ألعاب وصل نجاحها عنان السماء .. ألعاب لم يصدر منها نسخة واحدة ولا اثنين، بل سلاسل كاملة، ألعاب عريقة تمتد جذورها في أعماق التاريخ، ألعاب أحببناها جميعا ولها ملايين المعجبين، ألعاب مفضلة لدي قطاع عريض .. ورغم كل ذلك، هي ألعاب تموت، أو هي ميتة بالفعل!! وبسهولة شديدة أيضا وبلا مقدمات حقيقية! مالذي يحدث؟ كيف يستوي النجاح مع الموت والاضمحلال، كيف صار هذا حال صناعة الألعاب؟!

لا تصدقنا؟ اذن خبرني، أين ذهبت هذه الألعاب؟

بدأت السلسلة أول ما بدأت في عالم خيالي بحت، يدور فيه صراع مرير بين قوتين عظميتين في الكرة الأرضية علي مادة خام نادرة تعرف باسم التيبريوم Tiberium، ويتقاتل فيه الطرفان باستخدام أسلحة مستقبلية خيالية، جاءت اللعبة بنظام تحكم سهل ومرن للغاية في ذلك الوقت، وبرسوم جميلة، وبقصة يتم تمثيلها بشكل حقيقي من خلال ممثلين حقيقيين، يغلب علي القصة طابع الفكاهة والمرح والسحنة الخفيفة. لاقت اللعبة استحسان النقاد واللاعبين فأصدرت EA لها حزمة قصصية Expansion Pack جديدة في عام 1996، باسم The Covert Operations ثم قررت الشركة جعلها سلسلة كاملة.

اعتمدت اللعبة حينها علي أسلوب الألعاب الاستراتيجية المعتاد، جمع الموارد، وبناء القواعد العسكرية ثم بناء الجيوش ثم حشد هذه الجيوش نحو العدو لهزيمته. لكن علي العكس من StarCraft لم يكن هناك الكثير من العمق الاستراتيجي في أسلوب اللعب.

باعت Red Alert 1 الكثير من النسخ. وتوسعت شهرتها كثيرا. فأصدرت EA حزمتين قصصيتين اضافيتين لها عام 1997، باسم Counter Strike و Aftermath.

لم تنتظر EA كثيرا فحولت المنظور القصصي من جديد الي عالم التيبريوم Tiberium في الاصدار الثالثة للسلسلة عام 1999، والتي صدرت بعنوان Tiberian Sun وانتهجت نفس أسلوب الألعاب السابقة الذي جعلها ناجحة .. فجاءت بمشاهد قصصية تمثيلية، وبذات منهاج اللعب الاستراتيجي، ولاقت اللعبة نجاحا كبيرا، فأصدرت EA كالعادة لها حزمة قصصية اضافية باسم Firestorm.

ومدفوعة بالنجاحات المتوالية للسلسلة، عادت EA من جديد لمنظور الحرب العالمية وامتداد Red Alert القصصي، في الاصدارة الرابعة بعنوان Red Alert 2  في عام 2000 بقصة جديدة جنونية وتحسينات في طريقة اللعب وعدد دول أكبر، كان منها ليبيا والعراق وسوريا .. ونجحت اللعبة نجاحا ساحقا، وتوسعت شهرتها الي مستويات غير مسبوقة، الي الحد الذي أجبر EA علي اصدار اضافة قصصية لها بسرعة باسم Yuri's Revenge.

وبسبب Red Alert 2 بالذات انتشر طور اللعب الجماعي للسلسلة في كل الآفاق .. فقد كانت اللعبة سهلة التحكم والتعلم .. ومثيرة للادمان كذلك .. بسبب تنوع الجيوش وتنوع الأسلحة التي يمكن اللعب بها، سواء في البر أو البحر أو الجو، كان للعبة طابع مميز ومحبب في مؤثراتها البصرية والصوتية ولقد ساعدها هذا بشدة في دخول قلوب اللاعبين الذي ما انفكوا يلعبنوها في جلسات لعب شبكي LAN games او علي الشبكة الدولية Online بأعداد ضخمة .. لقد نالت Red Alert 2 شرف تقديم الملايين من اللاعبين الجدد لأنماط الألعاب الاستراتيجية RTS games بشكل عام، وحتي اليوم يوجد المئات من اللاعبين الذين يلعبونها حتي بعد عشرات السنوات!

