الطابور الخامس ...
كما جرت العاده ، ما أن تضع الحرب أوزارها حتى تنبري ابواق الطابور الخامس بكل مكرها وخبثها لتبث بين الناس أفكاره المسموه ، في محاولة لتلوين الواقع بالالوان اللتي تناسب أطماعهم ، فيستغلون الارقام والاحصائيات اللتي تنشر بعد كل حرب للتدليل على صحة توجهاتهم ، متفائلين أن يزرعوا في قناعات الناس وقت السلم ، ما لم ينجحوا بزراعته في وقت الحرب .
قوى الاستسلام في المنطقه ومن يساندهم من الطابور الخامس لم يدخروا جهدا في تثبيط المقاومة والمقاومين ، بل لم يردهم عرف أو دين عن إدانه المقاومه لرفضها تجديد الهدنه وعدم انصياعها لرغباتهم ، ولم تظهر حمرة الخجل على وجوههم عندما تساوى لديهم الجلاد والضحيه ، ولم يترددوا في إملاء الشروط الاسرائيليه على المقاومين وهم يتظاهرون بدور الوسيط الحيادي !
وإن من عاداتهم بعد الحروب ان يلبسوا ثوب الاخ الحنون على اخوته ، والحزين على ما اصابه، فلا غرابة ان يبدؤا بتعداد ما خسرناه في الحرب بسبب انفعلاتنا اللتي قادتنا اليها ، وليحصوا عدد الشهداء والجرحى واليتامى والثكالى والارامل ، وليحصوا عدد المساجد والكنائس المدمره ، والبيوت المهدمه ، والخراب الذي حاق بالبنى التحتيه ، ليصلوا من خلال حسبتهم هذه الى نتيجة مفادها ، أن هذه الحرب لم تجلب لنا غير الدمار والشنار ، وأن كل ما فعلناه بالعدو لا يعدو أن يكون خدشا او أقل ، وان صمودنا وقتالنا لم يكن الا مكابره على الالم ، وان دماء الشهداء اللتي سالت كان من الممكن تجنبها ، وان كل ما حاق بنا لم يكن لولا القرارات الرعناء الصادره من قادة المقاومه المتهورين واننا لو أطعناهم ما وصلت الامور بنا الى هذا الحد !
يتناسى أولئك إبتداء أن قطاع غزه كان محاصر سياسيا واقتصاديا حتى أثناء التهدئه المزعومه ، ويتجاهلون مطالب الشعب من الطعام واللباس والدواء، ظنا منهم أن هذه الاحتياجات تهطل على القطاع من السماء ، أو تنبع من الارض !
ثم يتناسون أيضا أن المقاومة نفسها اعترفت أنها لم تذهب للحرب ، ولكن فرضت عليها ، ويتناسون ايضا أن قرار المقاومه هو محل إجماع من كل القوى الفاعله على ارض غزه بما فيها فتح الانتفاضه ـ أي أنه قرار شعبي وليس قرار جماعه ما !
ولعل جهلهم بالتاريخ هو السبب في عدم معرفتهم ان كل حركات التحرر في العالم اتخذت من المقاومه سبيلا لها ، وان لا تحرير بلا مقاومه ، ولا حريه بلا شهداء ، وأن الكرامه أغلى من الدماء ، و أن الحقوق المغتصبه لا تعطى بل تنتزع .
من الابجديات اللتي يدركها اي عاقل ، أن من يقاتل عن عقيده لا يخيفه الموت ، ولا توهنه الحملات المسعوره في الفضائيات والصحف ، وان كل الأقلام المأجوره ، وعلماء السلطان وفتاويهم ، وكل من خطا خطاهم لا يرقون بأفعالهم إلى تثبيط المقاومين ، الا أنهم قد ينجحوا في بث روح الهزيمه وثقافتها في صفوف عامة الناس ، ومن هنا وجب علينا أن نسرد ولو على عجاله ما يدحض ادعائاتهم ويكشف زورهم وبهتانهم ، ويكفي لذلك تعداد بعض ما أحرزته المقاومه في المواجهه الاخيره ، فعلى سبيل المثال لا الحصر :
1-بالمفهوم العسكري ، كل حرب لا تحقق أهدافها فهي حرب خاسره .
