قصة منصة HoggPool بالكامل - أكبر عملية نصب إلكترونية في تاريخ مصر!
في خلال الأيام القليلة الماضية تصدرت منصة "هوج بول" الإلكترونية عناوين الأخبار وانتشرت الكثير من المنشورات في جميع أرجاء مواقع التواصل الإجتماعي عن عملية النصب الكبيرة التي قام بها القائمين على التطبيق للاستيلاء على اموال المصريين، وقد انتشرت هذه الأخبار بعد أن تم إغلاقها وإعلانها عملية احتيال كبرى من قبل السلطات المصرية، وقد تم الإيضاح أن الخسائر المالية لمن خدعوا في تلك العملية تخطت الـ 6 مليار جنيه مصري!
قصة "هوج بول" بالكامل:
منصة "هوج بول" للاستثمار والأرباح ظهرت في أغسطس 2022، وكانت متوفرة من خلال الموقع والتطبيق الخاص بها، وتم الترويج لها كوسيلة للتربح من خلال الاستثمار في شراء الآلات المخصصة لتعدين العملات الرقمية، وباستثمارك البسيط ادعت المنصة أنه يمكنك الحصول على عائد يبدأ من 4 دولار (إن استثمرت 1000 جنيهاً مصرياً) وقد يصل هذا العائد إلى ما يقارب الـ 55 دولار يومياً إن قمت بزيادة المبلغ.
نفذ التشكيل العصابي المسؤول عن عملية النصب تلك بعض الخدع التسويقية لإقناع العامة بالاستثمار والوثوق بهم، مثل: نشر صورًا مُفبركة لمقر الشركة في الولايات المتحدة، وضع منشورات منسقة بشكل جيد على فيسبوك، استخدام أرقام هواتف أمريكية وهمية للتواصل مع العملاء من خلال تطبيق واتسآب، بالإضافة إلى عرضهم إعلانات لوظائفهم شاغرة غير حقيقة بهدف إعطاء زوار صفحتهم على فيسبوك انطباعًا بأن هذه الشركة حقيقة، وقد نجحت الحيلة. للمرة المليون.
وفقاً لموقع Arab News، المحامي المصري عبدالعزيز حسين رفع محضر لمديرية أمن القاهرة بالنيابة عن 150 مواطن تم خداعهم والاستيلاء على أموالهم من قِبل "هوج بول"، هؤلاء المواطنين الذين لجأوا إليه للمساعدة في حل أزمتهم كانوا مفتونين بقدرات المنصة على توليد الأرباح بهذا النمط السريع.
بعض الجرائد المحلية ذكرت أنه تبين أن منظمي عملية الاحتيال عددهم 29 شخصاً (من بينهم 13 غير مصريين) وأنهم اتخذوا من القاهرة مقراً لهم لمزاولة نشاطهم الغير مشروع، وقد بدأ التحقيق بشكل موسع على تلك القضية في محاولة للوصول إلى الثلاث متهمين الرئيسيين، بعد أن تم القبض على مجموعة من المشاركين في عملية النصب، والذين كانت بحوزتهم بعض الأجهزة، تضمنت: 95 هاتف، 3367 خط محمول، 9965 محفظة إلكترونية.
بالنسبة لمصير الأموال التي اكتسبها مؤسسي منصة "هوج بول"، فلا أحد يعرف مصيرها حتى الآن، فربما قد تعود الأموال، وربما قد تم إنفاقها.
صرح اللواء فاروق المقرحي (مساعد وزير الداخلية الأسبق) في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى أن الأموال تم تهريبها بعدما تحولت لعملات أجنبية، مشيراً إلى أن المنصة كان لديها الوقت للتعامل مع الأموال وتحويلها إلى خارج البلاد دون أن تتعرض للإيقاف من قبل الأجهزة الأمنية؛ بسبب عدم تلق أي بلاغات حول المنصة خلال الأشهر الماضية.
إنها ليست المرة الأولى، ولن تكون أبداً الأخيرة، ذلك النوع من الاحتيالات مبني على قاعدة بسيطة تسمى بـ "The Ponzi Scheme"، ولكي تتجنب أن يتم خداعك بها؛ عليك تكون على علم بالمبدأ نفسه.
