مشكلة الربع قرن: لماذا فشلت آبل في تصميم "ماوس"؟
في 1999 انضم المهندس أبراهام فرج لـ Apple، وكان أول مشروع عمل عليه هو تصميم ماوس بديل للماوس الذي تم تقديمه مع الـ iMac الأول والذي عُرف بـ "قرص الهوكي"، ذاك التصميم الذي لم يكن مكتملاً وكان سيئاً للغاية، والذي دفع الشركة للاعتراف علناً لاحقاً بأنه الأسوأ في التاريخ، وكان السبب وراء إطلاقه هو اضطرار الفريق حينها تقديمه ليتم شحنه مع الـ iMac G3 في الموعد المحدد، لكن خلف الكواليس كان معروفاً أنه في غاية السوء، ولذلك عندما انضم أبراهام فرج للفريق، عمل معهم على تصميم ماوس آخر بهيئة تقليدية مشابهة لهيئة السيارات، وهناك واقعة مضحكة حول ذاك الأمر أدت لفشل كبير له تأثير مستمر حتى يومنا هذا.
خيال ستيف جوبز الواسع
فريق الذي كان يعمل على تصميم فأرة Apple لم يكن راضياً عن التصميم الأول الذي تم تقديمه مع الـ iMac G3 في 1998، لم يكن عملياً وكان من الصعب إمساكه، وقد سبب غضب المستخدمين؛ فكان على الفريق العودة خطوة إلى الوراء وتصميم ماوس بشكل شبيه لهيئة السيارات المعروفة، وفي أثناء تنفيذ العملية كان عليهم عرض نموذج على Steve Jobs نفسه، ولم يكن النموذج جاهزاً بعد، حيث كان الفريق قد نفذ كل شيء إلا أنه لم يكن لديهم الوقت لرسم موضع الأزرار أو تصميم الخوذة الخارجية؛ فاضطروا أن يذهبوا لستيف وأن يعرضوا عليه النموذج الذي كان شفافاً وبدون أي أزرار نهائياً.
ذهب الفريق المسؤول عن تصميم الماوس ليجتمعوا مع ستيف جوبز، وقبل أن ينطقوا بأي كلمة وأثناء تفقد ستيف جوبز للنماذج التي أمامه، نظر ستيف لنموذج الفأرة الغير مكتمل ثم قال: "هذا عبقري، نحن لا نريد أي أزرار!" ليرد عليه أحد الحاضرين بـ : "أجل يا ستيف، ليس هناك أزرار على الإطلاق"، الأمر الذي كان مشتتاً ومحرجاً لفريق التصميم، حيث أن هذه لم تكن الخطة، ولم يستطع أحد التوضيح حتى خرجوا من الاجتماع.
طالع أيضًا: 5 منتجات فاشلة من شركة أبل لا يعرفها الكثير
عندما خرج أبراهام فرج و زملائه (المصمم الصناعي بارت أندريه والمهندس براين هوبي) قالوا لبعضهم البعض "كيف سنقوم بفعل ذلك؟"، لم يستطع أحدهم الرد على رئيس الشركة والآن هم في ورطة، وُضع أمامهم تحدي اختراع فأرة دون أزرار؛ بسبب عرضهم لهذا النموذج الغير مكتمل، وياله من حالٍ بائس، لقد كانوا ينوون فقط وضع زوج من الأزرار في المقدمة لتنتهي المهمة هنا، لكن ما حدث لم يكن متوقعاً!
التحول من الأسوأ في العالم للأفضل على الإطلاق
نوعاً ما استطاع الفريق إتمام المهمة، حيث قاموا بالفعل بتصميم فأرة تبدو وكأنها بدون أي أزرار، لكن كانت هناك لعبة، حيث أن سطح تلك الفأرة بالكامل كان عبارة عن زر يميل إلى الإمام عند الضغط عليه، وكان الزر يمكنه التفريق بين الضغط الخفيفة والقوية لأداء وظائف مختلفة، وقد تم تقديمه في مؤتمر Macworld New York عام 2000 تحت اسم "Apple Pro Mouse"، وقد قال ستيف جوبز عنه خلال المؤتمر: "هكذا قد نكون ذهبنا من ما يعتقده الناس 'أسوأ ماوس في العالم' إلى الأفضل"، وقد تميزت هذه الفأرة بأنها كانت الأولى في تاريخ الصناعة دون أي قطع متحركة، حيث كان يعمل الـ Apple Pro Mouse بالتتبع البصري (عوضاً عن الكرة المطاطية) ولم يكن يحمل البكرة المخصصة للتصفح (لأنها لم تكن منتشرة بعد) وبالطبع كان "خالياً من الأزرار" كما ادعت الشركة في دعايتها للمنتج.
