العودة لأساليب الماضي للوصول إلى المُستقبل .. خُطة Meta السرية
بعد أن كانت على وشك الموت بسبب أداء سهمها الضعيف للغاية خلال العام الماضي، أخيرًا خرجت Meta من ظلماتها وتضاعف سعر سهمها خلال العام الجاري، وذلك بفضل التفاؤل المتزايد تجاه مستقبلها والتدابير القاطعة التي قررت تنفيذها الشركة لخفض التكاليف، بالإضافة إلى وضعها خططًا للتركيز على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن لازال هناك العديد من التساؤلات حول رؤية الشركة وما تتجه إليه، فلماذا سقطت الشركة المالكة لـ 'فيسبوك' في المقام الأول وما مستقبلها؟
حلم الميتافيرس:
في 25 مارس 2014، استحوذت شركة Facebook (التي تعرف الآن بـ Meta Platforms) على شركة متخصصة في بناء تقنيات الواقع الافتراضي تدعى "Oculus" مقابل 2 مليار دولار، وحينها أدلى Mark Zuckerberg (رئيس Facebook) بتصريح قال فيه:
سنجعل Oculus منصة للعديد من التجارب. تخيل أنك تستمتع بمقعدك في الصف الأول في إحدى المباريات، أو تدرس في فصل دراسي يضم طلابًا ومعلمين من جميع أنحاء العالم، أو تستشير طبيبًا وجهًا لوجه فقط عن طريق ارتداء نظارات واقع افتراضي في منزلك. استحواذ اليوم هو رهان طويل الأمد على مستقبل الحوسبة.
بعد العديد من التخبطات التي حدث لشركة Facebook خلال سنوات، رأى Mark Zuckerberg أن شركته عليها تطوير طريقة التواصل عبر الإنترنت وتقديم منصة جديدة كليًا باستغلال إمكاناتها المتاحة، والتي من الصعب منافستها؛ لأنها لا ترتكز فقط على الجانب البرمجي والحوسبي، وإنما أيضًا في القدرة على صنع هاردوير لتشغيل تلك المنصة، ولهذا يمكن للشركة ضمان استمرار هيمنتها على هذا المجال واستمرار توليدها للربح وزيادة قابليتها للفرص. تمر السنين ويبقى الحلم.
مختبر فيسبوك السري:
في 2020 أسست Facebook منظمة بحثية اسمتها "Reality Labs"، يقودها مجموعة من العلماء والمبرمجين ذوي التأثير الشديد على عالم الحوسبة، منهم:
العلماء بالترتيب:-
- البروفيسور Yann LeCun المعروف بأبحاثه في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير البصر للحواسيب والحاصل على جائزة Turing في 2018.
- عالم الحوسبة العصبية Thomas Reardon الذي ساعد في تطوير Windows 95 و Internet Explorer وساهم في بناء بنية الإنترنت التحتية عندما كان لايزال في العشرينات من عمره!
- مبرمج الألعاب المخضرم Michael Abrash الذي عمل لصالح IBM و Microsoft و Valve وانضم لـ Oculus في 28 مارس 2014، بعد 3 أيام من استحواذ فيسبوك عليها.
وهدف Reality Labs الأساسي هو استكشاف وتطوير تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي ومنصات الحوسبة المحيطية الأخرى بالإضافة إلى البحث في مجال الذكاء الاصطناعي، وتهدف هذه المنظمة إلى خلق طرق جديدة للاتصال والتواصل بين الأشخاص والتفاعل مع العالم الرقمي، وبالطبع فيسبوك ليست فقط على دراية بمدى التغيير الجذري التي يمكن أن يحققه تطوير مثل تلك التقنيات، بل تنظر أيضًا إلى كم الربح الذي يمكن توليده بواسطة هذه التقنيات، خاصًة إن اتبعت الشركة ممارساتها الغير الأخلاقية التي تهدف دائمًا لزيادة إدمان المستخدمين على استخدام منتجاتها.
في تقرير من Financial Times منشور بتاريخ 18 يناير 2022 تبين أن من ضمن الاختراعات والبحوث الصادرة من Reality Labs هناك العشرات حول تتبع حركة العين، وضعية الجسم، وتفاعلات الأنف لاستغلالها في مجال الإعلانات الرقمية، حيث أظهرت البحوث أن الأنشطة والتعبيرات السريعة قد تحتوي على معلومات حول اهتمامات المستخدم وحالته العاطفية، على سبيل المثال: إذا بقيت عين المستخدم على الصورة في حالة استقرار، فقد يشير ذلك إلى إعجابه بها، وهذه البيانات تفيد الخوارزمية بمدى فاعلية الإعلان المعروض أو تأثير المحتوى على المستخدم، وهذا قد يساعد المعلنين في المستقبل على إقامة حملات إعلانية فعالة بشكل أفضل.