بعدها بفترة، حاولت EA تطعيم السلسلة ببعض التجديد، فبدلا من الالتزام بالنمط الاستراتيجي، قررت الشركة تقديم لعبة مغامرات من منظور الطرف الثالث Third Person .. باسم Renegade عام 2002، تدور أحداثها في عالم التيبريوم Tiberium، بنفس الشخصيات والاطار القصصي العام .. وبنفس الأسلحة، فيمكن للاعب قيادة الدبابات والسيارات واستخدام ذات الأسلحة الموجودة في الاصدارات الاستراتيجية .. بل وحتي ذات اسلوب اللعب أيضا، خصوصا في الطور الجماعي Multi-Player ..  فاللاعب ينتظر جمع الموارد ليشتري أسلحة ومركبات قوية يدك بها حصون العدو .. ويقود كل شئ بنفسه بالطبع، ويتولي مهمة قيادة الفريق الي هزيمة واقتحام قاعدة العدو العسكرية. وكل ذلك من منظور اللاعب علي الأرض.

كانت اللعبة متقنة بحق، ومثيرة للاعجاب جدا في التزامها بعالم Tiberium حتي مع منظور الشخص الثالث، وأعطت للاعبين احساس انهم انتقلوا من منظور القائد العام الذي ينظر لساحة الحرب من أعلي في الالعاب التخطيطية القديمة الي منظور الجندي المغوار الذي ينفذ المهام بنفسه .. كان انتقالا شيقا للغاية للجميع، جاءت قصة اللعبة أيضا بحبكة جيدة، تجعلك تهتم بشخصيات القصة. وبروح ألعاب المغامرات والإثارة، وتذوق اللاعبين فيها لذة المغامرة ومتعة الاستكشاف عالم التيبريوم .. وجاء طور اللعب الجماعي كذلك بأسلوب لعب مبتكر محبب .. لا يزال الكثير من اللاعبين يتذكرونه بكل حب وحنين، بعضهم أعاد صناعة اللعبة في محرك Unreal Engine برسوم شبه عصرية تحت اسم Renegade X خصيصا من أجل هذا الطور الجماعي!

وبدا أن EA مستعدة لتجربة اتجاه جديد للسلسلة .. قد ينمو ويزدهر الي سلاسل جديدة .. أو حتي ألعاب جديدة من نفس النمط، ربما Renegade 2 علي الأقل!

لكن EA لم تستطع مقاومة اغراء العودة الي النمط الاستراتيجي، فعادت اليه بسرعة ولكن بعدما ضخت دماء جديدة في السلسلة، فالتزمت بخط قصصي واقعي واسلحة معاصرة في اصدارة Generals عام 2003 بقصة حربية بالأساس ابتعدت فيها عن عناصر التمثيل التي ميزت الإصدارات السابقة .. وجاءت اللعبة بثلاثة جيوش فقط، الصين والولايات المتحدة، وقبائل المتطرفين، وامتلأت اللعبة بالكثير من الاسقاطات السياسية المعاصرة، خاصة علي الحرب في العراق وأفغانستان، أعجبت اللعبة الكثير من اللاعبين لاتسامها بالواقعية، فأصدرت EA لها حزمة توسيعية باسم Zero Hour.

قدمت Generals وملحقاتها مفهوما جديدا علي السلسلة .. وهو مفهوم اللواءات وقائدي الجيوش، حيث يتخصص اللاعب في قيادة لواء معين في الجيش، سواء لواء القوات البحرية أو الجوية أو المدفعية ..الخ، ويحصل من خلاله علي مزايا خاصة وقدرات هجومية أو دفاعية مميزة لهذا اللواء. ولقد جسدت اللعبة بعضا من هؤلاء اللواءات في هيئة شخصيات واضحة لهم قوالب سلوكية مختلفة ويقوم بتجسيدهم ممثلين حقيقيين بهيئات حقيقية وأصوات حقيقية .. تتحدي اللعبة بهم اللاعب أثناء القتال وتستفزه أيضا. وقد لاقت هذه الاضافة استحسان جموع اللاعبين، الذين شعروا بخصوصية المعارك التي أصبحت تدور ضد شخصيات حقيقية بدلا من العدو مجهول الملامح الذي اعتادوا عليه.

وبعدها بأعوام في سنة 2007 عادت EA من جديد لعالم Tiberium في لعبة Tiberium Wars .. والتي حاولت فيها منافسة StatCraft  في شهرتها وانتشارها وبالذات في مكانتها التي وصلتها كأفضل لعبة رياضية تنافسية E-Sport علي مستوي العالم .. فدعمت EA اللعبة بفريق ثالث جديد من الفضائيين الذين أتوا لغزو الارض والحصول علي التيبريوم Tiberium، وقد أعطي هذا اللعبة تنوعا ضخما في أسلوب اللعب، فكان الفضائيين يحاربون بأسلحة مبتكرة وغريبة .. وكانت لهم أفضلية تكنولوجية كذلك.

