تنادي السلفية وينادي الإخوان بتطبيق الشريعة، وإذا فتشت عن مطلبهم هذا ما وجدت إلا المطالبة بتغيير القوانين لتستبدل بقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر وقتل المرتد ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن، فهذا منتهى جهدهم وتفكيرهم، وتجد أئمتهم يقولون حديثا ينسبونه لرسول الله وهم لا يفهمونه يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [حد يقام في الأرض خير من أن تمطروا أربعين] يعنون بذلك العقوبة والعقوبة فقط.
ما أرى ذلك إلا عدم موضوعية في فهم الشريعة وتطبيقها، فمتى تكون الشريعة عبارة عن عقوبات، إنها لا تكون كذلك إلا عند أهل الفظاظة والغلظة في فهم الشريعة، فإذا كانت الحدود يتم تطبيقها على الجانحين عن الشريعة، فأين تكون الشريعة وتطبيقها في فهم هؤلاء، هل الشريعة للمجرمين فقط؟
إن تطبيق الشريعة ما هو إلا تطبيق قواعد الأخلاق، وليس تطبيق العقوبات، فما نجده من تحرش وسرقات وانفلات أمني يحتاج تطبيق الشريعة كمنهاج تربوي، قبل أن نحتاجها كنظم عقابية، فهؤلاء الجانحين وأسرهم فقدوا الشريعة في بيوتاتهم فخرجوا إلى الشوارع ليجدوا جهلة المسلمين يطالبون بالعقوبات لهؤلاء الخارجين عن الشريعة، نعم لابد من عقابهم، لكن هل تشكلت تلك العشوائيات البشرية إلا من عدم وجود نظام تربوي إسلامي؟، هل يصلي هؤلاء، هل يصومون؟، هل يبرون ويصلون رحمهم، هل يصدقون في قولهم ووعودهم؟، هل يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟، هل يشعرون بالوطن والوطنية؟، هل لديهم نخوة وشهامة الرجولة النابعة عن عقيدة محبة الله ورسوله؟، ولابد أن يعرف الغني واجبه تجاه الفقير فذلك من الشريعة، ولابد أن نعرف معنى الإخلاص، وأنه ليس اختيارا لهذا بينما يزهد عنه ذاك.
تلكم وغيرها هي الشريعة التي يجب أن يعمل المجتمع على تطبيقها، فلابد أن تنطبق على الجميع، ولابد أن يحظى بها الجميع وفق برامج مخططة تتكاتف فيها كافة أجهزة الدولة، [تربية وتعليم، إعلام، أزهر، أجهزة الإدارة التنفيذية]، تلكم هي الشريعة المفقودة في الفهم السلفي والإخواني.
أما الجانحين فلهم العقوبات التي يجب أن يفهم أولئك أنها سقف للعقوبة وليست الحد الأدنى للعقوبات، فقطع يد السارق هو الحد الأقصى لجريمة السرقة، فليس كل سارق تقطع يده مهما سرق نصابا أو غيره، لابد أن نفهم الشريعة ونتفق عليها، ولابد أن نعلم أن فقه الفقهاء في تقسيم الجرائم إلى جرائم التعزير وجرائم الحدود، إنما هو تقسيم جائر تحول معه فقه العقوبات ليكون أسيرا لفقه ساذج وجائر وغير موضوعي بل وخارج عن الفهم الصحيح لدلالات الآيات.
لذلك ما أحوجنا أن نتفق فكريا وفقهيا قبل أن نقول تعبير تطبيق الشريعة، ولابد أن نتعلم أن الإسلام لا ينحصر في فهم فئة أو مذهب دون غيره، فتلك نرجسية ذمها الله ورسوله، نربأ بكل الناس أن تنزلق إليها، وتدبروا قوله تعالى [ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون] آل عمران.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي
ملف مرفق 10343