عندما سُألت Meta حول براءات الاختراع والبحوث خاصتها في هذا المجال، ردت:
في حين أننا لا نعلق على تغطية محددة لبراءات الاختراع الخاصة بنا أو أسبابنا لتقديمها، فمن المهم ملاحظة أن براءات الاختراع الخاصة بنا ليست بالضرورة مستخدمة في منتجاتنا وخدماتنا.
أيضًا، ليست بالضرورة أن تكون هذه هي الحقيقة، حيث أن الشركة قد تم فضحها في أكتوبر 2021 من قبل Frances Haugen (واحدة من مدراء Facebook القدامى) التي سربت آلاف الصفحات من أبحاث وتقارير فيسبوك السرية التي أثبتت واقع أن فيسبوك تتعمد استخدام بعض الأساليب التي قد تكون مؤذية للأفراد والمجتمعات لزيادة مدة استخدام منصاتها، وحين سُربت تلك الأوراق وأدلت Frances Haugen بشهادتها أمام الكونجرس الأمريكي، قامت فيسبوك في نفس اليوم بإيقاف جميع منصاتها بالكامل لمدة 6 ساعات؛ لتشتيت العالم عن الفضائح ومنع إحداث ضجة إعلامية حول هذه القصة، وعوضًا عن ذلك، الانشغال بخبر توقف فيسبوك وجميع منصاته، بالإضافة إلى تنبيه الناس بمدى أهمية منتجات الشركة في حياتهم. ماذا يأتي بعد ذلك؟
الطموحات اليائسة والفشل المخيّب للخطة الأولى:
في 28 أكتوبر 2021، أقامت Facebook مؤتمرًا للإعلان عن اسمها الجديد، وقد أعلن Mark Zuckerberg خططًا تركز على بناء عالم افتراضي تفاعلي تحت العلامة التجارية الجديدة للشركة، والتي اسماها "ميتا" تيمنًا بالـ "ميتافيرس"، وقدمت حينها الشركة وعودًا طموحة لخطتها ولمحت لنظارتها القادمة "Project Cambria" (الذي عرفناها لاحقًا باسم Meta Quest Pro)، وبدأت الشركة منذ ذلك الحين في بناء التطبيقات الملائمة لتلك التجربة وجذب المطورين الآخرين وشركات الألعاب للتعاون على بناء تلك المنصة، لكن لم تجدي كل الجهود، حيث أن الشركة أخفقت في صنع تجربة مثيرة بسبب إمكاناتها المحدودة، وقد خذلت توقعات المهتمين، ولذلك ساء الوضع في Meta وتأثرت سمعتها بشكل سلبي للغاية، وبقي يلاحقها تاريخها المظلم المليء بالكوارث والانتهاكات.
منذ إعلان الشركة عن توجهها الجديد الذي يتمثل في بناء الـ "ميتافيرس" قبل نهاية 2021، تكوّنت بعض الضغوطات على الشركة، والتي شملت أدائها المالي. بالطبع، في البداية كان هناك الكثير من الحماس والتوقعات المرتبطة بمستقبل الإنترنت والتوجه نحو الـ "ميتافيرس"، لكن الاهتمام قد تراجع بسرعة، حيث أن شركة Meta Platforms فشلت هندسيًا وتسويقيًا في تقديم منتجات تستحق لفت الأنظار، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي وبدأ تطبيقه في عدة مجالات؛ بدأت 'ميتا' تحويل تركيزها نحو استغلال هذه التقنية، وقامت الشركة مؤخرًا بتقديم مجموعة برامج إعلانية تسمى "AI Sandbox" والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي الإنتاجي لمساعدة المعلنين على تنفيذ حملات دعائية فعالة وذات عائد أعلى، وهذه الخطوة أثرت إيجابًا على شعور السوق تجاه ميتا، مما أدى إلى زيادة في سعر السهم في اليوم الذي تم الإعلان فيه عن تلك الإضافة.
في الربع الأول والثاني من عام 2023 سجلت الشركة أرباحًا تفوق التوقعات، مما أرسل إشارة إيجابية بعد أكثر من عام من مواجهة تكاليف الميتافيرس التي سببت الكثير من الخسائر للشركة، وعادت الشركة أخيرًا لمكانتها العظيمة وسط سوق شركات التكنولوجيا الضخمة المسجلة في البورصة، حيث ارتفعت قيمة Meta Platforms من 250 مليار دولار التي كانت قد هبطت لها إلى 750 مليار دولار في يومنا هذا، وإن استمرت على هذا النهج؛ قد تصل قيمة Meta قريبًا إلى التريليون!
