بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهروب داخل المنزل من خلال الأحاديث التليفونية أو الإنترنت ظاهرة لا تظهر بشكل واضح ولكن آثارها ‏الاجتماعية وخيمة

‏ ‏
أبها : نادية الفواز، مها أبوالنجا
فتاة دفعها العنف الأسري إلى الهروب مع شاب يسكن في المنزل المقابل، بعد أن أمطرها بكلماته المعسولة، وظنت ‏أنها ستجد على يديه الخلاص، ولكنها أفاقت ووجدت نفسها في قبضة لص يرغب في استغلالها بالعمل في الدعارة، ‏فتاة أخرى عانت من تحرش أخيها بها، وعندما عرف الأب لم يكترث وكذبها، فهربت من المنزل، ولجأت إلى ‏صديقة لها تتعاطى المخدرات، وكانت نهايتها دار رعاية الفتيات، فتاة ثالثة أدمنت الهروب على مدى أربعة أعوام، ‏وفي كل مرة يتم القبض عليها وإعادتها إلى أسرتها، فتهرب من جديد، بعد أن وجدت في الهرب ملاذا من المشكلات ‏التي تراها في الأسرة، هذه نماذج من حالات هروب الفتيات من أسرهن، والتي تعد ظاهرة قائمة في المجتمعات ‏العربية.‏
وقصص هروب الفتيات كثيرة، وقد يترافق بعضها مع تفاصيل مأساوية، قد يكون فيها التسول أو السرقة أو ‏الانحراف أو التشرد، وقد تصل إلى القتل أو الانتحار، ولعل الدليل على خطورة هذه الظاهرة الدراسات المختلفة، ‏والتي تؤكد أن هروب الفتاة يكون عادة بداية للعديد من الجرائم والانحرافات الاجتماعية.‏
‏"الوطن" طرحت القضية وناقشت أبعادها المختلفة..‏

عنف أسري
م.ع خرجت منذ شهرين من دار الفتيات في عسير، وتم تزويجها بعد خروجها بأسبوعين من طاعن في السبعين من ‏عمره متزوج مرتين، مع أنها لا تتجاوز 19 سنة، ووراء ذلك قصة.‏
وتبرر الفتاة م.ع هربها قائلة "لم أستطع تحمل جو البيت المشحون بالمشاكل، فمنذ وعيت على الدنيا رأيت والدي ‏يضرب أمي بعنف، ولا يتركها إلا بعد أن يحدث تشوهات في جسدها، وانتقل العنف إلى إخوتي، وأصبح الضرب ‏اللغة الوحيدة بينهم، وأبي يتفرج عليهم فرحا بهم، حتى وجدت نفسي أمارس نفس طريقة العنف، ناهيك عن بخل أبي ‏الشديد، وتقتيره علينا، تركت المدرسة في المرحلة المتوسطة، لأنني لم أكن في حالة نفسية مستقرة، وعانيت من ‏العنف والبخل والحبس في البيت".‏
وتضيف "في ظل تلك الأجواء غير السوية تعرفت على ف. س عن طريق النافذة، حيث كنت أقف خلسة أمامها، ‏وبدأ يلوح لي، ثم أخبرني برقم جواله، واتصلت به مرات قليلة، واتفقت معه على الهرب، واعتقدت في البداية أنه ‏سيخلصني من العذاب، لكنه كان يخطط لإيقاعي في عذاب أكبر، فقد كان لصا، ومطلوبا من الشرطة، والأدهى أنه ‏كان يريد لي أن أعمل في أحد بيوت الدعارة، تحملته على مضض لفترة، وخططت للهرب منه، ولكنه اكتشف ‏اعتزامي الهروب، فحبسني في غرفة صغيرة، وأغلقها بالمفتاح، ولكن تم القبض عليه، وزج في السجن لسرقته ‏سيارة، وبقيت أسبوعا كاملا في الغرفة دون طعام، وفجأة رأيت رجال الشرطة يقتحمون المكان، وعرفت بعدها أنه ‏هو من أخبرهم بأمري، وحققوا معي، ثم أرسلوني إلى دار الفتيات، مكثت فيها سنتين، ورفض أبي اصطحابي إلى ‏المنزل، لكن الدار كانت أرحم لي من بيتنا، ففيها كنت أجد طلباتي، وتم تأهيلنا نفسيا".‏
