كان هذا السؤال عنوان تحقيق خاص كتبته نشوى الحوفي بالمصري اليوم. التحقيق مثير للانتباه لدرجة دفعتني لمناقشة هذه الفكرة مع أحد الأصدقاء، فأخبرني بكلمة كان يقولها لهم دائما أستاذه بالجامعة، وهي: ” إذا كنت بتحب مصر، اخرج بره مصر، لأنك طول ما إنت بعيد عنها هتفضل تحبها ”، والكلمة بقدر ما هي طريفة بقدر ما هي معبرة.
أنقل لكم مقتطفات من المقال:
“أيهما يسكن الآخر ويعيش فيه، الوطن أم الناس؟ أيهما يمنح الآخر الوجود والديمومة والحياة، وهل يجوز للإنسان أن يرفض علاقته بوطنه في حال تخلي عنه هذا الوطن، أو أهمله، أو قسا عليه؟ أسئلة باتت تتردد بشكل أو بآخر على ألسنة المصريين مع اختلاف أعمارهم ومستوياتهم، ويزيد الكبار والشيوخ على ما مضى أسئلة أخرى: أين مصر التي عرفناها في الماضي.. وأين وجهها الصبوح؟ ونطرح نحن التساؤل رغم قسوته بمزيد من الوضوح لكل المصريين: «إنت لسه بتحب مصر؟».
في البداية لابد من توضيح حقيقة عبارة رددناها على مدار السنين بعدما انطلقت حروفها على لسان الزعيم المصري الراحل مصطفي كامل في إحدى خطبه الشهيرة التي ألقاها مردداً: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، وهي عبارة مازالت تتردد بيننا ولو على استحياء.

أما حقيقتها فجاءت في كتاب الراحل مصطفي أمين «من واحد لعشرة»، الذي نشر فيه نص رسالة كان قد كتبها الزعيم المصري مصطفي كامل لصديق كفاحه الزعيم محمد فريد، شرح له فيها سبب إطلاقه تلك العبارة، مؤكداً أنه ما قالها إلا ليلهب حماسة الجماهير التي وصفها بالخمول، وبحاجه بين الحين والآخر لمن يخرجها من سباتها حتى تنهض للمطالبة بحقوقها.
الطريف أنه يمكنك عند البحث على شبكة الإنترنت عن تلك العبارة، العثور على تعليقات ساخرة من شباب يختلفون في الثقافة والمستوي الاجتماعي يربطون بينها وبين جنسيات أخرى عند وقوع أي حادثة تبين مدى الفارق بين حقوق الإنسان في مصر وحقوقه في أي بلد آخر، فعندما استقالت وزيرة الدفاع اليابانية يوريكو كويكي من منصبها بعد اكتشافها تلقي موظف في وزارتها أدوات لعبة الجولف كنوع من الرشوة، جاءت التعليقات لتستبدل الجنسية في العبارة على النحو التالي: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون يابانياً»، وعندما قررت أستراليا منع تصدير الخراف لمصر لعدم احترام الأخيرة قواعد الرحمة مع الحيوان، جاءت التعليقات أكثر سخونة على نحو: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون خروفاً!!» وهكذا.
الرغبة في استبدال الجنسية لم تدل عليها التعليقات على الإنترنت فقط، ولكنها جاءت عبر نتائج بحث كان قد أجراه مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء منذ نحو العامين، وجاء فيه أن نحو ٨٩% من المصريين يرون أن لا حل لما يواجهونه من مشكلات إلا بالهجرة إلي بلاد الله.
الغريب أنه في أحلك لحظات الهزيمة التي مرت بها مصر كان هناك حب وولاء يسكن القلوب لهذا الوطن المكنون في الجوانح، لم تتغير مكانته ولم نبحث عن وطن آخر، لم نفكر في هجرة جماعية تبعدنا عنه، لم نحلم بوطن آخر يسكننا ونسكن فيه، خرجنا ننادي بالحرية والثأر رافضين الاستكانة وضباب الشتاء الذي خيم علينا. نعم نحبه من روحنا ونفتديه بالعزيز الأكرم.

ولكن..
هل يمكن أن يعيش حب من طرف واحد إلى الأبد؟….”