حصل لي أمر غريبة البارحة استوقفتني وجعلتني أشعر ببعض السعادة فحبيت أن أحكي لكم عنه.

بحكم عملي كمترجم أتعامل مع أكثر من شركة عاملة في هذا المجال
بنظام الfreelancer، ولكنني كنت متوقفاً عن الخوض في هذا الطريق
منذ فترة لانشغالي التام في عملي الصباحي الدائم في شركة ترجمة أيضاً،
ولكن مع قرب انتهاء فترة الضغط (شهر رمضان المبارك) بدأت حدة العمل في الانحسار مما جعلني أفكر في العودة مرة أخرى
للعمل الحر في وقت الفراغ.

المهم
تعرفت عن طريق صديق على شركة جديدة في المجال طلب منه صاحبها
أن يحدثني لكي أتعاون معه في العمل،
فوافقت على الذهاب إلى تلك الشركة لاستطلاع الأمر
والاطلاع على نوعية الملفات التي سيطلب مني ترجمتها،
ولكن لأن هذه الشركة تقع في منطقة مزدحمة بالمهندسين ويصعب فيها
العثور على مكان لترك سيارتي ففضلت استقلال سيارة أجرة.


وبالفعل ذهبت عقب انتهاء عملي إلى المهندسين وتركت سيارتي
في موقف هناك ثم استوقفت سيارة أجرة، ولكن بعدما ركبت
سألت السائق إن كان يعرف المكان الفلاني فقال لي لا،
وبما أنني لا أعرفه أيضاً فقد شكرته ونزلت ثم أستوقفت سيارة ثانية
وتأكدت أولاً من معرفة سائقها للمكان قبل أن أركب... وبالفعل وصلت بحمد الله
إلى المكان المنشود، وعندما هممت بالنزول ودفع أجرة السيارة
فوجئت بأن حافظة نقودي قد اختفت!!!


لحظتها أدركت ما حدث، فقد اعتدت ألا أضع حافظتي في جيب بنطالي
بل أظل ممسكاً بها في يدي دائماً وعندما أركب سيارتي
أضعها على المقعد المجاور لي، وهذا بالضبط ما فعلته في سيارة الأجرة الأولى
التى نزلت منها!!


ولكن أسعفني الحظ لأنني كنت أحمل بعض النقود في جيبي
فدفعت أجرة السائق وصعدت إلى الشركة وأنا لا يسيطر على بالي
إلا أنني سأضطر للف والدوران على المصالح الحكومية
لاستخراج بدل فاقد للبطاقة ورخصة القيادو ورخصة السيارة و و و و،
وهذا ما جلعني أشعر بالهم الشديد، حتى عندما قابلت صاحب الشركة
التي ذهبت إلى زيارتها لم أستطع أن أكمل الاجتماع
وتركته على وعد بزيارة أخرى بعد يومين.


هرعت عائداً إلى مكان استقلالي لسيارة الأجرة الأولى
وظللت أبحث على الأرض وأسفل السيارات المتوقفة هناك
علني أجد شيئاً ولكن لم يحافني الحظ وأسقط في يدي
فركبت سيارتي وعدت إلى بيتي وأنا أحمد الله على ما حدث
وأرجو منه أن يعينني في الألف مشوار التي سأضطر للقيام بها
خلال العشرة آلاف سنة القادمة لاستخراج بدل فاقد لكل أوراقي الضائعة
في الحافظة المفقودة.


ولكن.

اليوم وأنا في مكتبي صباحاً تلقيت اتصالاً من شخص لم أتحدث معه منذ أعوام،
لأفاجأ به يخبرني بأن فلاناً اتصل به وقال إنه عثر على حافظتي
ولم يستدل علي فبحث بها حتى وجد بطاقة تعريف بذلك الذي اتصل بي
فهاتفه على الفور لكي يبلغني برقمه لأتصل به، ففعلت...



قال لي إن اسمه أحمد وإنه من السيدة عائشة!! وإنه عثر على حافظتي
في اليوم السابق داخل سيارة أجرة ويود أن يقابلني ليعيدها لي،
وبالفعل ذهبت إليه في قلب القاهرة القديمة (مكان لا يسعني أن أصف حبي له بجوار جوامع القاهرة الفاطمية وعبق التاريخ والزمن البائد)
وما هي إلا لحظات حتى ظهر شاب تعلوا وجهه ابتسامة
واقترب مني وصافحني ثم سلمني الحافظة وظل واقفاً ينتظر مني
أن أنظر بداخلها لكي أتأكد من أن كل شيء في مكانه، ولكنني بالطبع
لم أفعل بل ظللت أشكره وأحاول مصافحته ولكنه ظل يبتعد ويقول
"اتأكد إن كل حاجة في مكانها الله يخليك" وظل يصر على ذلك
حتى فعلت، وما أن فعلت حتى انطلق مبتعداً لكي لا أحاول أن أعطيه أية مكافأة
أو أن أطيل في شكري له!!


سبحان الله، من المهندسين إلى السيدة عائشة وبعدها بيوم كامل،
ويستقل بعدي سيارة الأجرة شخص بهذه الأمانة!! لقد استوقفني ما حدث
لأفكر ملياً، كم أود أن أعثر على أحمد مرة أخرى لكي أشد على يده
وأن أطلب منه أن يكون أخاً وصديقاً لي،
لأن ما رأيته منه يندر أن يحدث في هذا الزمان...


صحيح، الدنيا لسة فيها خير