سنة 1987 كتب محمود درويش عن ناجي العلي قائلا :"...حين استبدل عبارتي بيروت خيمتنا الأخيرة بعبارته اللاذعة محمود خيبتنا الأخيرة، كلمته معاتبا: فقال لي: لقد فعلت ذلك لأني احبك، ولأني حريص عليك من مغبة ما انت مقدم عليه، ماذا جرى... هل تحاور اليهود؟ اخرج مما أنت فيه لأرسمك على الجدران... لم يكن سهلا ان تناقش ناجي العلي الذي يقول: لا أفهم هذه المناورات.. لا افهم السياسة، لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية...".
ولكن محمود درويش أضاف ما يهمنا اليوم أكثر:".. حين استشهد ناجي العلي، سقطت من قلبي اوراق الأغاني لتسكنه العتمة، الاختناق في الحواس كلها، لا لأن صديقا آخر، صديقا مبدعا، يمضي بلا وداع فقط، بل لأن حياتنا صارت مفتوحة للاستباحة المطلقة، ولأن في وسع الأعداء ان يديروا حوار الخلاف، بيننا الى الحدود التي يريدونها ليعطوا للقتيل صورة القاتل التي يرسمونها وليتحول القتلة الى مشاهدين. لذلك، فإن اغتيال ناجي العلي، في لحظة الخلاف العائلي العابرة، هو جريمة نموذجية اتقن الأعداء صناعتها بقدرتها على تأويل جرائم اخرى ليس اقلها دناءة التشهير بتربيتنا الأخلاقية، بل محاولة منعنا من تطوير ما يميزنا، قليلا، عما يحيط بنا من انحطاط، وهو: حق الاختلاف في الرأي، ومحاولة محاصرتنا بأحد خيارين: أما القطيع، وإما القطيعة.
كان في وسعنا، ومن حقنا، ان نختلف وان نواصل التعبير عن الاختلاف، في مناخ افضل، على ما يعتقد كل واحد منا انه الطريق، أو الأداة، او اللغة، او الشكل، الاقرب الى بلوغ الحرية والوطن، فذلك هو احد مكونات حريتنا الذاتية ووطننا المعنوي، واحدى سمات نشاطنا الوطني المغايرة لامتثال القطيع، لذلك، فإن اختراق العدو جبهة حوارنا هو محاولة لايصال العلاقة بين من استعصوا على ان يكونوا قطيعا الى علاقة القطيعة..."
وفي الذكرى العشرين لاغتياله لا يسعنا إلا أن نقول مع طلال سلمان (صاحب جريدة السفير) : " لا عزاء في ناجي العلي... ولا رثاء لناجي العلي، ففي انتظار عودة الروح إلى الأمة، كلّنا موتى بلا أكفان، وكلّنا قاتل ذاته وقاتل الآخرين، أشرسنا في القيادة وأعجزنا في القاعدة، لكننا كالبنيان المرصوص نشد بعضنا بعضاً. فسلام على الأمة يوم تستعيد روحها، عروبتها، وسلام على ناجي العلي يومذاك ، لأنه يومذاك سيبعث حيا. وسيهتف بلسان حنظلة: صباح الخير يا بيروت ـ الأميرة ، صباح بر يا عرب فلسطين، وعرب الثورة التحرير بالوحدة وليس إلاّ بها."
سيرة ذاتية موجزة:
ولد ناجي العلي في قرية الشجرة بفلسطين عام 1936 (تاريخ الولادة غير مؤكد) ، وبعد إبعاده عام 48 مع عائلته عاش في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان ، وكانت حياته في هذا المخيم الفلسطيني مصدر إلهامه الكبير في رسومه . وإثر حصوله على شهادة دبلوم الميكانيكا دخل ناجي أكاديمية الفنون في لبنان ، ثم تركها حيث سافر إلى الكويت ليعمل رساما في صحيفة الطليعة ومخرجاً فنياً تنقل بعدها بين عدة صحف منها السياسة الكويتية ، السفير اللبنانية ، صحيفة القبس....... وبعدها استقر ناجي في لندن ليواصل بريشته مشروعه الفني والنضالي، وكان سر نجاحه عفويته الصادقة التي لم يعهدها الفن الساخر العربي . وأطلق ناجي العلي شخصية حنظلة أول مرة عام 1969 من خلال صحيفة السياسة، حنظلة هذا الطفل الكبير الذي قدمه ناجي بعبارات صادقة أعلن فيها التمرد. و قد انتخب سنة 1979 رئيس رابطة الكاريكاتيرالعرب. و أصدر ثلاثة كتب في الأعوام (1976 ، 1983 ، 1985) ضمت مجموعة من رسوماته المختارة. و يعتبرناجي العلي من أشهر رسامي الكاريكاتور في العالم.





اغتياله: في يوم 22 جويلية 1987 وبينما كان ناجي العلي متوجهاً إلى مكتب صحيفة " القبس " الدولية ، اقترب منه شاب مجهول في شارع آيفز بلندن واطلق عليه رصاصة في رأسه ، ليدخل ناجي في غيبوبة طويلة فارق إثرها الحياة في 29 أوت 1987. و كان ناجي العلي أول فنان رسام كاريكاتير عربي يقتل من أجل رسوم بالأسود والأبيض يعبر فيها عن قضيته ومأساة شعبه الفلسطيني، و تفرق دمه بين اتهامات موجهة إلى الموساد الصهيوني أو بعض الشخصيات في منظمة التحريرالفلسطينية التي لم يكن يتردد في نقدها. وكانت وصية ناجي العلي (المتزوج وله أربعة أبناء) أن يدفن إلى جانب والديه في مخيم " عين الحلوة " في صيدا حيث نشأ وترعرع .ولكنه دفن في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن. أما تمثال ناجي العلي الذي نحته سنة 1987 الفنان شربل فارس وتم وضعه في مدخل مخيم عين الحلوة فلم يسلم بدوره من أعدائه، ولكنهم لم يستطيعوا محو حنظلة رمزاً فلسطينيا وعربيا للصمود والتحدي وبقي بصمة مخلدة لناجي العلي وفنه ونضاله




في أمان الله