بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
هذه ثاني مشاركة لي في هذا القسم الذي أسأل الله أن يجعله مباركاً ويكتب له القبول بين عباده المؤمنين اللهم آمين
وأحببت أن تكون مشاركتي هذه هي ضمن سلسلة مشاركات إن كتب الله لي البقاء تحت عنوان "قصة قصيرة" نأخذ منها العبرة والعظة وأخترت أن تكون القصة قصيرة في وقت قصرت فيه الهمم عن القراءة نسأل الله التوفيق والسداد
ونسأله سبحانه الإخلاص في القول والعمل و حسن الخاتمة والثبات على الحق إلى أن نلقاه وهو راضي عنا آمين
قصة قصيرة (1)
أسلم تسلم
في العام السادس من الهجرة كانت قد مرت بالمسلمين ظروف وأحداث إنتهت بالهدنة مع قريش وطرد المسلمين لليهود من المدينة حيث :
تم عقد صلح الحديبية فكان بداية طور جديد في حياة الإسلام ، والمسلمين ، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام ، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام ، انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة – قريش وغطفان واليهود – .
أما اليهود فقد كانوا جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب – في الغزوات الثلاثة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة – وكراً للدس والتآمر حول المدينة .
وبهذا أتيحت الفرصة الكبيرة للمسلمين ، لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها في ربوع الدنيا ، وفعلا قد تضاعف جهد المسلمين في هذا المجال ، وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري ، على خلاف المرحلة أو الفترة التي تسبق تلك المرحلة .
وهنا نتناول لفتة طيبة من موضوع مكاتبة الملوك والأمراء ، ففي أواخر تلك السنة حين رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام .
ولما أراد أن يكتب إلى هؤلاء الملوك قيل له : إنهم لا يقبلون بالكتاب إلا وعليه خاتم ، فاتخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) خاتماً من فضة ، نقشه : محمد رسول الله ، وكان هذا النقش ثلاثة أسطر : الله السطر الأول ، رسول السطر الثاني ، محمد السطر الثالث هكذا :
الله
رسول
محمد
واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة ، وأرسلهم إلى الملوك ، وكان من بين تلك الكتب ، الكتاب إلى قيصر ملك الروم .
روى البخاري ضمن حديث طويل نص هذا الكتاب الذي كتبه النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ملك الروم هرقل ، مع بعض التفاصيل المثيرة والتي نحن بصدد الوقوف مع لطيفة منها حيث :
اختار النبي (صلى الله عليه وسلم) لحمل هذا الكتاب الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي ، والذي نصه :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمين) " .
وأمره أن يدفع بهذا الكتاب إلى عظيم بصرى ، ليدفعه إلى قيصر ، وهنا تفاصيل كثيرة ومثيرة يضيق المقام عن ذكرها وحتى لا نخرج عن العنوان الذي فرضناه على أنفسنا "قصة قصيرة" سأذكر ما يخدم القصة ويجعل السياق متصلاً .
فدفع دحية بالكتاب إلى قيصر ملك الروم فقرأه القيصر ، وكان القيصر سقفاً كما جاء في نص حديث البخاري " وكان ابن الناطور – صاحب إيلياء وهرقل – سقفاً على نصارى الشام – رئيس دين النصارى - " أي فاهم لدينه دارساً لكتبه عارف بالنبي الذي يختم به وأنه سيخرج .
كما أنه كما روى البخاري عن ابن عباس ، كان أبو سفيان بن حرب هناك فدعا به هرقل ودار بينهما حوار طويل إستدل منه هرقل على صدق نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) ، قال له في آخر هذا الحوار كما جاء في نص حديث البخاري لأبي سفيان " فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه – أي تكلفت الوصول إليه - ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه " .
كما أنه كما روى البخاري ، كان له صاحب برومية وكان نظيره في العلم ، أرسل له يسأله عن هذا الأمر ، فأتاه كتاب صاحبه وهو في حمص يوافقه الرأي على أن هذا الرجل هو النبي المنتظر .
وبهذه الأمور الثلاثة إستقر في نفس هرقل الأمر وتأكد منه ، وقرر دخول الإسلام ، الله أكبر لكن ماذا حدث بعد ذلك ...
جاء في نص حديث البخاري : " فأذن هرقل لعظماء الروم – كبار القوم وكانوا على دين النصرانية – في دسكرة له بحمص – ليدخلوا عليه في قصر حوله بيوت - ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم اطلع فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب – أي نفروا يريدون أن يخرجوا – فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت . فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن هرقل " خاف على ملكه وآثر الفانية على الباقية فمات شر ميتة مات على الكفر نسأل الله حسن الخاتمة .
لم تنته القصة بعد فأين اللطيفة التي وعدت أن أذكرها ؟؟؟
ذكر ابن حجر في شرح الباري شرح صحيح البخاري ما نصه : " عن بعض أهل العلم أن هرقل قال : ويحك ، والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ، وكني أخاف الروم على نفسي ، ولولا ذلك لاتبعته ، لكن ... وهنا اللطيفة فتأمل
لو تفطن هرقل لقوله (صلى الله عليه وسلم) في الكتاب الذي أرسل إليه : " أسلم تسلم " وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة ، لسلم لو أسلم من كل ما يخافه – قلت ووالله لثبت الله ملكه – ولكن التوفيق بيد الله تعالى " أنتهى من فتح الباري .
قلت وهذا ما أردت أن نخرج به من تلك القصة إن الفلاح كل الفلاح في طاعة الله عز وجل إمتثال أوامر النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فكم يأتينا من أمر من أموره الشريفة (صلى الله عليه وسلم) صغير أو كبيراً ويأتينا الشيطان ويخوفنا ونفوسنا تجعلنا نميل للدنيا ، ونظن أنه ربما يأتي منها الضرر ، وكلا والله وتالله بل من أراد النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة فعليه بطاعة الله جل جلاله وإمتثال أوامر النبي (صلى الله عليه وسلم) ففيه فلاح الدنيا والآخرة .
أخيراً أقول لنفسي ولكم ... أسلم تسلم
والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل
أخوكم الفقير إلى عفو ربه المنان
أبو عائشة المصري
CCNAInstructors
المراجع :
الرحيق المختوم
فتح الباري شرح صحيح البخاري
المفضلات