تقول م.ع "أنا فعلا نادمة على خطئي، لكنه حصل، وزواجي من المسن قد يكون حلا لمشكلتي، لكن لا أدري إلى ‏ماذا يأخذني هذا الحل؟ لكني مقتنعة أنه أفضل ولو مؤقتا من جبروت أبي الذي كان سيقتلني، لولا تدخل بعض ‏الأشخاص، وتدبيرهم لزواجي فور خروجي من الدار".‏
تقول والدتها س "سببت لنا ابنتي الخزي والعار، بعد أن هربت مع أحد الشباب، ورفض أبوها تسلمها من دار ‏الرعاية، وهدد بقتلها إن رآها أمامه، بعد أن مكثت في الدار سنتين، قمت أنا وابنتي الكبيرة المتزوجة وبمساعدة ‏زوجها بالبحث عن عريس لها حتى لو كان كهلا لنداري الفضيحة، ونخفيها عن أنظار والدها، فأنا لا أريده أن ‏يخسر حياته من أجلها".‏
وأضافت الأم أن العريس الكهل لم يعلم بقصتها مع الشاب الذي هربت معه، حيث لم تطلعه على الأمر، فهو من ‏منطقة بعيدة، مشيرة إلى أن زوج ابنتها أحضر العريس بعد أن أخبره أنها تزوجت من شاب منحرف، وأنها لم تمكث ‏معه سوى شهرين، وقامت الأم بإتمام الزواج بسرعة حتى لا يكتشف الأمر، وعن إمكانية مسامحتها لها تقول الأم ‏‏"ما فعلته ابنتي من الصعب أن ينسى في فترة بسيطة، ولن أنسى مادامت نظرات الناس تذكرني بها".‏

الابنة تزوجت في السر
أبو أحمد مقيم يعمل في السعودية جاءه ذات يوم اتصال مزعج من بلده قلب موازين حياته، حيث قال المتصل (ابنتك ‏هربت من البيت، وتزوجت زميلها في الجامعة زواجا عرفيا) يقول أبوأحمد "لم أصدق أن ابنتي الطالبة في كلية ‏الآداب تقدم على هذا العمل المشين الذي نكس رأسنا في الأرض، عندما أخبرتني أمها بالكارثة سافرت إلى بلدي ‏لأرى المصيبة، وتكاتف جميع أفراد العائلة لإيجاد ابنتي لمداراة الفضيحة دون تدخل الشرطة، وبسبب انقطاعها عن ‏الجامعة عثرنا عليها بصعوبة في إحدى الشقق المفروشة".‏
ويضيف "هجمت عليها كالمجنون، وضربتها ضربا مبرحا، سيترك آثاره على جسمها مدى حياتها ليذكرها بفعلتها ‏المشينة، وكانت ستموت بين يدي، لولا أن أقاربي خلصوها مني".‏
ويضيف الأب بأسى "بعد ذلك قررنا أن نعلن زواجها رسميا وفي المحكمة، وأوهمنا الجميع أنه زواج جديد، وأقمنا ‏حفل زفاف، وجهزنا شقة لهما، وكل تلك التكاليف كانت على نفقتي، لأن زوجها مازال طالبا يأخذ المصروف من ‏والده".‏
ويؤكد أبو أحمد أن زواج ابنته لن يستمر طويلا، ويلوم ابنته كل يوم عن ما قامت به، فقد تغرب ليعمل، ويوفر لها ‏ولإخوتها أفضل حياة، لكنها كافأته بعمل مخزِ، مشيرا إلى أن غيابه عنهم وسفره ليس مبررا لفعلتها، فكثير من الآباء ‏يتغربون عن أولادهم، ولا يفعلون فعلتها.‏

هربت من التحرش
أما هـ فلم تهرب طمعًا في المال أو استجابة لغرائزها؛ فقد هربت لأنها لم تَعُد تحتمل تحرشات أخيها المتكررة بها، ‏وكان يهددها دائمًا بقتل نفسه إذا أخبرت والدها، ونظرا لأن الأم توفيت منذ عشر سنوات، كانت تشكوه لأختها ‏الكبرى، فأخبرت الأخت الوالد، لكنه كذب ابنته، وعندما تكرر الاعتداء عليها قررت الفتاة أن تهرب إلى بيت خالها، ‏معتقدة أن ذلك أكثر أمانًا، ولكنها عادت بعد فترة إلى بيت أبيها، وعاد تكرار الاعتداء عليها من قبل أخيها.‏
