السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في محاولة لاسترجاع حق اللغة العربية المهضوم , و تطبيقاً للشطر الأول من اسم المنتدى العزيز ( عرب هاردوير )
سأبذل جهدي بإذن الله لشرح بعض القصائد من تراثنا الأدبي ,, لأن الشعر دائماً تكون به ألفاظ منتقاة بعناية وهذا يساعد على تقويم اللسان ... وزيادة الفهم للمعاني والألفاظ الفصيحة .

أقدم لكم أخواني الكرام هذه القصيدة الرائعة للشاعر ,,, أبو العلاء المعري واسمه أحمد بن عبد الله بن سليمان ( 363-449 ) وشعره من أفضل الشعر في العصر العباسي ( باستثناء بعض الشطحات التي عنده ) .

وهذه القصيدة من أعظم قصائد الرثاء في تراثنا العربي القديم والحديث , والشاعر هنا يتكلم عن الموت والحياة وينظر إليها نظرة الفيلسوف الحكيم .

وفي هذا الموضوع بإذن الله , سآخذ في كل مرة بعضاً من هذه القصيدة و أشرحه إلى أن نفرغ منها بإذن الله .



___نبدأ على بركة الله ________

يبدأ أبو العلاء قصيدته بطرح الفروق بين الموت والحياة فيذكر أن الحياة كالموت , والغناء كالبكاء . يقول :
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي *** نوح باكٍ ولا ترنم شاد

ثم يقول أن صوت نعي الميت والبكاء عليه عند وفاته شبيه بصوت البشير الذي يبشر به عند ولادته في كل الأماكن والمجالس , ويشبّه الصوتين والتشابه بينهما بصوت الحمامة عندما تنوح فوق الأغصان , فنحن لا نعلم أحزينة هي أم سعيدة :
وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِي *** س بصوت البشير في كل ناد
أبَكَت تلكم الحمامة أم غ *** نّت على فرع غصنها الميّاد

ثم يقول : يا عاقل و يافهيم! إذا كانت قبورنا نحن في حاضرنا تملأ الأرض الرحبة وفي كل مكان !! فكيف بقبور الذين سبقونا ؟؟ لا شك أن الأرض عبارة عن مقبرة كبيرة ! :
صاح هذي قبورنا تملأ الرُح *** بَ فأين القبور من عهد عاد

ثم يقول لك أيها الحافظ لتراث أبائه وأجداده ألا يجدر بك أن تحترم رفاتهم وتقدر بقاياهم فقبيح بك أن تهينهم و إن طال العهد ,,, وأقل ذلك أن تخفف من وطئك على الأرض فلا أظن ترابها إلا من أجساد أسلافك الذين سبقوك :
خفف الوطء ما أظن أديم ال *** أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدُم العه *** د هوان الآباء والأجد
اد


ثم يذكر لك حلاً لذلك , فيقول لك : إن استطعت أن تسير في الهواء على مهل فافعل , بدلاً من أن تمشي باختيال على رفات وبقايا العباد !! :
سر إن اسطعت في الهواء رويداً *** لااختيالاً على رفات العباد

ويقول في البيت التالي : رب لحد قد صار لحداً عدة مرات حيث وضع فيه ميت وبعد فترة وضع فيه ميت آخر وهكذا ... حتى إن اللحد نفسه ليضحك من كثرة من مر عليه من الأموات المتضادّين في الصفات مابين صالح وطالح وخير وشرير وذكي وأحمق وكريم وبخيل ... الخ , ويقول أيضاً أنه قد يدفن جسد في بقايا جسد سابق على مر العصور والسنين :
رُب لحدٍ قد صار لحداً مرارا *** ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
ودفينٍ على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد

وبعدما بين لنا الشاعر أن تراب الأرض ماهو إلا بقايا من سبقونا , يحثنا هنا على سؤال الفرقدين وهما : ( نجمان في بنات نعش الصغرى " الدب الأصغر " ) , عن الأقوام والجماعات التي أقامت وارتحلت قبلنا , وعن البلاد التي أبصراها على مر الزمن , ويقول لك أيضاً إسألهما كم مرة مر عليهما منظر غروب الشمس وكم من مرة أنارا للسائرين في الظلمات واهتدى بهما التائهون في الصحراء السوداء ؟! :
فاسأل الفرقدين عمّن أحسّا *** من قبيلٍ وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار *** وأنارا لمدلج في سواد

وفي البيت التالي يفجر الشاعر الحكيم قنبلة , حيث يقول أن الحياة الدنيا كلها تعب وشقاء , و أعجب شيء يحصل فيها هو حب الناس لها ورغبتهم في الزيادة منها مع أن كلها شقاء وتعب :
تعبٌ كلها الحياة فما أع *** جب إلا من راغبٍ في ازدياد

ثم يوضح لنا الشاعر بعد ذلك أمراً مهماً يدل على أن الحياة كلها تعب وعناء , فيقول إن الإنسان عند وفاته يحزن عليه الناس حزناً أضعاف ما سعدوا به عند ولادته :
إنّ حزناً في ساعة الموت أضعا***ف سرورٍ في ساعة الميلاد

وهنا ينتقد الشاعر على الأقوام التي تظن أن الناس قد خلقوا للفناء و أن الموت هو المحطة الأخيرة وأنهم لن يبعثوا . ويقول لهم: أن الناس إنما ينتقلون من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة والتي إما أن تكون دار سعادة وإما أن تكون دار شقاء .
خُلق الناس للبقاء فضلّت *** أمة يحسبونهم للنفاد
إنما ينقلون من دار أعما *** لٍ إلى دار شِقوة أو رشاد


ثم يشبه الشاعر الموت بالنوم , والعيش بالسهر . فيقول أن ضجعة الموت إنما هي رقدة يستريح بها الجسم من الحياة التي هي مثل السهر المؤرّق وهو السهاد :
ضجعة الموت رقدة يستريح ال *** جسم فيها والعيش مثل السهاد

_____________________________

انتهى الجزء الأول بحول الله وقوته ,,, وفي المرة القادمة سنأخذ أبياتاً أخرى بإذن الله ...