السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيد الرسل والأنبياء سيدنا محمد بن عبدالله وآله وصحبه والتابعين.

أما بعد...

الأنظمة الأمنية للتعرف على الوجه

مقدمة:
--------
معظمنا يتابع المسلسلات البوليسية الأمريكية ، وكثيرا من حلقات هذه المسلسلات تظهر في غرف العمليات الخاصة بالمراقبة.
تستخدم إدارة المراقبة برامجا خاصة للتعرف على الوجوه، فعن طريق الكاميرات الموزعة في أماكن تكثر فيها الجريمة، تجد هذا البرنامج يراقب وجوه الماره وإذا ما صادف مطلوبا أمنيا يقوم على الفور بالتعرف عليه وبنسبة قد تصل إلى تطابق كامل 100%. طبعا هذا ما نراه في المسلسلات، فهل هو مطابق للواقع؟

بالتأكيد يختلف كليا فمجرد استخدام المطلوبين ومرتكبي الجرائم تلك الأقنعة الشفافة التي قد تغير من ملامح الوجه بسبب الشد الواقع عليها قد ينسف كل محاولات مثل هذه البرامج بالتعرف على هؤلاء المطلوبين.


ولكن يبقى لها دور مساعد نوعا ما في الحفاظ على أمن بعض أماكن التجمعات كالمطارات والموانئ والأسواق التجارية وغيرها، إلا أنها أثبتت عدم دقتها بالقدر الذي كان متوقعا منها ، ففي أحد مطارات مدينة بوسطن الأمريكية تم تركيب هذا النظام على نقاط التفتيش أملا من المسؤولين بتخفيف العبئ على موظفي الأمن في تلك النقاط ولكن خلال مدة ثلاثة شهور من التجربة أثبت هذا النظام فشله حيث تم تقدير دقته بحدود 61.4 بالمئة طبقا لتقرير مركز المعلومات السرية الإلكتروني (Electronic Privacy Information Center ) ، الأمر الذي حدا بالمسؤولين الأمنين في المطار للبحث عن بدائل أخرى.

سأحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على نشأة هذه البرامج وما هية التحسينات التي سيتم إضافتها على هذه البرامج لتحسين أدائها ، وسأحاول أيضا إلقاء الضوء على خطط الحكومات والشركات الخاصة في كيفية الإفادة منها.


يعود تاريخ برامج التعرف على الوجه إلى منتصف الستينيات حيث بدأ بعض المطورين طريقهم الشاق نحو تطوير هذه البرامج وقد قطعوا بالفعل شوطا كبيرا نحو الاقتراب من تحقيق هدفهم.
تستطيع هذه البرامج إلتقاط صورة الوجه من بين الحشود ثم مقارنته مع مجموعة من الصور تكون مخزنة في قاعدة بيانات خاصة به، وحتى تتمكن مثل هذه البرامج من إتمام عملها فلابد لها من آلية تمكنها من التمييز بين الجزء الذي يمثل الوجه وبين الأجزاء الأخرى في خلفية الصورة وهذا تحديدا هو أساس قدرة هذه البرامج في مدى النجاح الذي ستحققه في العملية المطلوبة منها، فكلما كان البرنامج أكثر دقة في تمييزه بين حدود الوجه الأساسي في أي صوره وبين باقي أجزاء الصورة كان أقرب للنجاح في عملية المقارنة مع الصور الموجودة في قاعدة بياناته.
ثم يلي ذلك مرحلة قياس المميزات المختلفة للوجه ، ويعتمد نجاح البرنامج في أداء مهمته على مدى قدرته في دقة تنفيذ هاتين العمليتين.

بالتأكيد كل وجه له معالم خاصة تميزه عن غيره من الوجوه الأخرى، فالتضاريس تختلف من وجه لآخر بناءا على مواقع الأماكن البارزة وتلك الغائره في الوجه ، وهذه البروزات والانبعاجات في وجه ما تختلف مواقعها بين وجه وآخر مما يخلق ميزة لكل وجه عن سواه من الوجوه. لقد قام العلماء بتقسيم الوجه إلى ثمانين نقطة عقدية تشكل في مجموعها مواقع هذه البروزات والانبعاجات وهي ما يسميه مطورو هذه البرامج بالـ FaceIt ولهذا فالـ FaceIt تختلف من وجه لآخر، بالطبع هناك برامج مهمتها قياس أبعاد النقاط العقدية هذه ، ومن النقاط العقدية تمثل مجموعة من القياسات منها :
- المسافة بين العينين
- عرض الأنف
- عمق تجويف العين
- شكل عظام الخدين
- طول خط الفك
هذه النقاط العقدية تقيس شكل الوجه وهي مخزنة في قاعدة البيانات الخاصة بالبرنامج وتمثل برموز عددية يطلق عليها بصمة الوجه أو FacePrint وهذه الأخيره تمثل الوجه.


