بسم الله الرحمن الرحيم


باختصار عن أية حرية يتكلمون؟ !





يتكلم بعض الشباب - هدانا الله وإياهم - اليوم عن حرية الرأي ولكن عن أية حرية رأي هم يتكلمون؟ هل يتكلمون عن حرية الرأي التي يوجهها الوحي، يحكمها القرآن والسنة ثم قوانين الدولة وأنظمتها؟ هل هم يعنون بالحرية تلك الحرية الموجهة كحرية نبي الله يوسف – عليه السلام - الذي لما قالت له امرأة العزيز: )هَيْتَ لَك( وما كان حوله حسيب ولا عليه رقيب من البشر فقال: )مَعَاذَ الله إنّهُ رَبّي أكْرَمَ مَثْوَاي(؟ وكحرية أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي أصحابه رضوان الله عليهم، الموجهة بالقرآن والسنة وعلى مراد الله؟ أم حرية الفوضى، فيمسك الواحد منهم شخصاً بريئاً من الناس فيكتب فيه ويتكلم عليه ولربما افترى عليه أو بهته فيعريه من كل حسنى وحسنة؟ وهذا لأنه لا يحبه! أو يمسك شخصاً راض عنه فيرفعه فيجعله ذاك الذي لم يخطئ قط بل ربما عصمه من الزلل؟ لأنه على شاكلته!



عن أية حرية رأي هم يتكلمون؟

يتكلم الشباب عن حرية الرأي، عن أية حرية رأي هم يتكلمون ؟! أن يبدوا رأيهم من خلال استبيانات حول شخص – مثلاً - مطلوب للعدالة/ للمحكمة، فمنهم من يقول ليسلم نفسه، ومنهم من يقول لا يسلم نفسه، ومنهم من يقول يسلم نفسه بشروط ومنهم من يقول لا يسلم نفسه حتى يحصل على دليل ينقذه وينجيه من ورطته، عندما قذف شخصاً بريئاً في الدولة، وما ذاك إلا لأنه ربما بنى قذفه على شكوك وافتراضات وقال وقيل ولربما لحسد أو عداوة أو بغضاء ولأجل مصلحة شخصية! وسبحان الله، بينما أمرنا الإسلام بمناصرة الظالم بأن نأخذ على يده، نجد بعض هؤلاء الشباب قد شمروا لمناشدة جمعية حقوق الإنسان ضرباً بالشريعة وبالعدالة وضرباً بحقوق الناس، المهم أن ينجوا بصاحبهم ولو بالتعاون على الإثم والعدوان وعلى حساب الدين أو على حساب بريء أومظلوم أومقذوف الذي كأنه - في رأيهم - ليس بإنسان لدى جمعية حقوق الإنسان!


يتكلمون عن حرية الرأي، عن أية حرية رأي يتكلمون؟ هل كبعض المحطات الإعلامية التي تأتي إلى الأحكام الشرعية فتخضعها للرأي وتناقشها حسب وجهات نظر البشر؟ تناقش أمر الحجاب أهو واجب أم غير واجب، وتناقش زواج المتعة أهو جائز أو محرم...، ولربما عرضت استبياناً لذلك ولغيره من الأحكام والفتاوى الشرعية! وهل بقى الحلال والحرام والجائز وغير الجائز عندنا نحن المسلمين اليوم بالرأي ومن خلال الاستفتاء بالاستبيانات الهاتفية أو الخطية؟


وهل أصبح ديننا بالرأي وكما يراه عمرو وزيد؟، أم أنه باق كما كان، وحي وشرعة ومنهاج ودين حفظه الله وأكمله فارتضاه لنا، وحضنا فيه على طاعة الله ورسوله وولي الأمر ولو رأسه كزبيبة؟ لقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) "اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"؛البخاري


عن أية حرية كلمة هم يتكلمون؟

ويتكلم الشباب عن حرية الكلمة، عن أية حرية كلمة هم يتكلمون؟ هل يعنون حرية كلمة تلك التي تكون من خلال كلمة تثير الفتن وتوقظ النائم منها؟ أو أنهم مع الحرية المطلقة؟ فيشتمون من خلالها من يشاءون بما يشتهون ومن غير دليل معتبر ويوبخون من يشاءون ويفسِّقون وينفّقون من يشاءون، فنصّبوا أنفسهم علماء وأصبحوا يشرّعون وكأنهم أيها الناس )كِراماً كاتِبِين يَعْلَمُون مَاتَفْعَلُون(!



ولماذا هذا التردي؟

ولكن - بالمناسبة - لما هذا التردي من قبل بعض الشباب في مواقفهم، والتخبط في منهجهم ونهجهم إزاء صلاحهم وإصلاحهم للأمور؟ هل لأنه ينقصهم علم الجغرافيا والتاريخ، أو الفلسفة والمنطق، أو لأنهم بحاجة إلى المزيد من الرياضيات أو الاستزادة من اللغة الإنجليزية...؟ أو أن ذلك يرجع سببه إلى عدم تفقههم في الدين الذي به على الأقل يتعلمون الضوابط الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة للتناصح وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!



لم يهدم النبي r لا كنيسة ولا صومعة ولكن


للضرورة هدم مسجد الضرار !




