د.عباس الشامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
في الأحداث الأخيرة يتبين للشعوب العالم عامة ولشعوب العالم العربي خاصة ، أن الثورات لا تعرف بلداً دون آخر ولا تعرف ديكتاتوراً دون أخر ، لكن سنة الله في هذا الكون هي التي تسري على كل الشعوب وعلى جميع الدكتاتوريين الذي سحقوا شعوبهم وأفسدوا وقتلوا وشردوا وقطعوا حتى لقمة العيش وهذا ما يقرره الله عز وجل (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) آل عمران26 ما حصل في تونس يجب الوقوف عنده طويلاً والغوص فيه ، ونبحث كيف حصل ، وبعد ذلك نرى هل من بريق أمل أن يحصل في سورية مثل الذي حصل في تونس الخضراء.
سأناقش في هذه الورقات العوامل والأسباب التي أدت لهذه الثورة الشعبية التونسية وهل من المرشح أن تقوم ثورة في سورية.
الخوف الجوع البرد ، الثلاثي المقيت ، هذا الذي حرك الشعب التونسي ليقوم بما قام ، الحياة والموت ، عندما يتساوى هذان المصطلحان في العقل البشري يمكن أن يتجه إلى أي مكان وتظهر طاقات هذا العقل ولا يمكن أن يوقفه شيء ، وما حصل مع الذي نسأل الله تعالى أن يغفر له ذنبه محمد البوعزيزي من إحراق لنفسه ، لأن الحياة تساوت مع الموت علماً أنه قد تخرج من الجامعة ومع ذلك منعوه أن يبيع خضروات على بسطة.
عوامل غليان الشعب التونسي للأسباب التالية:
1- تساوي الموت والحياة لأكثر من 25% من المواطنين التونسيين.
2- وجود الثراء الفاحش الذي يراه المواطنون بجلاء بين يدي 10% من الشعب.
3- إنسداد الأفق للتفكير عند المفكرين التونسيين.
4- الفساد الذي يراه الجميع في مديريات الشرطة ووزارة الداخلية ، وضياع بوصلة هذا الجهاز المهم في الدولة فبدلاً من أن يسهر ويحمي أمن المواطنين وأموالهم بل إنه هو جلّاد المواطنين سواءً جسدياً أو باختلاس أموالهم.
5- تشديد الخناق على ممارسة الشعائر الدينية ، وعلى المتديينين وزجهم في السجون ، وقتلهم إذ اقتضى الأمر.
6- فقدان الشعور بالنخوة والغيرة ، وأخص بهذا الشرف والعرض إذ إن آخر إحصائية تونسية رسمية قبل سقوط الطاغية أظهرت أن 60% من الشباب والشابات التونسيون يمارسون علاقات غير شرعية قبل الزواج.
7- تدمير الشعور بالدين أو بالوطنية أو بالولاء سواءً للدين أو للمجتمع.
8- فقدان الشعور بالإنسانية وكونه إنسان قبل كل شيء.
أما أسباب نجاح الثورة في إسقاط الطاغية فهي الآتي:
1- وجود الغليان لدى الشعب التونسي وذلك للأسباب التي ذكرتها سابقاً.
2- النزول إلى الشارع وعدم الخوف من السلطة لأن الحياة أصبحت مساوية للموت.
3- الصبر على الموت ، فقد قتل أكثر من ما يقارب 90 شخصاً ومع ذلك استمرت المظاهرات.
4- صبر الآباء والأمهات على قتل أولادهم.
5- خوف وزارة الداخلية من القتل ، وأما الذين كانوا يقتلون هم من الحرس الرئاسي (زبانية زين العابدين بن علي) والذي نصّب القناصون المتمرسون على القتل على أسطح المباني.
6- الجيش ، وما أدراك ما الجيش ، وهذا الذي صدم جميع الشعوب في الوطن العربي ، لم يتدخل مطلقاً في قتل المواطنون التونسيون ، بل حتى أنه إنسحب من العاصمة بعد إنتشاره بيوم.
