أسمرنا أجمل من أسمرهم!
تحكمت فينا ثقافة وعاطفة ربات البيوت واستقبلنا الخطاب علي طريقة «والله دا راجل طيب، ده أنا حبيته، شفتيه وهو بيقرا قرآن كان عسل»!!طالما الحكاية كده والنخبة المصرية تعاملت بثقافة ربات البيوت مع باراك أوباما حيث انبهروا به حين نطق باللغة العربية جملة: «السلام عليكم» وطالما مجموعة البكوات الذين جلسوا أمام خطاب أوباما وهتف أحدهم له: (I love you obama) (أنا أحبك يا أوباما) وكأنه النسخة السوداء من بطل مسلسل «الجريء والجميلات»

وهناك عدد لا بأس به من محللي البرامج التليفزيونية الذين يذيعون ضحالتهم بمنتهي الفخر اعتبروا أن أوباما فعل ما لم يفعله الأوائل وأنه أثبت احترامه للدين الإسلامي، وقد أشاد أحدهم بأن أوباما خلع حذاءه «نعليه» في مسجد السلطان حسن وكأنها «مكرمة» من أوباما وكأننا كنا سنسمح له مثلاً بألا يخلع حذاءه في الجامع؛ لكن هذه الإشادة بخلع الحذاء جزء طبيعي من غياب العقل الذي كان حاضرًا في الرحلة كلها (!!)

وكنت قد تلقيت رسائل وسمعت شيوخًا من الساسة العرب يقولون الرأي المشين والمهين نفسه وأن أوباما لو رشح نفسه في أي دولة عربية فسيحصل علي الأغلبية.



خلاص تاهت ولقيناها: لماذا لا ترسل لنا إسرائيل رئيس وزرائها ليقف ويخطب في قاعة الجامعة أو أي قاعة ويضرب كلمتين عربي علي تلت أربع آيات قرآنية وعددًا من الأحاديث النبوية ويؤكد لنا أن إسرائيل لا تحارب الإسلام بل العكس هي تحبه وأول ما بتسمع القرآن في إذاعة رام الله تقوم تدمع فورًا، وأن إسرائيل تضم أكثر من مليون مسلم يؤدون الشعائر في أراضيها بمنتهي الحرية ولديها ألف مسجد، وأنها تمد يدها لتفتح صفحة جديدة، ساعتها يهتز قلب الأمة الساذجة ويضطرب وجدانها تأثرًا ويقولون الغث ذاته الذي قالوه عن أوباما من نوعية هذا الرجل يحبنا ويحترمنا وقال إن الإسلام حلو. وللمفارقة المذهلة فإن هذه الأمة المدعية التي تعتقد أنها تدافع عن إسلامها وهي أكثر من يسيء إليه كانت في منتهي السماحة مع أوباما،

والرجل المسلم بالولادة الذي عمد نفسه وتنصر وهو في مطلع شبابه بينما لا يطيق شيوخنا البواسل أي مختلف معهم في الرأي ويسارعون باتهامه بالردة مطالبين بإقامة الحد عليه.

هذا هو الرجل الذي فرحت نخبة ربات البيوت بخطابه الذي كان خطابًا في الانتصار لإسرائيل وللدولة اليهودية واعترافًا بحق إسرائيل في الأرض المحتلة، الخطاب الذي دافع عن احتلال أفغانستان وقال إنها حرب كان لابد منها ووعد أوباما فيما يخص احتلاله العراق ورمي علينا فقاقيع عن الدولة الفلسطينية المزعومة لقد وجد فينا من باركه وهنأه وناصره وحياه وحباه ومدحه وتغزل فيه وتعاطف معه ورفعه لمنزلة العظام ووضعه علي قمة التاريخ، كل هذا مقابل خطاب متناقض ومرتبك ومليء بالنفاق دون أن يفعل شيئًا ولا أن يعد بشيء واضح واحد!

كيف يمكن أن تصبح أمتنا هكذا قشرية سطحية هشة مضحوكًا عليها ينصبون عليها بكلمتين؟! لقد بدا أوباما وكأنه يفعل ما فعله الرئيس أنور السادات حين قرر أن يذهب إلي آخر العالم من أجل السلام فذهب إلي تل أبيب وخطب في الكنيست مخاطبًا الشعب اليهودي.. والحقيقة أن خطاب الرئيس السادات كان رائعًا وبليغًا وقويًا بل مكتوبًا بصياغة غير منافقة كما كتبوا خطاب أوباما ولم يرقص خطاب السادات علي كل الحبال بل كان أوضح وأنصع وأفصح! كان أسمرنا أجمل من أسمرهم!

ماذا فعل الإسرائيليون أمام خطاب السادات التاريخي بحركته المذهلة؟ هل صفقوا ثم انهالت دموعهم وانهارت تنازلاتهم؟ أبدًا لم يفرق معهم الخطاب شيئًا بل استنزفوا السادات وأهلكوا طاقته ولم يتنازلوا عما لا يريدون التنازل عنه وكسبوا من الصلح المنفرد مع مصر ما لم يكن يحلمون به منذ قيام كيانهم الصهيوني. أما نحن فقد تحكمت فينا ثقافة وعاطفة ربات البيوت واستقبلنا الخطاب علي طريقة «والله دا راجل طيب، ده أنا حبيته، شفتيه وهو بيقرا قرآن كان عسل»!!

لكن اللافت للنظر هنا هو ذلك الاستقبال الحميم من الإخوة العلمانيين المصريين لخطاب أوباما رغم أن ما فعله أوباما من اللحظة الأولي هو خلط الدين بالسياسة واستخدام الدين بل التجارة به وهو موقف ومنهج يخدش العلمانية ويضربها في أعز ما تملك وهو فصل الدين عن الدولة. السؤال فعلاً: أليس فيما فعله باراك أوباما نفس الدمج أو المزج بين الدين والسياسة الذي احترفه جورج بوش واليمين الأمريكي؟ وبصرف النظر عن الاستخدام اللين والمهدئ عند أوباما والاستخدام الغليظ عند بوش فإن الاثنين تعاملا مع العالم الإسلامي دون ذرة من العلمانية!

عمومًا خطاب باراك أوباما لم يفلح في شيء قدر نجاحه في كشف الدونية والإحساس بالنقص عند أطياف من العرب والمصريين.. وكأنها ناقصة!!