قررت هـ أن تلجأ إلى صديقتها التي تتعاطى المخدرات، فضبطت معها، وبعد إجراءات قانونية طويلة أرسلت إلى ‏دار رعاية الفتيات، وهي حاليا لا تريد العودة إلى أهلها، أو الخروج من أسوار الدار، لخوفها من الرجال.‏
الجوهرة فتاة تبلغ من العمر 16 عاما تقول إنها شعرت بأن شيئا في داخلها يدفعها إلى التمرد على حياتها، بعد أن ‏عانت مع إخوانها وأخواتها من سوء معاملة والدها لها ولوالدتها، ومن المشاكل المتزايدة من والدها المدمن، فقررت ‏الهروب من المنزل تقول "قضيت خارج المنزل أكثر من ثلاث ليال مع أحد الشباب في شقة، وكانت تجربة مريرة ‏قضيت أوقاتا طويلة أؤنب نفسي عليها، وتم القبض علينا في النهاية". ‏ ‏
أما هديل (18سنة) فقد كانت بداية انحرافها انفصال والديها، وزواج الأب بأخرى والأم بغير والدها، وعاشت هديل ‏مع جدتها، ولكنها كانت كبيرة في السن ومتشددة، فقررت في أحد الأيام أنها لن تعود إلى البيت، واتفقت مع إحدى ‏صديقاتها على الهرب مع بعض الشباب، وبعد فترة وجيزة أصبحت القصة معروفة على كل لسان، وبعد مرور ‏شهر ألقي القبض عليها وعلى صديقتها برفقة مجموعة من الشباب، وأودعت في مؤسسة رعاية الفتيات.‏ ‏
وتروي هند سبب هروبها وتقول "سبب تشردي يعود إلى زوجة الأب ومعاملتها القاسية، فهي لا تحبنا، وأخذت تبعد ‏اهتمام والدنا عنا، فكان من فرط ذلك يتركنا ننام خارج المنزل، ولا يعرف شيئا عن حالنا، فأصبحت أكره البيت، ‏وذهبت في طريق غير سوي علني أنسى الألم.‏
فتاة أخرى تهرب من أسرتها منذ أربع سنوات، وفي كل مرة تتم إعادتها للأسرة، فتعود للهروب، والسبب كما قالت ‏وجود مشاكل أخلاقية من الأم والأب كبير في السن، فأدمنت الفتاة على الهروب، بل ووجدت فيه ملاذا من ‏المشكلات التي تراها في الأسرة. ‏

سوء المعاملة وتشدد الأسرة‏
ويرى مدير شرطة خميس مشيط العميد عوض السرحاني أن من أهم أسباب هروب الفتيات قلة الوازع الديني، ‏والبعد عن الله، إضافة إلى الضغوط الأسرية والمنزلية على الفتيات والأبناء، مما يوصلهم إلى هذه المرحلة.‏
وأبان أن رفض الأهل لزواج الابنة، أو وجود مشاكل في الأسرة تجعل العديد من الفتيات يفكرن في الهروب من ‏المنزل، مشيرا إلى أن في معظم حالات الهروب تتراوح أعمار الفتيات بين عمر 18 إلى 24 سنة وهذه السن التي ‏تكون فيها الفتاة في حالة انفتاح ونضج، فترتطم بسوء المعاملة، والتشدد من الأسرة.‏
وقال العميد السرحاني إنه يجب على الأسرة استيعاب أبناءها، وعدم البعد عنهم والتسلط عليهم، مما يؤدي إلى نتائج ‏سلبية على الأسرة وعلى المجتمع بأسرة، مبينا أن الظروف الاقتصادية تلعب دورا كبيرا في مشكلة هروب الفتيات ‏اللائي تطمح كل منهن لتحقيق أحلامها، دون النظر إلى سبل تحقيقها، كما أن وسائل الإعلام والفضائيات تقدم نماذج ‏للحرية في مجتمع الشابات، مما يحفزهن على الهروب.‏