في الماضي كانت برامج التعرف على الوجوه تعتمد على الصور ثنائية البعد لمقارنتها بصورة أخرى ثنائية البعد في قاعدة بيانات البرنامج، وهذا بالطبع يتطلب مواجهة الوجه للكامرا وبأقصى زاوية ميلان قدرها 35 درجة فقط أثناء تصويره، وكانت تتطلب كذلك شدة إضاءة محددة، وكون مسألة تصوير المشتبه ليست محكومة بسبب أن هذه الكاميرات تراقب جمعا غفيرا من الناس في الاماكن العامة ومن زاوية محدده، وهذا يسبب صعوبة إلتقاط صور بوضعية المواجهة للمشتبهين، وبالتالي فشل هذه البرامج في الوصول للهدف والغاية المنشودين.

التعرف ثلاثي البعد على الوجوه:
حديثا ظهرت البرامج التي توفر مبدأ التعرف ثلاثي البعد على الوجوه ، هذه البرامج تدعي أنها توفر دقة أكبر في التعرف على الوجوه، فبعض خصائص الوجه المميزة من الصعب أن تتغير مع مرور الزمن مثل عظم الخدين أو المسافة بين العينين أو حتى الشكل العام للفك، حيث تقوم كاميرات هذه البرامج بالتقاط صور ثلاثية متحركة للمشتبه بهم وتقوم بحساب النقاط العنقودية التي تشكل بصمة الوجه وتقارنها بقاعدة البيانات التي تمتلكها، هذه التقنية (التعرف الثلاثي) استطاعت تجاوز سلبيات التقنية ثنائية البعد. فليس مهما مواجهة المشتبه به للكامرا فهي تستطيع التمييز حتى وإن كان بزاوية 90 درجة، ثم أن الدور السلبي الذي كانت يلعبه الضوء قد تلاشى حيث أن الظل لم يعد يؤثر في قدرة البرامج الثلاثية التعرف بل أنها تستطيع التمييز بالتصوير الليلي أو حتى بالأشعة تحت الحمراء


وحتى يتمكن البرنامج ثلاثي البعد من تحقيق مهمته في مطابقة صوره لشخص ما مع أحد الصور في قاعدة بياناته فهو يمر بسلسلة من المراحل:

** مرحلة الكشف:
وهذه تتم إما عن طريق مسح صوره ثنائية البعد أو باستخدام صور فيديو ثلاثية البعد.

** مرحلةالمحاذاة:
بعد تمام عملية الكشف تبدأ مرحلة جديده وهي تحديد الملامح الرئيسية المميزة من حجم الرأس ووضعيته وبالطبع تعتمد المسألة على الصورة كانت ثنائية أم ثلاثية.


** مرحلة تحديد الملامح:
هنا يبدأ البرنامج بأخذ القياسات لمنحنيات الوجه وتكوين قالب له.

** مرحلة التمثيل:
وهنا يقوم البرنامج بتحويل هذا القالب إلى مجموعة من الرموز المميزة ، بحيث يككون لكل وجه مجموعة رموز لا تتكرر مع وجوه أخرى.

** مرحلة المطابقة:
في هذه المرحلة إذا كانت الصورة ثلاثية البعد فلا يحتاج البرنامج لإجراء أي تعديل ولكن التحدي الحقيقي لهذه البرامج هو كون المقارنة تتم مع صور ما زالت ثنائية البعد في قواعد بياناتها، هنا سيطر البرنامج لإجراء عملية لوغارتمية معقدة في محاولة من البرنامج لتحويل الصورة ثنائية البعد من قاعدة بياناته حتى يتمكن من مقارنتها مع العينة ثلاثية البعد من صورة المشتبه به الملتقطة، وهنا تحديدا قد تظهر إنخفاض نسبة الدقة لدى البرنامج.