الشرح الكامل لـ "مخطط بونزي" المبنية عليه هوج بول:
مخطط بونزي هو نوعية من عمليات النصب المبنية على جذب المستثمرين للدفع في المشاريع التي تعدهم بالعائد الثابت على المدى الطويل، وما يحدث هو أن تلك الأموال يتم إعطائها للمستثمرين الأوائل على هيئة "أرباح"، والذين بدورهم (في تلك الحالة) قد يقدمون على تشجيع غيرهم للاستثمار في مشروعك أو -في بعض الأحيان- قد يتغمدهم الطمع لإنفاق المزيد من مدخراتهم للحصول على عائد أعلى.
لتبسيط الأمر، لنحكي قصة خيالية. قام سمير ببدء عملية الاحتيال الخاصة به المبنية على "مخطط بونزي"، فماذا فعل؟ أولاً قام بتأجير مكتب استثمار عقاري حيث يمكنك المشاركة في شراء جزء من وحدة سكنية (لنقل على سبيل المثال: شقة) بالمشاركة مع العديد من المستثمرين، وبمشاركتك بنسبة صغيرة من ثمن تلك الوحدة يمكنك التربح حينما يتم تأجيرها، والحصول على نسبة من الإيجار المدفوع مماثلة لنسبة امتلاكك لها. هل تخيلت هذا السيناريو؟ حسناً، لنكمل قصتنا..
المشاركة في شراء وحدة سكنية مقابل القليل من المال قد لا يوفر لك إلا نسبة ضئيلة جداً من الربح العائد منها، حيث أن استثمارك بـ 2000 جنيهاً مثلا في شقة قد يكون ثمنها 2 مليون؛ هذا يعني أنك تمتلك فقط 0.1% منها، فإن تم تأجيرها مقابل 13 ألف جنيهاً في الشهر؛ فلن يكون لك من هذا المبلغ إلا 13 جنيهاً فقط تحول إلى محفظتك شهرياً، والشخص العادي لا يرى تأثير النمو الأسي في هذا السياق وما قد يعيده عليه من نفع، فهو يبحث فقط عن المكسب السريع، ولهذا قام سمير بفتح مكتبه للاستثمار العقاري الذي يعد بعوائد شهرية تصل إلى 35% عوضاً عن الـ 0.65% التقليدية.
يعدك سمير بأنه سيقوم بإعطائك شهرياً عائد 700 جنيهاً إن قمت باستثمار 2000 جنيهاً معه، ورغم أنه من المستحيل تحقيق هذا العائد في هذه المنطقة لمجرد دفعك لذلك المبلغ البسيط، إلا أنك تقرر بشكل أعمى دفع المبلغ ونسيانه بعد الخروج من مكتب سمير، وتمر الأشهر وفي كل شهر يصلك إلى باب منزلك ظرف يحتوي على 700 جنيه، حتى تخطت الأموال التي وصلتك المبلغ الأصلي وأصبحت الآن 4200 جنيه، ثم تسأل نفسك متعجباً "كيف ذلك!"، وبالطبع سمير لن يفشي لك سره؛ لأنه لا يريد أن يظهر أمامه منافسين في هذه اللعبة، فتقرر الصمت، لكن الطمع بداخلك يدفعك نحو إدمان هذه اللعبة.
بعد أن تأكدت من مصداقية سمير من خلال ما قدمه لك، تقوم بإرجاع الأموال التي تلقيتها (الـ 4200) لإعادة تشغيلها، ويأتي بذهنك: "ماذا عن مدخراتي؟ يمكنني أن أُعطي سمير جزءاً منها ليصبح العائد الشهري الخاص بي 9170 جنيه، حيث أن دفع 20 ألفاً إضافية فوق ما دفعته مسبقاً سيولد لي هذا العائد شهرياً والذي قد يغنيني عن العمل بدوام كامل"، ثم بعد حين تسول لك نفسك استثمار جميع مدخراتك مع سمير والاقتراض أيضاً ليزيد دخلك الشهري لـ 50 ألفاً - معتمداً على أنك سوف تستطيع جمع مدخراتك مجدداً بعد فترة قصيرة وتسديد قرضك، ومن ثم عندما يسألك أصدقاؤك حول سر رفاهيتك، تبدأ بنصحهم باستثمار أموالهم مع سمير؛ لأنه شخص موثوق للغاية، والدليل على أنه شخص يعتمد عليه هو قدرته على توليد الكثير من الأموال لك.
