بقلم: أحمــد بهجــت

الطريق إلي المدينة
مرت ثلاث ليال علي مبيت الرسول عليه الصلاة والسلام في الغار‏,‏ وخمد حماس المشركين في الطلب‏,‏ وتأهب الرسول وصاحبه لاستئناف رحلتهما الصعبة‏,‏ وجعلت قريش جائزة لمن يحضر الرسول وصاحبه وأعانتهما مهارة الدليل المشرك علي سلوك دروب لم تعتدها القوافل‏,‏ ثم اطلق الزمام للرواحل فمضت تصل النهار بالليل‏.‏
رمي بصدور العيث فخرق الصبا
فلم يدر خلق بعدها اين يمما‏.‏

ومر الركب الكريم علي حي مدلج بصر بهم رجل من الحي فقال لقد رأيت علامة بالساحل ما أظنها إلا محمدا وصاحبه‏.‏

وفطن سراقة بن مالك ورغب أن تكون الجائزة له خاصة‏,‏ فقال ـ بل هم فلان وفلان قد خرجوا لحاجة لهم‏,‏ ثم مكث قليلا‏,‏ ثم قام فدخل بيته‏,‏ وقال لخادمه اخرج بالفرس من وراء الخباء وموعدك خلف الاكمة‏.‏

قال سراقة لقد اخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت وانا احط برمحي الارض حتي اتيت فرسي فركبتها فدفعتها حتي دنوت من المطاردين فعثرت بي الفرس فخررت عنها فقمت‏.‏

وامتطي سراقة فرسه مرة اخري وزجرها حتي اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه فكان ابوبكر يكثر الالتفات يتبين هذا العدو الجسور فلما دنا عرفه فقال لرسول الله صلي الله عليه وسلم وكان ماضيا الي غايته ـ هذا سراقة بن مالك قد رهقنا‏,‏ وما اتم كلامه حتي هوت الفرس مرة اخري ملقية سراقة من علي ظهرها‏,‏ فقام معفرا ينادي بالامان‏.‏

وقع في نفس سراقة أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق فاعتذر اليه وسأله أن يدعو الله له‏,‏ وعرض عليهما الزاد والمتاع فقالا ـ لا حاجة لنا‏,‏ ولكن عم عنا الطلب‏,‏ فقال ـ لقد كفيتم‏,‏ ثم رجع فوجد الناس جادين في البحث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه‏,‏ فجعل لا يلقي احدا من الطلب إلا رده وهو يقول ـ كفيتم هذا الوجه‏.‏ وهكذا اصبح اول النهار جاهدا عليهما‏,‏ وامسي آخره حارسا لهما‏.‏