** مرحلة التحقق أو التعرف:
هنا لابد من حدوث عملية مطابقة بين صورة المشتبه وصورة واحدة فقط من قاعدة بياناته حتى يعتبر التطابق ناجحا ، أي تطابق صورة لصورة. وفي حالة حدوث تطابق بين صورة المشتبه مع أكثر من صورة في قاعدة البيانات تكون النتيجة سلبية وعدم تعرف البرنامج على المشتبه ، وهي نفس النتيجة حين لا يجد مطابقة من الأساس مع أي من صور قاعدة بياناته.

ماذا عن تأثير قوام جلد الوجه في الوصول إلى عملية المطابقة؟
------------------------------------------------------------------
تحليل القوام السطحي:

قد لا تكون الصورة في بعض الحالات كافية للتحقق من شخصية معينة ، هنا يبرز دور قوام الوجه ، وهي آلية جديدة ابتكرت لتأكيد التطابق والتحقق منه.


ويطلق على هذه العملية ( تحليل القوام السطحي) للوجه ، تتم هذه العملية بصورة مشابهة لعملية التعرف على الوجه سابقة الذكر ، حيث يقوم البرنامج بالتقاط صورة لرقة صغيرة من سطح الجلد تسمى ( بصمة الجلد ) ثم يقوم البرنامج بتجزئة هذه الصورة إلى قطاعات صغيرة جدا ويتعرف على خطوط المسامات المميزة للجلد ثم بمجموعة معقدة من العمليات الحسابية يحولها إلى أرقام يمكن عندها مقارنتها مع قاعدة بياناته. وتصل الدقة في عملية التفريق هذه بين أنواع الجلد إلى درجة قدرتها على التمييز بين التوائم، حيث قدر الخبراء أنه عند الجمع بين آلية ( التعرف على الوجه ) وبين نظام ( تحليل القوام السطحي ) يزيد من دقة البرامج هذه بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 25 %.

من سلبيات هذا النظام وبعض ما يؤثر في دقة أدائه :

1- وهج الضوء على النظارات أو وجود نظارات شمسية.
2- طول الشعر الذي قد يحجب مناطق مهمة في الوجه
3- سوء الإنارة بشكل كبير.
4- إذا كانت الصورة ملتقطة من مكان بعيد جدا لدرجة أن معالم الوجه غير واضحة.

الإستعمالات الحالية والمستقبلية لأنظمة الإعتراف الوجهية:

في السابق كانت استخدامات هذه البرامج تقتصر على الدوائر القانونية التي تبحث ضمن الحشود عن المشتبه بهم.
كما أن الكثير من الحكومات تستعمل مثل هذه البرامج في الطارات والمعابر الحدودية للتأكد من هوية الأشخاص الحاصلين على فيز دخول لبلادهم .
ولكنها اليوم أصبحت أكثر إنتشارا من ذي قبل وذلك بسبب انخفاض تكاليف إنتاج هذه البرامج فقد تجدها في البنوك أو الأسواق التجارية المركزية أو حتى في المرافق السياحية ومرافق الشركات الخاصة. ولا أستبعد تطبيقها كنظام حماية للمنازل مستقبلا.
ومن التطبيقات المحتملة في المستقبل القريب استخدامها للتحقق من هوية الأشخاص الذين يستعملون مكائن الصرف الآلية في البنوك كتأكيد إضافي على هوية الشخص الذي يقوم بعملية السحب النقدي.
وليس غريبا إن استطاعت هذه التقنية أن تحل محل الهويات الشخصية في المستقبل فلا حاجة لوجود هوية ذات صورة شخصية طالما أن هذه البرامج قادرة على التحقق 100% من الشخصية، الأمر الذي قد يمنع حدوث عمليات احتيال باستخدام بطاقات إلكترونية مسروقة أو مزورة.
ولكن يبقى لكل تقنية جديدة معارضيها ، فالحرية الشخصية وانتهاك الخصوصيات يبرز دوما عند الحديث عن المراقبة الأمنية.
ثم هناك مشكلة الاحتيال فبعد كل هذا التطور قد تظهر شركات احتيال خاصة قد تستطيع التوغل إلى قواعد البيانات وهنا يكون ضعف هذه البرامج حتى لو أتقنت صناعتها بنسبة 100%.

أتمنى أن أكون قد وفقت في تقديم نظره سريعة حول هذه التقنية.

وتقبلوا خالص التحية.
أبو محمود

_________________________________________
يسمح بالنقل بشرط ذكر عرب هاردويير كمصدر للمقال.
---------------------------------------------------------