ألعاب وصل نجاحها عنان السماء .. ألعاب لم يصدر منها نسخة واحدة ولا اثنين، بل سلاسل كاملة، ألعاب عريقة تمتد جذورها في أعماق التاريخ، ألعاب أحببناها جميعا ولها ملايين المعجبين، ألعاب مفضلة لدي قطاع عريض .. ورغم كل ذلك، هي ألعاب تموت، أو هي ميتة بالفعل!! وبسهولة شديدة أيضا وبلا مقدمات حقيقية! مالذي يحدث؟ كيف يستوي النجاح مع الموت والاضمحلال، كيف صار هذا حال صناعة الألعاب؟!

لا تصدقنا؟ اذن خبرني، أين ذهبت هذه الألعاب؟

سلسلة StarCraft:

هي ربما أشهر لعبة تخطيط استراتيجي في التاريخ، هي معشوقة الملايين، هي اللعبة الاستراتيجية الوحيدة التي دخلت المنافسات الرياضية العالمية، والتي تقام لها المنافسات السنوية في جميع أنحاء العالم، الي درجات أن مبارياتها تذاع علي البث البصري التلفزيوني الرسمي في كوريا الجنوبية!

اللعبة من إنتاج شركة Blizzard ولقد صدر الجزء الأول منهاعام 1998، وتدور أحداثه في عالم خيالي مستقبلي، يمتلأ بمعارك جنود الأرض مع مخلوقات فضائية علي كواكب مجهولة .. وحقق الجزء نجاحا خارقا، بسبب تمكينه اللاعبين من سهولة التحكم المطلقة في الجيوش، وبسبب تنوع التكتيكات والاستراتيجيات التي يمكن للاعب استغلالها لتحقيق الفوز علي خصمه، وفضلا عن هذا كانت قصة اللعبة عميقة وجذابة ومثيرة للاهتمام بشدة، بشخصيات قوية و مؤثرة، الي حد أنها اجتذبت ملايين المتابعين الذين أصبحوا يتعقبون أخبارها في لهفة، ويتشوقون لمعرفة مصير شخصيات اللعبة المحببة الي قلوبهم.

تدور فكرة اللعبة في فلك نمط لعب: اجمع الموارد، احشد الجيوش، حطم خصمك .. فاللاعب يكون دوما مشغولا بهذه الثلاثة محاور، فهو يحتاج الي التوسع في خريطة اللعب ليجمع موارد ومواد خام يبني بها جيشه، ثم أنه يحتاج الي بناء جيشه كي يسمح لنفسه بالتوسع لأراضي جديدة دون أن يتعرض للانسحاق من جيوش الخصم، ثم يحتاج الي بناء جيش أكبر ليهاجم خصمه، ثم يحتاج الي اختيار استراتيجية مناسبة للهجوم علي خصمه والتغلب علي دفاعاته دون خسائر كبيرة!

ولقد احتوت اللعبة علي ثلاثة جيوش، مثلت أجناس مختلفة من الكائنات الفضائية: البشر، والوحوش، والبروتوس (وهم جنس فضائي متقدم التقنيات)، وكل جيش كانت له مزاياه وعيوبه وقدراته القتالية الخاصة، فالبشر يعتمدون علي الآلات الضخمة (كالعمالقة الآليين)، والدبابات المدرعة الضخمة، والطائرات وسفن الفضاء الكبيرة، أما الوحوش فيعتمدون علي المخلوقات الخيالية البشعة كالتنانين والوحوش الضخمة مثل أفيال الماموث والعناكب المفترسة وكل ما تفتق عنه خيال البشر من أصناف مفزعة! وأخيرا فإن البروتوس يعتمدون علي تقنيات الطاقة والانتقال الآني والقدرات الخارقة لمقاتلينهم.