استمرت EA في تقديم أسلوب لواءات الحرب والجيوش المتخصصة، وطعمت اللعبة بقصة قوية ومشاهد سينمائية عالية الجودة بطقم ممثلين مشهورين من هوليوود، وفوق ذلك قامت EA بترقية رسوم اللعبة الي رسوم عصرية متقنة وجميلة، والنتيجة هي لعبة قوية مثلت علامة فارقة جديدة في تاريخ السلسلة، أجبرت EA علي إصدار اضافة قصصية لا تقل جودة عن سلفها، باسم Kane's Wrath.

لم تفلح اللعبة الجديدة في زعزعة عرش StarCraft، ولا في كسب مكانة مماثلة لها في ربوع التنافس الرياضي E-Sport .. لكنها أثبتت جدارتها بشكل عام كلعبة تخطيط فائقة الجودة بين جموع اللاعبين، ورغم ذلك لم يشعر هذا EA بالرضا للأسف، التي شعرت بأنها فشلت في تحقيق هدفها!

بعدها بعامين، في 2009 عادت EA الي عالم Red Alert مرة أخري مع اصدارة Red Alert 3 والتي رفعت فيها الشركة من مستوي الفكاهة والتندر الي الحد الأقصي. بقصة جيدة وأداء تمثيلي جيد من فريق من الممثليين المعروفين .. وقدمت قوي عالمية جديدة تمثلت في امبراطورية اليابان، لكن هذه المرة بأسلحة مستقبلية خيالية أيضا. مع التركيز علي لواءات الحرب للمرة الثالثة .. الذين صاروا جزءا أساسيا من أسلوب اللعب، فاكتفت بهم Red Alert 3 و استغنت عن جيوش باقي الدول، تعرضت رسوم اللعبة الي ترقية ضخمة أيضا جعلتها مبهرة رسوميا في أحيان كثيرة! وقد رحب اللاعبون بعودة Red Alert الي النور بعد غياب طويل دام 9 سنوات، وحققت اللعبة نجاحات معقولة، دفعت EA الي إصدار حزمة قصصية اضافية لها باسم Uprising.

في البداية تخلت EA عن أسلوب اللعب الراسخ القديم، فلم يعد هناك جمع موارد أو بناء قاعدة عسكرية ثم حشد جيوش لسحق جيوش الخصم، بل صار هناك نقاط سيطرة موزعة في أنحاء ساحة القتال، وصار لدي اللاعب قاعدة عسكرية متحركة، والمطلوب من اللاعب السيطرة علي أكبر عدد من هذه النقاط، واستدعاء وحدات دعم قتالية من خارج الخريطة .. لم يعد هناك جيوش كما نعرفها، بل فيالق متخصصة في الهجوم أو الدفاع أو الدعم .. وكل فيلق له وحداته القتالية وأسلوبه القتالي الخاص، ويجب عليك كلاعب اختيار الفيلق في بداية اللعب والالتزام به بعد ذلك حتي نهاية المعركة، وهو ما يحرمك من تجربة وحدات قتالية كثيرة ويمنعك من تغيير استراتيجية لعبك لاحقا!

لكن الأسوأ من ذلك كله أن اللاعب يبدأ بأقل عدد من الوحدات القتالية المتاحة، ويحتاج الي فك وحدات واسلحة متقدمة عن طريق اكتساب نقاط خبرة Experience Points وانفاقها في اكتساب هذه الأسلحة .. لتتحول اللعبة من لعبة تخطيط الي لعبة تعاقب أدوار RPG، وينتزع منها الجانب الاستراتيجي تماما، لتصير أشبه بلعبة MOBA. وجاءت قصة اللعبة قصيرة ومهلهلة وضعيفة الحبكة، حتي رسوم اللعبة تعرضت للتخفيض الشنيع، فصارت أكثر قبحا وذات تفاصيل بسيطة، وكأنها لعبة هواتف جوالة Mobile Phones، بل ربما هي كذلك بالفعل!

ولقد دمرت هذه التغيييرات لعبة Tiberian Twilight، ومقتها كل اللاعبين بلا استثناء ففشلت فشلا ذريعا، وحطمت تماما أحلام EA في اللحاق بعظمة StarCraft 2 التي صدرت في ذات العام 2010.

وبدلا من أن تستفيق EA من غفوتها، وتعود للعمل علي جزء جديد يعيد السلسلة الي أمجادها القديمة، بدا وكأن EA قد طوت صفحة السلسلة بغتة، ولم تعد ترغب في اصدار أي جزء جديد، هكذا فجأة بعد 8 اصدارات شديدة النجاح، أرادت EA الاستسلام والتركيز علي أشياء أخري! لماذا؟ وبأي منطق؟! لا يدري أحد! ليست هذه مجرد لعبة عادية، بل مجموعة ألعاب بقصص عميقة وشخصيات رائعة وعوالم خلابة! إن لعبة واحدة فاشلة لا تقتل سلسلة بثمانية ألعاب أخري بلغ نجاحهم الآفاق! لكن يبدو أن هذا كان منطق EA السقيم!