الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد:
فمن البديهيّ أنّ كل من أرد الدخول في مشروعٍ تجاري أعد له ما يسمي دراسة جدوي، وأكبر مشروعٍ في حياةِ المسلم كلها هو المشروعُ الذي يتاجرُ فيه تجارةً من نوعٍ خاص ، إنها التجارةُ مع الله عز وجل، وأعظمُ مواسمِ هذه التجارة هو شهر رمضان المبارك، فهل أعددت لهذا الأمر عُدته ، وهل عمِلت دراسة جدوي للكيفيةِ الصحيحةِ للفوزِ برمضان.

لن أطيل عليكَ يا أخي بذكرِ الأحاديثِ الواردة في فضل رمضان فأنت ولا شكّ علي علمٍ بها ، ولكن حسبي أن أعلمك أن رمضان فرصة من فوتها ندمَ حين لا ينفع الندم ، وإذا كان شعارُ أهل الدنيا ( الحياة فُرص) والموفقُ فيهم هو من يلعبُ بالبيضةِ والحجرِ زعموا، فأهلُ الآخرةِ كذلك لسانُ حالهم ( الحياةُ فُرص ) ، لكنها فرصٌ لا تُستغلُ إلا في طاعةِ الله وطلبِ مرضاته، فاحذر أخي من تفويتِ هذه الفرصة.
فالعاجزُ الرأيِّ مِضياعٌ لفرصتهِ ***** حتي إذا فاتَ أمرٌ عاتبَ القدرا

أخي الحبيب :
إذا كانت كتائبُ الصدِّ عن سبيلِ الله ، وجيوشُ شياطين الإنس التي لا تصفد في رمضان، قد أعدت دراسة الجدوي لإضلال المسلمين ، والميلِ بهم عن الصراط المستقيم ، فمالي أراكَ ساكناً لا تتحرك، ألا فانفُض عنكَ غُبارَ النوم ، وشمر عن ساقِ الجد ، وامتطي راحلة العزم، وليكن لسانُ حالِك { وعجلتُ إليكَ ربي لترضي }.
أخي الحبيب :
هذه إشارةٌ إلي الخطوط العريضة لدراسةِ الجدوي ، وواجبك أن تُقسّم هذه الأعمال التي سأشيرُ إليها علي أيامِ وليالِ الشهر ، بحيثُ يكون لكلِ يومٍ منها نصيب ، واحرص علي أن لا يدب إلي قلبكَ الفتور فتنقطع في وسط الطريق ، فما رمضانُ إلا كما وصفه ربه { أياماً معدودات }.
1- الصيام مع الاحتساب دون تَضجرٍ أو استثقال.
2- القيامُ بالشرطِ المذكور، واحرص علي أن لا تُفوّتَ قيامَ ليلةٍ منه ، ففي الحديث ( من قامَ رمضان إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدمَ من ذنبه)، ولا تنصرف إلا بعد انصرافِ الإمام ، فإن أوترتَ معه وأردت أن تُصليِ بعدُ فلا توتر مرةً أخري، وإن شئت شفعت وترَ إمامك وجعلتَ آخر صلاتك بالليلِ وترا.
3- قراءة القرآن فرمضانُ شهرٌ لصيقُ الصلة بالقرآن ، فأكثر من قراءته ما وجدتَ إلي ذلك سبيلا، { شهرُ رمضانَ الذي أُنزلَ فيه القرآن } ، ولا تُضيعْ شيئاً من وقتكَ سديً ، بل اقرأ بين الآذانِ والإقامة ، وفي المواصلات ، وفي الطريقِ إن استطعت، وعلي فراشكَ وأنت تستدعي النوم، فكثيرةٌ هي نثرياتُ الأوقات التي نفقدها ولا نحسُ بقيمتها.
4- الجودُ والصدقة وتفطيرُ الصُّوّام فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجودُ ما يكونُ في رمضان حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن.
5- الدعوةُ إلي اللهِ عز وجل فإن الناسَ يكونون في رمضان مُنشرحي الصدور، مهيئين لقبولِ الحق ، فلا تبخل عليهم بكلمةٍ تزرعها في قلوبهم عساها تُنبت يوماً ما فتؤتي أُكلها بإذن ربها.
6- الدعاء لنفسكَ ولعمومِ المسلمين بخيرِ الدنيا والآخرة ، فمن الثلاثة اللذين لا تُردُ دعوتهم دعوةُ الصائم.
7- الزهدُ في الدنيا فرمضانُ شهرُ التقللِ من الشهوات، والعزوفِ عن الملذات، فقبيحٌ كل القبح أن تتضاعف ميزانيات البُيوت في رمضان.
8- الحلم والصفح والتجاوزُ عن المسيء ولقد عكسَ الناسُ الأمر فجعلوا رمضان شهر شدة الغضب، والتمادي في الإيذاء باليدِ واللسان، والحجة التي بها يعتذرون ، وعليها يعوّلون أنهم صائمون، فأين هم من قولِ النبي صلي الله عليه وسلم ( فإن سابّه أحدٌ أو شاتمه فليقل إني صائم).
9- العمرةُ إن استطعت فهي في رمضانَ تعدلُ حجة مع النبي صلي الله عليه وسلم .
10- الاعتكافُ في العشرِ الأواخر طلباً لليلةِ القدر، فهي سنته التي واظب عليها صلي الله عليه وسلم .
11- التوبةُ النصوح مما أنتَ مقيمٌ عليه من الذنوب ، فالمدخنُ يسهلُ عليه جداً تركُ التدخينِ في رمضان ، وعلي ذلك فقس، وأنت أدري بذنبك فأهلُ مكةَ أدري بشعابها ، فاجتهد في رأب الصدع ، ورتق الفتق ، وإصلاحِ الفاسد ، وتقويمِ الشارد ، وإياكَ أن تقعَ فريسةً لوسائلِ الإفساد بزعم أنك تسلي صيامك، وإنما أنت بذلك تُضيع صيامك.
وبالجملة فكلُ أبواب الخير مفتوحةٌ في رمضان والأجرُ عليها مضاعف ، فاحرص علي ولوجِ ما استطعت منه، فالسعيدُ من وُفقَ لاغتنامِ مواسم الأيامِ والشهورِ والساعات، وتقرّبَ فيها إلي مولاهُ بصنوفِ الطاعات، لعله أن تصيبه نفحةٌ من النفحات ، فيأمنَ بها من النارِ وما فيها من اللفحات.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم في رمضان من المقبولين وصلي الله علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم .
أملاه علي.فضيلة الشيخ/محمود مداد