لطالما كان ستيف جوبز مهووساً بالأساليب المختلفة لإزالة الأزرار من المنتجات، كان يهدف دائماً لتقليل تلك المشتتات البصرية، وكان مقتنعاً أنه لو تم تصميم واجهة المستخدم بأقرب مستوى لأن تكون طبيعية بالكامل بالنسبة للبشر؛ لن يكون على المستخدم استعمال أكثر من زر واحد، وهذه وجهة نظر تعد منطقية إلى حد كبير استناداً إلى ما نراه اليوم باستخدامنا لإصبع واحد للمس شاشات هواتفنا والتنقل داخلها، لكن تلك النظرية لم يتم تطبيقها أبداً بشكل صحيح في تصميم واجهة أنظمة الحواسيب المكتبية، ولهذا لم تنجح أبداً في تنجح أبداً Apple في تصميم ماوس جيد في تاريخها، وقد استسلمت، حيث أنها لم تقم بأي تحديث لتصميم الماوس العادي الخاص بها منذ 2009، واكتفت بتقديم الجيل الثاني من الـ Apple Magic Mouse الذي يتم قلبه رأساً على عقب لكي يتم توصيله بالشاحن - هو واحد من أسوأ التصاميم التي تم تنفيذها في التاريخ، لكن Apple تركته كما هو لمجرد أنه يعمل عند الإمساك به.
بُعد جديد لما هو سيء
من يومها الأول وفي كل مرة كانت تقوم أبل فيها بتصميم فأرة جديدة لأجهزة الماك كانت تتغلب على نفسها في تصميم ما هو أسوأ، حيث أن كل أجيال فئران التحكم الخاصة بـ Apple كانت تعطينا نظرة جديدة داخل أبعاد مختلفة من التصاميم السيئة الغير آدمية، وتحسب نفسها أنها قد قامت بعمل شيء ثوري، لكنها تكون في الحقيقة قد قدمت لنا مفهوماً جديداً لبشاعة التصميم الصناعي، مع أن الأمر قد يكون في منتهى البساطة - فقط قم بتصميم فأرة تحكم طبيعية وعادية مثل المتعارف عليها بدون أي بلاهات، لكن آبل ترفض دائماً الاعتراف بأنها مخطئة حول أي شيء.
لطالما حاولت آبل دوماً وضع نفسها في محل الشركة التي لا تخطئ أبدا، لكن تغيرت مؤخراً سياسة الشركة، ولقد انبهرنا بتراجع آبل في عدة خطوات لها، خصوصاً: معالجتها للأخطاء التي وردت بالـ MacBook Pro، حيث قررت الشركة في الجيل الجديد أن تقوم بإرجاع بعض المداخل التي كانت قد أزالتها من الجيل السابق (مثل إعادة مدخل الـ HDMI وقارئ بطاقات الـ SD)، وقد بدأت عدم الاكتراث بقواعدها والتركيز على ما يريده المستخدم في الوقت الراهن، فهل تقوم Apple في أيامنا هذه بتصميم ماوس جديد لأجهزة الماك؟
طالع أيضًا: 5 منتجات غريبة من أبل لا يعرفها الكثير
لا تكن مثل ستيف جوبز
تخيل يا عزيزي القارئ أن كل تلك الأزمة حول شيء بسيط مثل تصميم آبل لـ "ماوس" قد حدثت بسبب سوء تفاهم بسيط بين مجموعة من المهندسين ورئيس شركة آبل - ستيف جوبز!
بسبب تسرع ستيف في النطق بما يراه قبل الاستماع إلى توضيح المهندسين لما هو موضح أمامه من نماذج؛ انحسرت آبل داخل هذه الدوامة بين العبث والفشل في تنفيذ أمر بسيط جداً كتصميم فأرة تحكم عادية مثل التي يستخدمها معظم الناس. مر ربع قرن ومازالت آبل تواجه نفس المشكلة!
في حياتك حاول أن تلتزم الصمت للحظة قبل النطق، والتراجع لخطوة قبل الحُكم، واتخاذ الحيطة لتجنب السقم، وهذا ما نتعلمه من درسنا اليوم، بالإضافة إلى تعلمنا إلى أن الاعتراف قد يكون الحل لمشكلاتنا في بعض الأوقات، فالنجاح فى بعض الأحيان يكون نتيجة لسلسلة من الأخطاء.
?xml>