وطالب الأسرة بأن تقوم بدورها المأمول منها في تربية الأبناء، وتفهم متطلباتهم وربطهم بالله وبالعبادة، وإبعادهم ‏عن المشكلات، إضافة إلى وجود مشكلات الإدمان في بعض الأسر، والتي يكون لها دور سلبي على هروب الأبناء ‏والبنات، بعد أن تعصف بالأسرة مشكلات اقتصادية واجتماعية. ‏
وتشكك الاختصاصية الاجتماعية منى خلف بدقة الأرقام والإحصائيات الموجودة في أي بلد عربي، والتي تتعلق ‏بحقيقة إحصائيات هروب الفتيات وحجم الأفعال المخلة بالأخلاق والآداب العامة التي يرتكبها الأحداث؛ والسبب كما ‏تقول إن معظم أهالي الهاربات والضحايا المعتدى عليهن لا يتقدمون بشكاوى إلى الجهات الرسمية المختصة، وذلك ‏خشية الفضيحة التي يتجاوز ضررها المعنوي الضرر المادي الذي حاق بهن، مشيرة إلى أن الإحصائيات الرسمية ‏رغم عدم دقتها قد تكون مؤشرات ذات دلالة، على انتشار ظاهرة الهروب في البلاد العربية. ‏
هروب داخل المنزل
وحذرت خلف من ظاهرة أسمتها الهروب داخل المنزل قائلة "الآباء والأمهات لا يشعرون حقًّا بهروب بناتهن، إلا ‏إذا اكتشفوا أنهن فارقن المنزل دون عودة، وقد لا يعرف البعض أن هناك بعض الفتيات يهربن داخل المنزل؛ حيث ‏يجعلن لأنفسهن عالمًا آخر من خلال الأحاديث التليفونية أو المحادثة عبر الإنترنت والـشات التي يمكنهن من خلالها ‏تبادل الحوارات والهموم، بل العواطف أيضًا مع الشباب، وتمتد هذه الأحاديث لفترات طويلة، فتسرق الوقت، وتملأ ‏عقول الفتيات ووجدانهن بما لا يتصور الآباء، فالآباء والأمهات يطمئنون، بل يفتخرون بأن أبناءهم وبناتهن ‏يسايرون العصر، ويقضون أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر، وأنهم ليسوا ممن يضيعون أوقاتهم في الأندية أو التنزه، ‏في حين أن الواقع شيء آخر".‏
وتضيف خلف "في حالات كثيرة لا تستيقظ الأسرة إلا بعد وقوع الكارثة، وانكشاف المستور، فيفيق الأب والأم على ‏حلم مزعج، هو أن ابنتهم قد تزوجت عرفيًّا من شاب لا يعرفونه، أو تزوجت زواجًا سليمًا على يد مأذون، لكنه ‏زواج سري لا يعرفه سوى أصدقاء وصديقات الزوجين، كل هذا والفتاة تعيش في بيت أهلها بشكل طبيعي، تخرج ‏صباحًا إلى المدرسة أو الجامعة، وتعود بعد انتهاء اليوم الدراسي، وهي في الحقيقة تذهب إلى شقة الزوجية المؤقتة، ‏وتعود لمنزلها بعد ذلك، ولا ينكشف الأمر إلا عندما تظهر على الفتاة علامات الحمل، فإما تتجه للإجهاض أو ‏تصارح أهلها بالحقيقة، وهنا لا يصبح أمام الأهل سوى حلين لا ثالث لهما، الأول هو إجهاض هذا الحمل، والتخلص ‏من هذا الزواج، أو أن يرضوا بالأمر الواقع، ويتحول الزواج العرفي أو السري إلى زواج معلن، وإن كانت بعض ‏العائلات تطبق قانونًا آخر هو التخلص من الفتاة إلى الأبد".‏

انعدام التواصل بين أفراد الأسرة
