بالوقوف..


في ظلام الليل يسير الموت ونحن نتبعه..
وكلما التفت إلى الوراء يسقط منا ألف
إلى جانبي الطريق
ومن يسقط ..يرقد ولا يسيقظ
ومن لا يسقط يسر قسر إرادته عالما بأنه سيسقط..
ويرقد مع الذين رقدوا
أما الموت فيظل سائرا محدقا إلى الشفق البعيـــد..



في ظلام الليل ينادي الأخ أخاه
والأب أبناءه ..
والأم أطفالها..

وكلنا جائعون..لاغبون ..متضَورون..
أما الموت فلا يجوع ولا يعطش..
فهو يلتهم أرواحنا وأجسادنا
ويشرب دماءنا ودموعنا..
ولكنه لا يشبع ولا يرتوي


في الهزيع الأول من الليل ينادي الطفل أمه..
قائلا : أماه أنا جائع
فتجيبه قائلة:
اصبر قليلا يا ولداه..
وفي الهزيع الثاني ينادي الطفل أمه ثانية
قائلا : يا أماه أنا جائــــع فاعطني خبزا..
فتجيبه: ليس لدي خبز يا ولداه..
وفي الهزيع الثالث يمر الموت بالأم وطفلها
ويضمهما بجناحيه..
فيرقدان على جانب الطريق..
أما الموت فيظل سائرا محدقا إلى الشفق البعيــــد..



في الصباح يذهب الرجل إلى الحقول طالبا القوت
فلا يجد غير التراب والحجارة
وعند الظهيرة يعود إلى زوجته وصغاره
خائر القوى فارغ اليديــــن ..
وعندما يجيء المســـاء يمر الموت بالرجل وزوجته
وصغاره فيجدهم راقدين فيضحـــــك..
ثم يسيـــر محدقا إلى الشفق البعيـــد ..



في الصباح يترك الفلاح كوخه ويذهب للمدينة
في جيبه حلى أمه وأختيه ليبتاع بها الدقيق..
وعند العصر يعود إلى قريته بلا قوت ولا حلى..
فيجد أمه وابنتيها راقدات..
أما عيونهن فلم تزل شاخصة إلى اللا شيء
فيرفع ذراعيه في السماء ثم يهبط
إلى الحضيض كطائر رماه الصيـــاد
وفي المســـاء يمر الموت بقرب الفلاح وأمه وأختيه
فيجدهم راقدين فيبتسم..
ثم يسير محدقا إلى الشفق البعيـــــــد..




في ظلام الليــــــلـ ....
وليس لظلام الليل نهايــــة ..
نناديكم أيها السائرون في نور النهار..
فهل أنتم سامعون صراخنا ..؟
قد بعثنا إليكم أرواح أمواتنا..
فهل وعيتم ما قاله الرسُـــــــل ؟
وحملنا الهواء الشرقي من أنفاسنا حِملا...
فهل بلغ الهواء شواطئكم البعيـــدة ؟
وألقى بين أيديكم أحماله الثقيلة ..؟

هل عرفتم ما بنا ؟ وهل سمعتم ما فعل الموت بنا ؟
فقمتم تســــعون لإنقاذنــــا..
أم وجدتم نفوسكم في سلامة وطمأنينة فقلتم:
ماذا عسى يستطيع الجالسون في النور
أن يفعلوا لأبناء الظلام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فلندع ِ الموتى يدفنون أمواتهم ..
ولتكن مشيئــــة الله..
أي ...لتكن مشيئــــة الله ولكــــــــــــــــن ..:
هلاٌ تستطيعون أن ترفعوا أنفسكم
إلى ما فوق أنفســـــــــِكمــ.....!
حتى تكونوا عونا لنا ؟


في ظلام الليل ينادي بعضنا بعضاَ
في ظلام الليل ينادي الأخ أخاه
والأم ابنها
والزوج زوجته
وعندما تتمازج أصواتنا
وتتعالى إلى كبد الفضـــاء
يقف الموت هنيهة ضاحكا منا..مستهزئا بنا..
ثم يسير يكمل طريقه الذي لا يردعه أحد ...
محدقاَ إلى الشفق البعيــــــــــد
...



نقلته
+ من كتاب العواصف لجبران خليل +