قصه اعجبتني فأحببت ان انقلها لكم :

******************
اسمع لهذا الموقف العجيب في إقامة شعائر الدين و الفطنة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي وقع أيام الخليفة المعتضد بالله العباسي سنة 281 هجرية

فقد ذكر القاضي أبو الحسن الهاشمي أن شيخا من التجار ببغداد قال كان لي على بعض الأمراء مال كثير فماطلني و منعني حقي و جعل كلما جئت أطالبة يمنعني و أمر غلمانه يؤذونني فاشتكيت إلى الوزير فلم يفد ذلك شيئا و إلى أولياء الأمر من الدولة فلم يقطعوا منه شيئا و ما زاده ذلك إلا منعا و جحودا، فآيست من المال الذي عليه و دخلني هم من جهته، فبينما أنا كذلك و أنا حائر إلى من أشتكي إذ قال لي رجل ألا تأتي فلانا الخياط إمام مسجد هناك فقلت و ما عسى أن يصنع خياط مع هذا الظالم و أعيان الدولة لم يقطعوا فيه؟

قال لي: هو أقطع و أخوف عنده من جميع من اشتكيت إليه؛ فذهب إليه التاجر فقام معه هذا الخياط و ذهبا إلى الأمير فعندما رآه الأمير قام إليه و احترمه و أكرمه،

فقال له: الخياط ادفع إلى هذا الرجل حقه و إلا أذنت، فتغير لون الأمير و دفع إلى التاجر حقه فورا.

قال التاجر: فعجبت من ذلك الخياط مع رثاثة حاله و ضعف بنيته كيف انطاع ذلك الأمير له فسألته عن خبره.

فقال: إن سبب ذلك أنه كان عندنا في جوارنا أمير تركي من أعالي الدولة و هو شاب حسن فمرت به ذات يوم امرأة حسناء قد خرجت من الحمام فقام إليها و هو سكران فتعلق بها يريدها عن نفسه ليدخلها منزله و هى تصرخ و تصيح يا مسلمين أنا امرأة مسلمة و هذا رجل يريدني على نفسي و يدخلني منزله و قد حلف زوجي بالطلاق ألا أبيت خارج البيت.

فقال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه و أردت خلاص المرأة من يديه فضربني بدبوس في يده فشج رأسي و غلب المرأة على نفسها و أدخلها منزله قهرا فرجعت أنا فغسلت الدم عني و عصبت رأسي وصليت بالناس العشاء، ثم قلت: للجماعة إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه و نخلص المرأة منه فقام الناس معي فهجمنا على داره فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي و الدبابيس يضربون الناس بقسوة و قصدني هو من بينهم فضربني ضربا شديدا مبرحا حتى أدماني و أخرجنا من منزله و نحن في غاية الإهانة فرجعت إلى منزلي و أنا أكاد لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع و كثرة الدماء فنمت على فراشي فلم يأخذني نوم و تحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ المرأة من يده في الليل لترجع فتبيت في منزلها حتى لا يقع عليها يمين الطلاق فألهمت أن أؤذن الصبح في أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها من منزله فتذهب إلى منزل زوجها فصعدت المنارة ثم أذنت وأنا أنظر إلى باب داره، هل تخرج المرأة أم لا؟ و بينما أنا كذلك إذ امتلأت الطريق فرسانا و رجالة و هم يقولون أين الذي أذن هذه الساعة؟ فقلت ها أنا ذا، و أنا أظن أنهم يعينوني على هذا الأمير الفاسق، فقالوا: أنزل، فنزلت، فقالوا: أجب أمير المؤمنين، فأخذوني و ذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا

حتى أدخلوني عليه، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف وفزعت فزعا شديدا، فقال: ادن، فدنوت، فقال لي ليسكن روعك ويهدأ قلبك، و ما زال يلاطفني حتى اطمأننت و ذهب خوفي، فقال: أنت الذي أذنت هذه الساعة؟

قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال ما حملك على أن أذنت هذه الساعة و قد بقي من الليل أكثر مما مضى منه؟ فتغر بذلك الصائم و المسافر و المصلي وغيرهم؟

فقلت: أيؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟

فقال: أنت آمن، فذكرت له القصة فغضب غضبا ً شديدا ً و أمر بإحضار ذلك الأمير و المرأة من ساعته على أي حالة كانا، فأحضرا سريعا، فبعث بالمرأة إلى زوجها مع نسوة من جهته ثقات و معهن ثقة من جهته أيضا، و أمره أن يأمر زوجها بالعفو و الصفح عنها و الإحسان إليها فإنها مكرهة و معذورة، ثم أقبل على ذلك الشاب الأمير فقال له: كم لك من الرزق؟ و كم عندك من المال؟ و كم عندك من الجوار و الزوجات؟

فذكر له شيئا كثيرا، فقال له: ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله وتعديت حدوده وتجرأت على السلطان وما كفاك ذلك أيضا حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته؟ فلم يكن له جواب، فأمر به فجعل في رجله قيد وفي عنقه غل، ثم أمر به فأدخل في جوال ثم أمر به فضرب بالدبابيس ضربا شديدا،

قال الخياط: حتى خفت، ثم أمر به فألقي فكان ذلك أخر العهد به، ثم أمر بدرا صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الحواصل و الأموال التي كان يتناولها من بيت المال،

ثم قال للخياط الصالح: كلما رأيت منكرا حقيرا كان أو كبيرا ولو على هذا وأشار إلى صاحب الشرطة فأعلمني؛ فإن اتفق اجتماعك بي وإلا فعلامة ما بيني وبينك الأذان، فأذن في أي وقت كان، أو في مثل وقتك هذا.

قال الخياط للتاجر الذي كان يسأله عن خبره في أول الكلام: فلهذا لا آمر أحدا من هؤلاء الدولة بشيء إلا امتثلوه ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه خوفا من المعتضد، وما احتجت أن أؤذن في مثل هذه الساعة إلى الآن ....

**************************************

فهل بيننا الآن من يقوم فيؤذن ؟ أم ان ذلك لا ينفع الا مع الخلفاء ؟