وأرجعت الاختصاصية الاجتماعية بمستشفى الصحة النفسية بأبها لطفية أحمد سلمان سبب هروب الفتيات من ‏منازلهن إلى عدم فهم الأسرة لحاجات الفتاة من العطف والحب والانتماء، وكذلك انعدام التواصل العاطفي بين أفراد ‏الأسرة، مما يؤدي بالفتاة إلى التفكير بالمناخ العاطفي خارج المنزل، تقول "ليس بالضرورة أن تهرب الفتاة من ‏المنزل بقصد إيجاد علاقات غير شريفة، فقد تهرب الفتاة نتيجة ضغوط داخل الأسرة، وبالتالي يجعلها عرضة لهذه ‏العلاقة المشبوهة"، مشيرة إلى أن من أهم أسباب هروب الفتيات ضعف الرقابة الأسرية على الفتاة، أو إعطاؤها ‏الثقة الزائدة.‏
وذكرت سلمان أن من الأسباب التي تدفع الفتيات للهروب قلة الوازع الديني والضغوط على تلك الفتاة الهاربة، ‏والتقليد الأعمى لوسائل الإعلام الهابطة، وتزايد حالات العنف الأسري، وضعف العلاقات الاجتماعية بشكل يهدد ‏مشاعر الأمن، ويستحث مشاعر الإحباط، وقد يكون سبب الشعور الحرمان العاطفي لدى الفتيات والتفرقة والتفضيل ‏والتمييز بين الأولاد في المعاملة، كالتفرقة بين الذكر والأنثى، أو التفرقة بترتيب الميلاد، أو تفضيل أولاد إحدى ‏الزوجات على أولاد الأخرى، أو وجود اضطراب وخلل في المناخ الأسري عند الفتيات غير المتزوجات.‏
وعن الحلول قالت سلمان "هنالك عدة مؤسسات اجتماعية مطالبة بالتدخل للحد من هذه المشكلة، ومنها المدارس ‏والجامعات والكليات من خلال برامجها التعليمية والثقافية، والتركيز على المشكلات التي تواجه الفتاة، وكيف يمكن ‏للفتاة أن تواجه تلك المشكلات، وكيف يمكنها أن تشعر بالثقة في نفسها، وهنالك أيضاً دور الجمعيات الخيرية في ‏معالجة مشكلة الفقر ودعم الشباب، والحد من العنوسة، وتقديم المساعدات للراغبين في الزواج، وذلك لا يحصل إلا ‏بدعم أصحاب الأموال، مع العمل على توعية الأسرة بأساليب التربية الصحيحة من خلال وسائل الإعلام والتي ‏تلعب دوراً أساسياً في الحد من هذه المشكلة، وتقديم برامج تحتضن الشاب والفتاة اجتماعياً وثقافياً، وإعطاء الشباب ‏الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم في وسائل الإعلام، في حدود قيم وثقافة المجتمع.‏

فرصة للتعبير عن المشاعر
وتقول أستاذة علم النفس في جامعة الملك عبدالعزيز سابقا الدكتورة بلقيس الشريف "تطلعنا الصحف المحلية على ‏حالات متزايدة من هروب فتيات، يعانين من مشاكل نفسية وكبت عاطفي، وقد يلجأن لعلاقات خاطئة لإشباع هذا ‏الكبت، أو للانتقام من أسرهن، لما تفرضه من سيطرة ذكورية عليهن، فلا يجدن الحنان في منازلهن، بل يعانين من ‏العنف الأسري، كما لا يجدن العطف في مدارسهن، فيبحثن عنه خارجها، وينخدعن بمعسول الكلام والوعود الواهية ‏‏".‏
وتضيف "لا بد من إعطاء الفتيات فرصة التعبير عن مشاعرهن، واتخاذ خطوة إيجابية لاتخاذ القرار، وعلينا إنشاء ‏مراكز لعلاج التفكك الأسري، والتواصل مع الآباء والأمهات، وتعريفهم بأساليب التربية الحديثة، فالطريقة التي ‏تربوا عليها لا تصلح مع أبنائهم، وإنشاء مؤسسات تحمي الفتيات من العنف الأسري خاصة في حالة طلاق الوالدين، ‏وزواجهما مرة أخرى أو في وفاة أحدهما"، مشيرة إلى احتمال تحول الهروب إلى انتحار بما يعتريه من شعور ‏بالاكتئاب النفسي الشديد، خاصة في حالة الفتاة الهاربة، حيث تجد في الانتحار وسيلة للتخلص من الاضطرابات ‏النفسية.‏