7- إنذار قائد الجيش الجنرال رشيد عمّار للرئيس التونسي المخلوع أنه يجب عليك أن تغادر البلاد وقال له (( الشعب وصل إلى هنا ، فيتوجب عليك المغادرة)).
8- وقف الدعم الأوروبي والأمريكي لهذا النظام.
فهكذا حدثت الثورة التونسية ، والسؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لهذه التجربة أن تتحقق في سورية ؟ فهذا ما سأجيب عليه الآن:
سأبدأ بنقاش الأوضاع بسورية لمقارنتها مع أسباب غليان الشعب التونسي:
1- هل تساوت الحياة والموت في جزء من الشعب السوري؟
الجواب نعم ، وذلك للأسباب التالية:
أ- راتب 20% من المواطنون هو أقل من 7000 ليرة شهريا ، علماً أن إستأجار غرفة في أي منطقة في العاصمة السورية هو 3000 ليرة فأكثر وتكون بحالة مزرية جداً.
ب- راتب ما يسمون بالطبقة الوسطى والتي تمثل أكثر من 45% من الشعب السوري لا يتجاوز 15000 وهذا أيضا غير كاف بل إنه قليل جدا ، وهناك عوائل كاملة تضم 5 أفراد تعيش من هذا الراتب أقل من الكفاف.
2- الثراء الفاحش موجود والذي كان قبل عشر سنوات مليونيراً أصبح اليوم مليارديراً ، و كلما إزدت قرباً من زبانية ماهر الأسد أو من جماعة رامي مخلوف ، وحديثاً من عائلة أسماء الأخرس ، تزداد ثراءً بشكل سريع جداً وهذا الذي حصل مع ( محمد حمشو ) الذي كان مهندس كهرباء راتبه 9000 ليرة وفجأة صار يملك اصطبل فيه خيل قيمته 60 مليون ليرة ، وذلك لأنه أصبح قريب من ماهر الأسد.
3- المفكرون السوريون وضعهم كالآتي:
أ- داخل السجون.
ب- هاربون خارج سورية وهم الأغلبية من المفكرون.
ت- مصابون بأمراض نفسية وفصام شخصية لأنهم يقولون عكس ما يعتقدون.
4- الفساد في أجهزة الأمن والأجهزة التابعة لوزارة الداخلية ، الرشوى أصبحت من المسلمات لدى الشعب السوري لا يمكن أن تنجز أصغر المعاملات إلا برشوى وليست سرية لا بل علنية ولذلك هي من المسلمات ، من شرطي المرور إلى العسكرية والتجنيد إلى فروع المخابرات ، إلى مجالس البلديات و في العقارات ، وفي المحاكم حدث ولا حرج ، من محامين وقضاة ، والمحامي الشاطر هو الذي يعرف مداخل القضاة لتسليم الرشاوي وأتحدث عن المحاماة لأنني قريب من هذا الوسط ، حتى في محافظة القامشلي و محافظة درعا أجهزة الأمن السياسي أصدرت قانون بمنع بيع أو شراء العقارات إلا بدفع رشاوي لفرع الأمن السياسي في المحافظتين.
5- لا مجال للشك في أن التضيق على المتدينون أو حتى الذين يملكون حساً دينياً ضعيفاً هو حديث الساعة اليوم في سورية ، وما القرارات التي إتخذها وزير التعليم العالي و وزير التربية والتعليم و رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة وغيرهم عنا ببعيد.
6- حتى أنه زاد الأمر فالآن في السجون السورية من أعتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات وإلى الآن لم يقدموا إلى المحاكمة ولم يعرف لم هم مسجونون.