أيها الشباب، هذا دين يجب أن لا يمس بالحرية الزائفة التي تدعيها طائفة من الشباب، )وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(، (البقرة، الآية: 286). أيها الشاب، يقول الله: ) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ(، (الزخرف، الآية: 43، 44). يا أيها الشباب، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولولي الأمر أو نائبه أو ممثله أن يقيس ويزن المصلحة مقابل المفسدة، حيث في حين إننا لم نسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم – هدم صومعة أو كنيسة، علمنا بما ثبت عنه بأنه – صلى الله عليه وسلم – هدم مسجداً لطالما انبعث منه ضرر ضد المسلمين! ) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ (، (التوبة، الآية: 108). ثم وإن دفع الفتن أسهل من رفعها، وإن هذه من القواعد الشرعية المعتبرة، وقال الله تعالى: )فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ((النحل، الاية: 43).


الضوابط الشرعية في الإنكار...!

ثم فموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد له من ضوابط شرعية معروفة في مظانها وهو من أولى وأوجب ما ينبغي أن يتكلم عنه الدعاة. وموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو جزء من الدعوة، وإن شئت فقل هو الدعوة كلها، وعلينا أن ننكر المنكر الأكبر، ثم يكون الإنكار على المنكر الكبير، ثم على المنكر الصغير، والبدء بإنكار المنكرات الظاهرة قبل إنكار المنكرات الخفية، وينبغي أن يتم كل ذلك - وعلى كل حال - من خلال الضوابط الشرعية المعتبرة. وبناءً عليها، لا يجوز إنكار المنكر إذا كان إنكاره سيؤدي إلى منكر أكبر، وكما لا يجوز إنكار ما نراه منكراً لمجرد أنه مخالف للعادات والتقاليد...، إنما ننكر على ما هو مخالف للمنهج الرباني، للشريعة الغراء وكذلك المتضارب مع القوانين والأنظمة التي تسنها الدولة لمصلحة الناس، وننكر المنكر بناءً على برهان من الكتاب ودليل من السنة، آخذين في الاعتبار أن الإنكار على العالم ليس كالإنكار على الجاهل، والإنكار على الحاكم ليس كالإنكار على المحكوم، والإنكار على الزوجة ليس كالإنكار على الولد، والإنكار على الوالدين ليس كالإنكار على الزوجة، وهكذا....
ثم والإنكار باليد من تخصص الحاكم ومن يمثله ويخوله ويفوضه، وكذلك الإنكار باللسان والبنان، من تخصص الحاكم إضافةً إلى أهل العلم وطلبته، فيبقى للعامة الإنكار بالقلب، مع الإبلاغ عن المنكر إلى أولي العلم والنهى، أو مباشرةً إلى أولياء الأمور أو ممثليهم في الاختصاص والتخصص، وإلاّ تسقط هيبة الحاكم فتعم الفوضى في المجتمع فتمزّقه، وتسقط هيبة العلماء فتتفشّى الفتنة في الدين فتعطّله.
وليعلم المُنْكِر بانه إن أراد أن يعلن إنكاره للمنكر، لا يجوز له أن يخصص! إنما يطلق مثلما كان نبينا – صلى الله عليه وسلم يفعل – فيقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، أو ما بال أقوام (لا يؤدون الزكاة)؟" وإلا فينصح على انفراد وبالسر وبالحسنى وبالأسلوب الحسن، وليتذكر بأن الله أرسل نبيه موسى وأخاه هارون، أفضل من أفضل الناس اليوم، إلى فرعون، أشر من أشر الناس اليوم، ومع ذلك أمرهما فقال: ) فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(، (طه، الآية: 44). ولنتذكر نصح الإمام الشافعي في هذا الصدد:

تغمدني بنصحك في انفرادي * وجنبني النصيحة في الجماعة،
فإن النصح بين الناس نوع * من التوبيخ لا أرضى استماعه،
وإن خالفتني وعصيت قولي * فلا تجزع إذا لم تعط طاعة.


ننتبه فهناك نوادر أو استثناءات!

وهناك نوادر، والنوادر ليس لها معتبر ولا لها حكم في الإسلام بمعنى أنه من المتوقع من أعرابي أن يخالف هذه الضوابط الشرعية كالذي قام للفاروق بالسيف، فحمد الله الفاروق على ذلك، البتة آخذاً إياه على قدر عقله، وكالأعرابي الذي بال في المسجد فلم يوبخه نبينا – صلى الله عليه وسلم – ولم ينهره، إنما نصحه بالحسنى، وعليه، لا يقال أنه يجوز لمن مثلنا أن يفعل مثل ذاك الأعرابي أو الأخير، وفعلهما ليس بحجة ولا مما يقتدى به عند أهل السنة والجماعة.

أيها الشباب، فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتذكّر ما قاله الله له: )وَذكّرْ إنّمَا أنْتَ مُذَكّر لست عليهم بمسيطر(، وقال: )وماَ أرْسَلْنَاك عَلَيهِم حَفِيْظاً(، إن استجيب لك فنعم المراد والمطلب، وإلا فبرئت ذمتك بإذن الله القائل: )قل أطيعوا الله َوأطيعوا الرسولَ، فإن تولّوا فإنّما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم، وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسولِ إلاّ البلاغ المبين(،(النور، الآية: 54). وأخيراً وليس آخراً، يقول الله تعالى: )إنما يتقبل الله من المتقين(، (سورة المائدة، الآية: 27). هدى الله الجميع إلى ما يحب ويرضى ووفق الجميع إلى البر والتقوى، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.



شق من خطبة الجمعة 4 شعبان 1428هـ - 17/8/2007
ألقاها مؤلفها د. هاشم الرفاعي، بمسجد سلمان الفارسي، برأس الخيمة، بعنوان:
" الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"
فرّغها من شريط تسجيل بعلم وتحقيق المؤلف فاعل خير، يريد المنفعة للغير