في الحقيقة، سمير نصاب، وقد خدعك في الفترة الأولى بإعطائك أموال أحد المستثمرين الآخرين، وقد اعطى هذا المستثمر لاحقاً أموالك التي قمت بإعطائها له، وبمشاركة أصدقائك وأصدقاء هذا الرجل الآخر في مشروع سمير فقد جمع سمير أموالاً طائلة بين يديه في مدة قصيرة.
ماذا بعد؟ عندما يصل سمير لمرحلة الاكتفاء؛ يختفي سمير، ويأخذ كل الملايين التي جمعها ليهرب بها على جزر القمر، حيث لن يجده أحد بعد أن يقوم بتغيير هويته وغسيل أمواله. لا تسألني عن الخيانة يا أخي؛ فأنا لا أعتقد أن هناك كلمات قادرة على وصفها، ويا حسرتاه عليك بعد ما فعله سمير بك، لقد قام بهتك محفظتك وخزانتك، وأنت الآن مفلسٌ يا صاح!
تاريخ "مخطط بونزي":
تعود فكرة "بونزي" إلى المحتال والفنان المخادع الإيطالي تشارلز بونزي. كان تشارلز بونزي على علم بـ "المراجحة" في علم الاقتصاد، وهي استراتيجية مبنية على الاستفادة من فرق الأسعار بين الأسواق لتحقيق الأرباح، حيث تعتمد الفكرة على شراءك أي نوع من الأصول من سوقٍ ما لكي تذهب وتبيعها في سوقٍ آخر حيث يكون سعرها أعلى هناك؛ لتستفيد بالربح الناتج عن فرق السعر، وقد بنى تشارلز بونزي فكرته للاحتيال على هذه الإستراتيجية.
في يناير 1920 أسس تشارلز بونزي شركته الخاصة، واقنع عملاء الشركة بأنه يولد الكثير من الأرباح من خلال شراء وبيع قسائم الرد الدولية واستغلال فرق تسعير العملات بين الدول والتي تغير من سعر القسائم، وبينما كانت تعطي البنوك فائدة سنوية 5% فقط، وعد تشارلز بونزي عملائه بالحصول على فائدة 50% بشكل دوري كل 45 يوماً. في الشهر الأول استطاع بونزي الوصول إلى 18 مستثمراً، دفعوا إجمالي 1800 دولار في شركته، وقد قام برد أموالهم فوراً في الشهر الموالي من خلال إعطائهم أموال المستثمرين الجدد، وبحلول يوليو 1920 كان بونزي قد جمع ملايين الدولارات!
كان مستثمرو بونزي الأوائل يتألفون من مهاجرين من الطبقة العاملة مثله، وتدريجياً انتقلت الأخبار صعوداً حتى استثمر العديد من الأثرياء من بوسطن براهمينز أيضاً في مخططه، وفي أفضل أيام الشركة كان 75% من ضباط شرطة بوسطن من المستثمرين في شركة بونزي، وشمل مستثمري بونزي المقربين منه، مثل سائقه جون كولينز وصهره.
كان بونزي عشوائياً بشأن من سمح لهم بالاستثمار، حيث أنه سمح حتى للصبية الصغار الذين يبيعون الصحف باستثمار بضعة دولارات!
عاش بونزي في رفاهية، حيث اشترى قصراً في ولاية ماساتشوستس، وكان لديه حسابات في عدة بنوك في أنحاء نيو إنجلاند، واشترى سيارة Locomobile باهظة الثمن (من أفضل السيارات في ذاك الزمان)، وقد تبرع بـ 100 ألف دولار تكريماً لوالدته، وكل هذا انهدم وسقط فوق رأسه بعد وصول الشركة لأقصى مستوياتها وتوقف قدرتها على الوصول لمستثمرين جدد للتسديد للقدامى، وانكشفت حيلته قبل مرور عام على تأسيس الشركة، وقد حكم عليه في 1 نوفمبر 1920 بالسجن 5 سنوات بعد تصفية ممتلكاته وإرجاع ما تبقى من المال للضحايا.
