المختصر/

الرياض / أصبح الحديث عن هيمنة الإدارة الأمريكية وطغيانها واحتقارها لإرادة الشعوب واعتسافها الشرعية الدولية لتحقيق طموحات الصهاينة وامتداد حلمهم من النيل إلى الفرات وتجسيده على أرض الواقع.. أصبح هذا الحديث مملاً كما هي خطابات الرئيس الأمريكي الأسبوعية التي تتكرر فيها العبارات نفسها حتى ليخال من يستمع إليها أن السلام والأمن يرفرفان في شوارع أفغانستان وطرقات العراق!! وليس العكس..
ومن قرأ مقالة نعوم تشومسكي عن استراتيجية التخويف واللعب على سلم قيم الشعب الأمريكي واستفزاز تلاحمه للحفاظ على أمريكا من أسلحة صدام حسين النووية!! سيجد الكثير مما يضاف إلى أجندة التلاعب بمصائر الشعوب تحقيقاً لنبوءة صهيونية.. ومن يساوي بين القتل اليومي للعراقيين وسابقاً للأفغانيين وبين نزهة صغيرة يتسلى فيها جندي أمريكي سيق من ولايته حيث كان آمناً هناك، موعوداً بورود تستقبله وفوجئ بالحرائق والصواريخ الآر بي جي تسحقه في مدمرته أو في ثكنته العسكرية فانثنى (باكياً) صارخاً تصور دموعه كاميرات المصورين الصحفيين الذين لم تحصدهم قنابل (حرية الرأي) الأمريكية التي تولدت من أجندة العولمة الإعلامية الجديدة!!
أصبح الحديث عن هذا الخنوع يلف بعض أنظمتنا الإسلامية وهي ترى هيمنة هذه الإدارة تعيث فساداً في منهاج حياتها وتطارد شعوبها وتغتال حرياتهم وتسهم في تمديد الذراع الصهيونية لتقتل وتعتدي في فلسطين وتسرق تراث الشعب العراقي وتصدر إليه السموم في الأغذية التي أصبحت أسواق العراق تمتلئ بها!!
أصبح هذا الحديث ألماً في الخاصرة كما هو رماد في العيون.. ولكن ما يهم هو ما الذي يحدث للشعب في أفغانستان وفي العراق؟ النساء والأطفال وليس فقط الرجال الذين يناضلون ويرفضون الاحتلال في مختلف صوره..
آخر ما نشر عن أفغانستان بعد حرب التحرير!! أن العديد من الصحف والقنوات المسموعة والمرئية الغربية!! وليس (العربية) تساءلت عن (هوية الأفغانيات) بعد احتلال القوات الأمريكية وتغييرها لنظام الحكم.. ذلك أن (حرية هؤلاء الأفغانيات) من القضايا التي اتكأت عليها الإدارة الأمريكية في حربها الشرسة على أفغانستان.
صحيفة الجارديان نشرت تحت عنوان (السجن والضرب والانتهاك.. هل هذه حرية المرأة الأفغانية)!! ونشر ما يوضح أن الشوارع الأفغانية تبدو خالية من النساء إلا القليل النادر على الرغم من أن النساء سابقاً كن يتحركن ويخرجن لقضاء حوائجهن.. وتساءلت الصحيفة عن السر وراء هذا الاختفاء للأفغانيات من الشوارع؟
وكانت الإجابة أن الخروج إلى الطريق يمثل تهديداً حقيقياً للنساء كما تقول إحدى الأفغانيات: في الخارج هناك عصي الجنود وهناك الخطف والاغتصاب.. وقد التقت الصحيفة بالعديد من الأفغانيات ليكشفن جميعاً عن حقائق مذهلة وهي أن عشرات النساء يقبعن في السجون بذنب أو بغير ذنب، وأن أخريات قد تعرضن للضرب والإهانة والانتهاك على يد رجال المليشيات!!
ولم تستطع (المسؤولة الأمريكية) بقسم المجتمع المدني الأفغاني سارا تشايس!! أن تنكر الواقع المر الذي تعيشه النساء هناك.. فقد اعترفت قائلة: لقد قلنا للنساء إذا كنتن تردن حقوقكن فعليكن أن تبادرن وتأخذنها!! وتضيف: إن المجتمع الأفغاني لا يقف مع النساء!! نعم إذا لم تكن المرأة ذات عائلة قوية تدافع عنها فهي معرضة لمخاطر كثيرة.
هكذا.. وبسهولة تم التفريط بحرية هؤلاء النساء وأصبحن هن المسؤولات عن تأمين حياتهن أمام جنود الميليشيات!! تأملوا معي التبرير بأن المرأة إن لم تكن لديها عائلة قوية (تدافع عنها)!! إذن أين صدى صرخات لورا بوش عند دخول الجيوش الأمريكية وانسجاب طالبان وفرحتها وترديدها: (لقد عانت نساء أفغانستان إلا أن التحرير الأمريكي أنهى سجنهن)!!
وقارنوا هذه العبارة مع ما ذكرته الأمريكية الأخرى سارا تشايس واعترافها بأنهن أي المسؤولات الأمريكيات حمّلن هؤلاء الأفغانيات (مسؤولية) أخذ الحقوق بأنفسهن.. ولا نعرف كيف يمكن لهؤلاء الأفغانيات أخذ حقوقهن من رجال الميليشيات حيث الحديث للرصاص أو الاعتقال أو الضرب أو انتهاك الأعراض؟!
أين دور السلطة الحاكمة التي يفترض أن تحقق الأمن النفسي والاجتماعي للنساء وللأطفال الذين هم في الوجه الآخر من المأساة يتم خطفهم وتهريبهم إلى الدول المجاورة لأفغانستان وقد أعرب صندوق الأمم المتحدة (اليونيسيف) مؤخراً عن قلقه تجاه هذه الظاهرة الخطيرة التي تعتبر (انتهاكاً) لحقوق الأطفال.. وطالبت (اليونيسيف) الحكومة الأفغانية بتوقيع أشد العقوبة على المشاركين في هذه العمليات الإجرامية في حق هؤلاء الأطفال..
هذه أفغانستان التي تقول الإدارة الأمريكية إنها تنعم بالتعليم والأمن وإن النساء يمارسن حياتهن ويتمتعن بحريتهن!!
أما ما يحدث في العراق وفي فلسطين المحتلة يومياً فتلك قمة المآسي.. ولكنها في عيون صقور البيت الأبيض (حرية وتحرير).. ويبدو أن هذه المفاهيم تحمل المعنى الآخر المبطن في سياق مفهوم (الحرب الاستباقية) فالحرية هي حرية اختيار الموت!! والتحرر من الحياة ومن الأمن..

اتكاءة الحرف:
لغة القوة دائماً صاخبة.. تفقد الضعفاء البصيرة ولكنها تصطدم دائماً بالحقائق على أرض الواقع.. ولو بعد حين..