7- أما الشعور بالنخوة و الحرص على العرض فهذا يمكنني أن أتحدث عن فئة في المجتمع السوري هي فئة ليس كبيرة ولكنها في نفس الوقت ليس صغيرة ، نعم في بعض العوائل باعت عرضها بحفنة من المال ، وفقدان الشعور بالنخوة لا يتمثل فقط بما يحدث بعائلة المواطن لا بل يتمثل في رؤيته للكزينوهات في جرمانا أو حتى في مداخل داريا أو صحنايا أو على طريق دمر وقدسيا نعم هذا هو فقدان الشعور بالنخوة أو بمعرفة الشعب كاملاً بالفنادق التي تقدم المومسات والتي تسمى (استراحة) هذا كله يؤثر بشكل سلبي سواءً شعر به المواطن السوري أم لم يشعر بفقدان النخوة تدريجياً واستمراء الفقدان للعرض.
8- أما فقدان الشعور بالوطنية والولاء للدين أو الوطن حتى فهذا لا يمكن لأحد أن ينكره ، فلو كان هناك شعور بالولاء للوطن على الأقل لم يكن شرطي المرور ليأخذ رشوة ، ولم يكن لمأمور مخفر الشرطة أن يتحين الفرص ليأخذ من المواطن سواءً جاء ليشتكي أو يشتكى عليه.
9- هل المواطن السوري عندما يكون بالمطار يشعر بكونه إنسان فضلاً أن يكون في فرع للمخابرات.
هكذا أعتقد تقريباً أن عوامل قيام الثورة تونس هي مشابهة لعوامل قيام الثورة في سورية ، لكن السؤال الذي يُطرح هنا ، هل ستنجح الثورة في سورية كما نجحت في تونس بإسقاط الطاغية بشار وزمرته؟
كل ما كتبته سابقاً هو واقع قد حصل أما ما سأكتبه الآن فهو لا أعلمه ولكني سأطرح أسئلة وأما الإجابة فأتركها للشعب السوري وإذا تمت الإجابة بنعم فستحدث الثورة وإن كانت الإجابة بلا فلن تحدث إلا أن يشاء الله أمراً:
1- هل الغليان في الشعب السوري قد وصل إلى المستوى المطلوب؟
2- هل المواطنون السوريون لا يخافون من الأمن العسكري ولا من أمن الدولة ولا من الأمن السياسي ولا من الأمن الجوي ولا من فرع فلسطين؟
3- هل يستطيع المواطن السوري أن يصبر على قتل أخيه أو قتل أبيه قبل أن يصبر على قتل نفسه؟
4- هل يستطيع الأب والأم السورية بالتضحية بإبنهما في سبيل الله ؟
5- هل أفراد وعناصر وضباط الأمن العسكري في الأقبية وفي السجون لا يستطيعون أن يقتلوا أي مواطن سوري؟
6- هل أفراد وعناصر وضباط الأمن السياسي في الأقبية وفي السجون لا يستطيعون أن يقتلوا أي مواطن سوري؟
7- هل أفراد وعناصر ضباط أمن الدولة في الأقبية وفي السجون لا يستطيعون أن يقتلوا أي مواطن سوري؟
8- هل أفراد وعناصر فرع فلسطين سيء الذكر في الأقبية وفي السجون لا يستطيعون أن يقتلوا أي مواطن سوري ؟
9- هل أفراد وعناصر الأمن الجوي في الأقبية وفي السجون لا يستطيعون أن يقتلوا أي مواطن سوري ؟
10- هل الحرس الجمهوري بقيادة العقيد ماهر الأسد لا يستطيع أن يقتل المئات من المواطنين السوريين؟
11- هل سيقف الجيش السوري العتيد على الحياد ، أم أنه سيساهم في قتل المواطن السوري جنباً إلى جنب مع قوات الأمن؟
12- هل سيقف قائد الجيش السوري العماد داود بن عبدالله راجحة الدمشقي مثل موقف الجنرال رشيد عمار ، ويقول لبشار الأسد (( الشعب وصل إلى هنا فيجب عليك المغادرة )) ؟
13- هل سيقول ساركوزي لبشار كما قال لبن علي إذهب وابحث عن دولة أخرى؟
14- هل سيتوقف الدعم والتطمينات الإسرائيلية لبشار؟
هذا ما سأتركه للشهور المقبلة.
المفضلات