تراخي الوعى والإرادة
وترى المستشارة النفسية والاجتماعية بكلية دار الحكمة الدكتورة فوزية اشماخ أن أهم منطلق في موضوع التربية ‏والتنشئة السوية هو دور الأسرة، وخصوصا الأم التي تستطيع أكثر من غيرها تربية الأبناء على الانضباط ‏والالتزام، مشيرة إلى وجود حالة من تراخي الوعي والإرادة التي تسود بعض المجتمعات، وهذا التراخي بحد ذاته ‏يعتبر ظاهرة مقلقة، فلابد من حلول جذرية، وهذه المشكلة لا يمكن حلها بالوعظ والإرشاد، كما أنها لا تحل بالنظم ‏والقوانين فالمطلوب تصحيح الوعي عند الجيل المسؤول جيل الآباء.‏
وعن الأسباب التي تقف وراء هذه ا لظاهرة قالت الدكتورة أشماخ "هناك عدة أسباب أهمها يعود إلى التفكك ‏الأسري، وانهيار الأسرة، من خلال سوء معاملة الآباء أو الأبناء، سواء بالتدليل الزائد أو العنف، أو عدم المساواة ‏بين الأبناء.، وانعدام التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأسرة والفتاة، وذلك بسبب المشاكل الأسرية، أيضاً ‏التربية الصارمة التي ينتهجها كل من الوالدين أو أحدهما كالاعتداء اللفظي بكثرة التوبيخ أو البدني بالضرب، ومن ‏الأسباب أيضاً رفيقات السوء"، مشيرة إلى أهمية الاعتدال في التربية وعدم التفرقة بين الأبناء.‏
الاعتدال في أساليب التربية
وشددت الدكتورة اشماخ على أهمية التواصل الإيجابي، والإرشاد بطريقة غير مباشرة، وعدم التفرقة بين الأبناء، ‏ومنحهم الإشباع العاطفي والرعاية، والاعتدال في أساليب التربية دون إفراط أو تفريط، تقول " قد تأتي الضغوط ‏على الفتاة، حيث تعيش تحت وطأة جملة من الضوابط والضغوط المتراكمة منذ ولادتها إلى أن تصبح شابة، حيث ‏ترد ظاهرة الهروب في مرحلة الشباب إلى كونها تتميز بالاندفاع والحيوية والطموح ورفض القيود، لذا فإن الفتاة ‏تعيش حياة حالمة إلى أن تصطدم بالمجتمع البعيد عما تحلم به، وتكون النتيجة إما أن تعيش في عزلة على ذاتها، أو ‏تنجرف بأشكال مختلفة من الهروب النفسي".‏
وتشير إلى أن ذلك يحدث عندما تكون العلاقة بين الفتاة وبين أسرتها غير متوافقة لعدة أسباب منها تدني المستوى ‏التعليمي لدى الأسرة، وسيادة التفكير القائل إن الفتاة لها دور معين لا يجوز تجاوزه، في حين تكشف وسائل الإعلام ‏واقع مجتمعات أخرى تقوم فيها الفتاة بأدوار مختلفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مما يدفع الفتاة إلى التمرد.‏
وطالبت الدكتورة اشماخ بالعمل على تأهيل الفتيات، وتثقيف الأسر حول كيفية التعامل مع الفتيات وطرق التعامل ‏معهن، وإيضاح أهمية توفير البيئة النفسية والاجتماعية لكافة الأفراد، مع أهمية الدعم من مؤسسات المجتمع. ‏