العودة للنهج القديم:
شركة Meta تستعد هذا الأسبوع لإطلاق تطبيق جديد باسم "Threads" تابع لمنصة Instagram التي يقودها رجل الأعمال العبقري آدم موسيري، ويهدف هذا التطبيق إلى أن يكون منافسًا لتويتر - تويتر الذي حاز على شعبية وانتشار واسع مؤخرًا بعد أن امتلكه الملياردير الأميركي إيلون ماسك وتولى قيادته، وفي كلمات أخرى: تطبيق "Threads" هو محاولة أخرى من ميتا لإعادة هيمنتها على سوق مواقع التواصل الإجتماعي، متصدية للمنافس الأشد والأكثر رهبة في وقتنا الحالي، ومحاولة لإرجاع مستخدمي فيسبوك القدامى الذين ملوا ويئسوا من هيئة مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة.
تم طرح تطبيق Threads في متجري Google Play Store و App Store كتطبيق قابل للحجز، ولكنه غير متوفر للتحميل حاليًا، ويتوقع أن يتم إطلاقه للعامة غدًا - يوم الخميس الموافق 6 يوليو 2023، لكن لا يوجد حتى الآن معلومات مؤكدة حول ما إذا كان سيتم توفيره للجميع أم سيكون محدودًا لبعض الدول.
قد يسهم إطلاق تطبيق Threads والضجة الإعلامية حوله في رفع قيمة سهم Meta والوصول أخيرًا إلى حلم مارك زوكربيرج القديم - التريليون دولار، خصوصًا وأن هناك حماس شديد يحوم حول هذا التطبيق، لكن على الرغم من هذه العوامل الإيجابية، فإن هناك تحديات تواجه 'ميتا' أيضًا، على سبيل المثال: تواجه الشركة انتقادات حول قضايا الخصوصية والسيطرة على المعلومات الشخصية للمستخدمين، وقد نشر Jack Dorsey (مؤسس تويتر) تغريدة ساخرًا فيها من متطلبات تطبيق Threads التي تشمل جمع كل بياناتك التي يمكن جمعها وحتى المعلومات الحساسة خاصتك، وهذا يثير العديد من التساؤلات.
نجاح تطبيق Threads سيعتمد على عوامل مختلفة مثل قبول المستخدمين، والمنافسة، وقدرة التطبيق على تلبية احتياجات المستخدمين. على الرغم من أن Threads مرتبط بإنستجرام ويستفيد من قاعدة مستخدميه الكبيرة، إلا أنه لا يوجد ضمان للنجاح في سوق التطبيقات المنافسة بشدة، وأمام إيلون ماسك أيضًا؟ هذه منافسة صعبة للغاية، ولكن في النهاية سيتم تحديد نجاح Threads بقدرته على تقديم قيمة للمستخدمين، والتمييز عن المنافسين، ومعالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية - الأمر الذي من المستحيل حدوثه بالطبع.
وهل تنجو ميتا من كل العقبات؟
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن قد تعيق استمرارية ونجاح ميتا، مثل: زيادة الرقابة والتشريعات المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات
وقضايا المنافسة، بالإضافة إلى فقدان الثقة العامة بشكل تام، المنافسة، العوامل الاقتصادية والحالة الإنسانية عمومًا، هذا دونًا عن الصراعات الداخلية وفرض الآراء الذي يحدث داخل الشركة، ولا نعرف إلى أين يقود الشركة كل هذا في وقتنا الحالي.
إن سألتني، أتوقع أن تظل ميتا في مواجهة طويلة الأمد أمام تقلباتها المالية (كالعادة) في المستقبل، هذه ليست المشكلة، لكن اللعبة الآن تحوم حول النجاة من الفترة التي نعيشها مع التغيرات العديدة التي تحدث لعالمنا والنظام العالمي. قد تنجح Meta في اجتياز هذه المرحلة إن استمرت في التركيز على الابتكار والتقدم وتنفيذ استراتيجيات قوية في مجال الذكاء الاصطناعي واستغلاله في تحسين الإعلانات الرقمية والمحتوى، إن كان هذا ما يريده الناس، لكني مازلت أؤمن بأن هذه الشركة قد تضمحل خلال العقد الجاري، وإن لم يحدث ذلك؛ فتأكد أن ميتا قد وجدت وسيلة للسيطرة على العقول.
?xml>