والاهداف الصهيونيه ( المعلنه ) من الحرب كانت إضعاف حماس وشل قدرتها على اطلاق الصواريخ ، اما أهداف المقاومه فكانت وبكل بساطه ، أن لا تحقق اسرائيل أهدافها .
وما حدث أنه وبعد 21 يوما من الحرب ، وجدت اسرائيل نفسها محصوره بين ازدياد شعبيه حماس في الداخل والخارج ، وبين صواريخ تنطلق بشكل يومي من غزه حتى أخر يوم من الحمله ، وبالتالي فهي بالمفهوم العسكري قد فشلت فشلا ذريعا .
2-ان الجيش الذي هزم الجيوش العربيه مجتمعه في 1948 و 1967 لم يعد قادرا على هزم مجموعة من المقاتلين باسلحه خفيفه وتجهيزات بدائيه ، وأن الدوله اللتي استولت في ستة ايام فقط عام 1967 على ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف مساحتها ، لم تستطع ان تستولي على قطاع غزه والذي لا تتعدى مساحته 360 كم مربعا ، وهذا كله مفاده أن اسرائيل الأمس هي ليست اسرائيل اليوم .
3-تشير استطلاعات الرأي الاخيره أن الصمود الاسطوري للمقااومه جعل الشارع الفلسطيني والشارع العربي يلتفان حول المقاومه أكثر من أي وقت مضى ، وبالتالي ارتفاع رصيد الثقه في حركات التحرر والذي يقابله تدنيها في حركات الاستسلام العربي .
4-كذلك من نتائج الحرب ، إحياء الأمل والثقه في الشارع العربي ، والذي انتفض من أقصاه الى أقصاه لنصرة المقاومه ، انتفاضته هذه بابعادها لم نرها حتى يوم قُصف العراق وتم احتلاله ، والمظاهرات التي سُيّرت في بعض البلدان ممن تمنع التظاهر ، فالسعوديه والامارت والجزائر تشهد بذلك .
5-التفاف العلماء في شتى اللبلدان العربيه والاسلاميه حول المقاومه واصدارهم بيانات جماعيه تجًّرم المحتل ومن أعانه ، لم نشهدها حتى يوم أحتل العراق !
6- إن اسرائيل بعدوانها الغاشم خسرت ثمار عدة اعوام من الاعلام الكاذب والهادف الى تبييض صورتها امام العالم ، فالتعاطف الدولي في دول كثيره كتركيا وفنزويلا ، إضافة الى مطالبات جمعيات حقوقيه ونواب برلمانيين في عدة دول غربيه بوقف العدوان ووضع حد لاسرائيل يبين لنا ان اسرائيل وربما للمره الاولى في تاريخها تخسر اعلاميا في التستر على حربها ، مما سبب لها إحراج عالمي ، فخروج مظاهرات في عواصم اوربيه مثل لندن وبرلين وباريس هي اشارات تدل على ذلك ، كما أن اقتحام ناشطين في لندن لمعمل اسلحه بسب دعمه لاسرائيل ، واضرابا حدث في مرفأ باليونان بسبب استخدامه لشحن اسلحه امريكيه الى اسرائيل ، ومطالبة نواب ودكاتره بريطانيين بمحاكمة اسرائيل ومعاقبتها اقتصاديا إضافة الى سعي عدة دول مثل بوليفيا وتركيا الى محاكمه القاده الصهاينه بتهمة جرائم حرب هي مدلولات كبيره على تغيير في التوجه العالمي اتجاه القضيه الفلسطينه ، هذه المدلولات لا تعكس اتساع الوعي العالمي بعدالة القضيه الفسطينيه فحسب ، بل تعطينا دلالات حاسمه بصحة اختيار المقاومه كسبيل للتحرر ، فالمفاوضات خلال أكثر من سبع سنوات مضت لم تنجح في حشد كل هذا التأييد العالمي للقضيه الفسطينيه .