لكن ما ميز StarCraft عن الألعاب التخطيطة الأخري كانت هي الاحكام الدقيق للغاية لتوازن الوحدات القتالية ضد بعضها، فكل نوع من الوحدات له نوع آخر مضاد له يستطيع التصدي له بكفاءة، وله نوع آخر يستطيع التفوق عليه في يسر. وهو الأمر الذي يضع كل لاعب علي أهبة الاستعداد لمواجهة خصمه باستراتيجية مضادة له وتغيير التكتيك باستمرار للتغلب علي الخصم، هل يعتمد خصمك علي القوات الجوية بالأساس؟ اذن فقد حان الأوان لتواجهه بمضادات الطائرات بالأساس، مع مزيج من الوحدات الأرضية التي تصمد أمام القوات الجوية .. هل يعتمد خصمك علي المدفعية الأرضية والدبابات الثقيلة؟ حسنا فلتواجهه بالوحدات السريعة الخفيفة التي تستطيع تغطية أراضي كثيرة بسرعة ..الخ. الأمر الذي يخلق جوا من الكر والفر في كل مواجهة بين الخصوم، والذي يضمن أن لا تكون كل مواجهة مكررة أو مماثلة لما قبلها.

كان علي اللاعب أيضا اختيار سبيل الهجوم علي خصمه، هل يتجنب المواجهة المباشرة ويعتمد علي التحرش بموارد الخصم واستنزافه ببطئ؟ أم يهجم علي القواعد العسكرية الرئيسية مباشرة ويسويها أرضا؟ أم هل يهجم علي جيش الخصم الرئيسي ويسحقه سحقا؟

جعلت كل هذه العوامل اللعبة ممتعة بحق، ومسلية للغاية في المشاهدة والمتابعة، لكن ما جعل StarCraft تصفو الي مكانة اللعبة المفضلة في المباريات العالمية هو اعتمادها علي مهارة الادارة الدقيقة Micro-Management للمعارك، ففي حين اعتمدت الألعاب الأخري علي مبدأ حشد الجيوش وحشرها في مواجهة بعضها البعض وفقط، اعتمدت StarCraft علي مبدأ المناورة بالواحدات القتالية وحدة وحدة، وعلي الكر والفر في أثناء الاشتباك، والدوران حول الخصم، واختراق صفوفه او تفريقها بضربات عسكرية مباشرة او غير مباشرة .. أوالتضحية ببعض الوحدات القتالية في مقابل تحقيق نصر بوحدات قتالية أخري، أو حماية بعض الوحدات بالدروع وأقواس الطاقة لامتصاص الضربات في حين تضرب وحدات أخري الأهداف، أو سحب الوحدات من ساحة قتال فجأة ووضعها في ساحة قتال جديدة بسرعة، أو وضع العقبات المؤقتة والدائمة في طريق جيش العدو حتي تمنع تدفق جيش الخصم من اتجاه معين .. أو اختيار ساحات قتال يكون لك فيها الأفضلية البصرية كأن تقاتل من فوق تلة أو منصة، أو تقاتل في ممرات ضيقة تمنحك الأفضلية العسكرية .. الي أخر الكثير من المناورات المتاحة.

لقد اعطت اللعبة الحرية للاعبين لفعل ما يشاؤن بجيشوهم، والقيام بمناورات مجنونة ومبدعة للفوز بالاشتباكات، مناورات تجعل المشاهد يصفق في حرارة من فرط الروعة والابتكار، وتحولت المعارك الكبري الي معارك صغري، يكون فيها النصر والهزيمة معا .. وهو الأمر الذي رفع اللعبة الي مكانتها التنافسية الفائقة!

ولقد نجحت اللعبة نجاحا ساحقا، وصالت وجالت في أرجاء العالم كله كأعظم وأفضل لعبة استراتيجية تنافسية في التاريخ، وقد دفع هذا النجاح شركة Blizzard الي أصدار حزمتين قصصيتين اضافيتين في عام 1998 نفسه. واحدة باسم StarCraft Brood Wars و الأخري باسم StarCraft Insurrection.