لم يكن تشارلز بونزي أول من قام بتنفيذ هذه الحيلة، حيث أنه مسبقاً في عام 1899 قام المحاسب الأمريكي ويليام ميلر بتنفيذ نفس الفكرة وجمع من خلال أكثر من مليون دولار (مبلغ قيمته تساوي أكثر من 30 مليون دولار حالياً)، وفي ألمانيا عام 1870 قامت الممثلة آديل سبتزيدر بنفس الشيء، لكن الفكرة سميت على اسم بونزي بسبب مستوى الشهرة التي وصلت إليها الفكرة بعد أن نفذها بهذا المستوى في العصر الحديث.
كيف يمكن اتخاذ الحذر من عمليات الاحتيال المالي تلك؟:
الأمر بسيط لتجنب "مخطط بونزي"، فقط قم بالتحقق جيداً من النشاط التجاري الذي ستقوم بالاستثمار فيه، وقم بحساب العائد بشكل منطقي من خلال الدخول في هذا المجال، وإن كانت هناك ألاعيب سرية أو أشياء معقدة من الصعب عليك فهمها وفهم آلية عملها؛ فمن الأفضل تجنب المشاركة فيها، وضع في ذهنك أنه ليس من السهل أبداً الحصول على المال، وفي بعض الأحيان تكون الوعود والأحلام جميلة جداً لدرجة استحالة تحقيقها؛ فيجب عليك النظر إلى العالم بشكل واقعي دائماً، حتى تتجنب الوقوع في مثل هذه الفخاخ التي فشل في تجنبها مستخدمي الإنترنت المتعلمون في مصر.
ماذا تفعل اذا تعرضت لأحد عمليات الاحتيال المالي المشابهة ؟:
سلطت حادثة "هوج بول" الضوء على مخاطر الاستثمار في المنصات غير المنظمة التي تعد بعوائد كبيرة، ويجب على المستثمرين توخي الحذر وإجراء بحث شامل قبل الاستثمار في أي مشروع، وإن كنت تشعر أنك مشارك في واحدة من تلك العمليات بالفعل وأنه قد يتم الإستيلاء على أموالك؛ فيجب عليك التواصل مع المسؤول الذي تتعامل معه فوراً والمطالبة بأموالك، وإن لم يقم بالتسديد لك، يجب عليك الإسراع في إبلاغ الهيئة العامة للرقابة المالية ورفع محضر (إن كانت لديك الأدلة على أنها عملية نصب) للمطالبة بأموالك.
نصيحة عن الاستثمار المالي لتحمي نفسك من الاحتيال:
كسب المال من الأمور الصعبة للغاية، وإن كان جمع المال سهل لما كان هناك دافع لأن يتحرك الناس لتأدية الوظائف وتحريك عجلة الاقتصاد.
جمع الأموال يتطلب العمل الجاد والتفاني والتخطيط الذكي، خصوصاً وسط الظروف الاقتصادية التي نعيشها اليوم. وقد ترى أن هناك بعض الأشخاص الذين يكتسبون المال بسهولة إذا كان لديهم وظيفة مستقرة أو عمل تجاري ناجح، لكن في الحقيقة أنهم لم يكسبوا المال بسهولة، وإنما من المؤكد أنهم مروا بكثير من العمل الشاق والتعلم واتخذوا بعض القرارات الصحيحة خلال حياتهم لكي يصلوا إلى هذا الحد، أو قد تكون ثروتهم قد ورثوها من آبائهم الذين عملوا بجهد على مدار العمر لكي يجمعونها، أو قد يرجع الأمر لعقلياتهم والآلية التي يتعاملون بها مع مختلف المواقف خلال حياتهم - تلك الأمور البسيطة التي قد دفعتهم للوصول إلى هذه المرحلة، لكن قطعاً: جمع المال ليس سهلاً أبداً، ويجب عليك توخي الحذر من مصادر الرزق السريع.
ينصح المحامي المصري عبدالعزيز حسين المواطنين المصريين بتوخي الحذر وعدم الانجذاب لوعود الأرباح السهلة، حتى لا تتكرر حادثة "هوج بول" من جديد.
في النهاية ربما تكون نصيحتنا لتحمي نفسك من عمليات الاحتيال المشابهة لعملية النصب التي قامت بها منصة هوج بول هو التفكير كثيرا قبل استثمار أموالك في أي شركة. ومراجعة كل الأرقام و البيانات المتاحة و التفكير بشكل عقلاني دون الوقوع في فخ الطمع وانتظار المكاسب المادية غير المعقولة. حيث يكون في الغالب عملية من عمليات النصب.
?xml>