قرآن وسنة

د. عبد الله النجار

في القرآن الكريم إشارة لطيفة إلي ما يُقال إنه سيقع بعد عقود قليلة بسبب ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات من جراء ارتفاع الحرارة الناشيء عن ثقب "الأوزون". حيث ستغمر المياه مساحات كبيرة من أطراف اليابسة في البلاد المطلة علي المحيطات والأنهار والتي يسمح ارتفاع الأرض فيها بأن تغمرها المياه مثل دلتا مصر. وكثير من بلاد العالم. فإن طغيان المياه علي اليابسة يمثل في نظرنا انتقاصاً منها. وهذا الانتقاص يجيء من أطرافها. ليعد صورة مما تشمله دلالة الآية الكريمة "أو لم يروا أنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب". فإن انتقاص أطراف الأرض قد يكون بدخولها تحت المد المائي فلا يقدر الناس علي الإقامة فيها. ولا يستطيعون أن يحتفظوا بعقاراتهم وعماراتهم عليها. ويضطرون قسراً للفرار منها إلي أماكن أخري. ومعني لفظ الأرض يستوعب في دلالته هذا المعني.
لقد ورد لفظ الأرض في القرآن الكريم أكثر من أربعمائة وستين مرة. وهو في كل تلك المرات إما أن يدل علي الكرة الأرضية كلها بما عليها من الماء واليابسة. ومن ذلك قوله تعالي: "لله ما في السماوات والأرض إن الله لهو الغني الحميد". وقوله تعالي: "يدبر الأمر من السماء إلي الأرض". وقوله تعالي: "الحمد لله فاطر السماوات والأرض" وقوله تعالي: "وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات والأرض". وقوله تعالي: "له مقاليد السماوات والأرض". وقوله تعالي: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله". وقوله تعالي: "فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض". وقوله تعالي: "يعلم ما في السماوات والأرض" والآيات في هذه المعني كثيرة. وهي تدل علي أن المراد بالأرض منها ما يشمل الماء واليابسة.
وأما أن يكون المقصود بالأرض هو اليابس منها وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد ذلك. ومنه قول الله تعالي: "فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها". فإن المراد بالأرض هنا اليابسة المنبتة لتلك الثمار لأنها لا تنبت في الماء. ومن ذلك قوله تعالي: "وقيل يا أرض ابلعي ماءك وياسماء اقلعي". فإن المراد بالأرض نا هي اليابسة التي تبلع الماء. ومنه قوله تعالي: "يوم تشقق الأرض عنهم سراعا". وقوله تعالي: "وننزل من السماء ماء فنحيي به الأرض بعد موتها" وقوله تعالي: "أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها" وقوله تعالي: "يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم الأرض ولا تكتمون الله حديثا". وقوله تعالي: "قال اجعلني علي خزائن الأرض". أي الدولة. وقوله تعالي: "غلبت الروم في أدني الأرض". أي التي يعيشون عليها. وقوله تعالي: "يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض". أي علي الناس في الجهة التي تقيم فيها. ومن ثم كان معني الأرض مقصوداً به اليابسة. فإذا جار الماء عليها كان ذلك انتقاصاً منها. وهذا الانتقاص لا يستبعد أن يكون من ضمن ما يدل عليه قول الله تعالي "أو لم يروا أنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها". يرجح ذلك أن الآية الكريمة قد ذيلت بما يدل علي أن ذلك الانتقاص نوع من القدر الذي يجريه الله علي عباده ولا طاقة لهم في رده إذا ما جري عليهم حكم الله به والله يحكم لا معقب لحكمه. كما يدل عليه ما يشهد به الواقع من وجود مدن بأكملها تحت الماء. وقد تم استخراج كثير من المنتجات الأثرية أمام مدينة الإسكندرية من تحت الماء في البحر المتوسط منذ أعوام وهذا دليل علي أن كتلة الماء تمتد كل فترة لتنتقص من أطراف الأرض. إن صح ذلك يكون نوعاً من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
والله أعلى و أعلم.