7-حرب غزه أماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لعصابة محمود عباس ، والذي حمل مسوؤلية العدوان للمقاومة من اليوم الاول ، ظنا منه أنه سيعود الى غزه على ظهر الدبابه الاسرائيليه ، إلا ان الميدان كان له حسابا أخر، حسابا دفع بالرئيس الفسطيني المنتهيه ولايته الى الانحشار بالزاويه حتى بدأت تتفلت الخيوط من يده واحد تلو الاخر ، فهو بغبائه السياسي يعتبر من الناحيه السياسه بحكم المنتحر !
8-خروج الاردن من محور الاعتدال ، على الرغم من أن هذا الخروج لم يكن حبا بالفلسطينيين ولا دفاعا عن القضيه الفلسطينيه ، الا أنه يشير الى وجود تصدع في ذلك المحور .
9- انتشار روح المقاومه وثقافتها في الشارع العربي بديلا عن ثقافة الضعف والاستكانه ، هي هديه قدمتها اسرائيل للعرب على طبق من دماء الفلسطينين ، وستدفع مستقبلا ثمنا باهظا لهديتها .
10-ومن اهم النتائج اللتي ظهرت على المستوى الرسمي ، هي دعوة واصرار أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني الى قمة عربيه ، رفضتها دول محور الاعتلال متعللة بحجج واهيه .
هذه القمه ادت الى انقسام النظام الرسمي العربي الى شطرين ، وللمره الاولى يكون في انقسام القاده العرب خير ، كيف لا إذا كان الانقسام ينم عن تغيير ايجابي في المواقف العربيه ، فمحور الممانعه ، أو لنقل ، محور دعم المقاومه أتسع على حساب محور الاعتلال ، والقرار الجريء الذي اتخذته الدول العربيه بالمشاركه في القمه كشف ورقة التوت عن عورة الانظمه العربيه المتخاذله ، وأدى الى تمايز واضح بين من اختار السلام ، ومن اختار الاستسلام .
كما ان مشاركه قوى المقاومى الفلسطينيه في القمه كان رساله واضحه للعالم باعتراف الدول المجتمعه بتلك المعارضه المدرجه على لوائح الارهاب العالميه .
كل ما سبق ذكره ، هو نتائج ملموسه على ارض الواقع او في المستقبل القريب جدا ، ناهيك عن النتائج المترتبه على المستويين المتوسط والبعيد .
نكتفي بما ذكرنا للتدليل على أهمية ثبات المقاومين ، وان دماء الشهداء لم تذهب سدى ، لا نريد لأحد أن يفهم من كلامنا أننا ندعي بأن معركة غزه حققت كل ما يحلم به المواطن العربي ، ولكننا نقول أنها على الرغم من حجم الجرح وفداحة الدمار ، خطوه صحيحه في طريق النصر ، فلن نسمح لأحد ان يقلل من شان المقاومه أو أن يبخسنا نصرها ، وليذهب الطابور الخامس بأفكاره المتخاذله ليرتمي في حضن الصهاينه ، فلن يجد لدينا بعد اليوم ذلك الحض الدافئ الذي اعتاد منا .
شكرا غزه ...
شكرا لكل المقاومين ...
شكرا لكل العلماء الذين قالوا كلمة الحق رغم جور السلطان ...
شكرا يا امير قطر على اصرارك لعقد القمه ، ولكل المشاركين لها ...
شكرا للجزيره والاقصى و كل من احتضن المقاومه اعلاميا ...
شكرا سوريا على احتضان قادة المقاومه ورموزها ....
وشكرا لكل الأحرار الذين وقفوا معنا في قضيتنا ...
المفضلات