ولقد تنعمت Blizzard بنجاح اللعبة الكبير اثني عشر سنة كاملة قبل أن تقرر اصدار الجزء الجديد StarCraft 2 Wings Of Liberity  في عام 2010 .. وهو الجزء الذي انتظره الملايين في شوق شديد.

جاء الجزء الثاني من السلسلة برسوم رائعة، وبخطط وتكتيات جديدة ووحدات قتالية جديدة، وباستكمال بديع للقصة التي أصبحت ملحمية تماما بأحداث تغمسك في جو هذا العالم الخيالي غمسا، ومشاهد سينمائية مذهلة! وبعودة الشخصيات المفضلة للاعبين .. ولقد استقبل العالم هذا الجزء بذات الحماسة والحرارة التي استقبل بها الجزء الأول، وأصبحت اللعبة محط أنظار الجميع علي مدار الساعة، وحلت محل الجزء الأول في المباريات الرياضية، بل ووصلت شهرتها الي آفاق أكبر وأوسع من الجزء الأول، وفتحت الشركة حرية الابداع في هذا الجزء الي الحد الأقصي والي مستويات تفوق الجزء الأول.

وبفضل هذا النجاح المتكرر، أصدرت Blizzard إضافتين قصصيتين للعبة في عام 2013 و 2015 .. واحدة باسم  StarCraft 2 Heart Of The Swarm، وتركز علي قصة الوحوش، والأخري باسم StarCraft 2 Legacy Of The Void، وتركز علي قصة البروتوس، وقد لاقت الاضافتين ذات الاستحسان والقبول من مجتمع اللاعبين! خاصة وقد استمرت فيهم القصة بذات مستوي الملحمية والحماسة المعهودين من السلسلة.

لكن أخبار اللعبة انقطعت تماما خلال الخمسة أعوام الأخيرة، و نحن في عام 2020 ولا توجد أخبار عن جزء جديد يجري التحضير له، أو عن اضافات قصصية جديدة، رغم احتياج اللاعبين الشديد لجزء جديد يروي عطشهم لالعاب استراتيجية قوية، في ظل خواء السوق والصناعة من تلك النوعية من الألعاب، أو حتي يروي ظمأهم لاستكمال قصة اللعبة الرائعة، لقد مرت عشرة سنوات كاملة منذ اصدار الجزء الثاني، والصمت من قبل Blizzard غير مطمئن ولا مبشر.

لقد حاولت الشركة أن توسع من رقعة عالم اللعبة بالمزيد من الألعاب، التي كان من ضمنها لعبة مغامرات وتصويب من المنظور الثالث Third Person باسم StarCraft Ghost، الا أن Blizzard لم يعجبها هذا التوجه، وأغلقت المشروع قبل اكتماله، مشروع آخر استمرت فيه الشركة لفترة من الزمن، عن لعبة تصويب حربية من المنظور الأول تدور في عالم StarCraft، الا أن Blizzard أغلقت المشروع بعد عامين من العمل، وأغدقت كل مواردها علي لعبتي Diablo 4 و OverWatch 2.

كيف يمكن أن يحدث هذا مع سلسلة وصلت الي تلك المستويات غير المسبوقة من النجاح مثل StarCraft؟ كيف يمكن أن تكون اصداراتها بهذه القلة وبهذا الشح؟ كيف يمكن ان تلغي اصدارات جديدة لها لصالح سلاسل أخري؟ إن سلاسل الألعاب الأخري الأقل شهرة بكثير تحصل علي أضعاف عدد الاصدارات، وعلي أضعاف مضاعفة من التغطية والأخبار والتسريبات .. إن الأحري ببـ Blizzard أن تطمئن مجتمع اللاعبين علي مستقبل السلسلة، ولو حتي بإعلان مبكر مثلما فعلت مع Diablo 4 و OverWatch 2. فهل تفعل Blizzard ذلك، هل تنتشل السلسلة من براثن النسيان والموت السريري النابع من الاهمال؟ أم نردم التراب علي واحدة من أعرق سلاسل الألعاب في التاريخ؟ واحدة من سلاسل ألعابنا المفضة التي تموت؟