السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلت للتو من مدينة مكة المكرمة بعد مرور أول أيام عيد الفطر المبارك مروراً شاقاً
فأنا من سكّان مدينة جدة كما يعلم الجميع..

نعم فارق الحياة زوج خالتي رحمه الله أسأل الله أن يغفر له ويرحمه
سبحان الله أتم رمضان كاملاً وهذه نعمة من الله ، أسأل الله أن يكتبه
ممن صامه إيماناً وإحتساباً فغر له، فسبحان الله لم يقضي يوماً واحداً بعد رمضان.

سبحان الله .. سبحان الله .. سبحانك يالله حكمتك في هذه الحياة.

خرجت كعادتي في أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله عليكم بالخير
لأزور عماتي وأعمامي في جدة، وكبار العائلة كما هو المعتاد، وعند وصولي إلى أول بيت
في تمام الساعة التاسعة صباحاً وإذا بالخبر يصعقني أن زوج خالتي قد توفيّ اليوم صباحاً

لا إله إلا الله .. ولا حول ولا قوة الا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون
لم أكد لأصدق الخبر.. زوج خالتي ؟؟!! ذلك الإنسان بكامل صحته ما شاء الله
وأول أيام العيد ؟ يا إلهي كتبت علينا الموت .. الموت الحق
إستعدت قواي وإنطلقت إلى مكة المكرمة ، وفي الطريق ..
العديد من الإتصالات .. كيف توفّى ومتى وكيف وأين ولماذا وهل تعب قبلها وهل صلّى العيد .... ؟؟؟؟

نعم قام اليوم وهو بكامل صحته وصلى الفجر وخرج لصلاة العيد وصلى والحمد لله
رجع إلى البيت وقام بعدد من الإتصالات لينظم الزيارات في هذا اليوم المبارك
عاد للبيت ليرتاح قليلاً بعد خطبة وصلاة العيد ببيته في مكة المكرمة .. ثم ؟

سمعت خالتي وهو نائم صوت خشرجة في صدره فظنت أنه ربما قد عطش أو شرق ..
ذهبت لإحضار كوب الماء له، لتنادي عليه ليشرب ولا حياة لمن تنادي
لا إله إلا أنت ربي ولا حول ولا قوة الا بالله ، أكتب لكم والدمع يقف هاهنا

كان ذلك الصوت هو الوداع الأخير وخروج النفس إلى بارئها إنا لله وإنا إليه راجعون
فزعت خالتي واتصلت بالمستشفى وأرسلوا الإسعاف وأخذوا زوجها ..
ثم أصدر التقرير الطبي: خشرجة .. كتمة .. جلطة .. سكتة قلبية ..
تعددت الأسباب والموت واحد ، الموت الذي ننساه أو نتناساه
الموت الذي لا مفر منه ، الموت الذي لا نستعد له إلا مارحم ربي
كل إبن آدم خطاء وأنا أولهم، الكثير من الذنوب التي نراها صغيرة
وهي كبيرة أو ستصبح كبيرة وعظيمة.. غيبة ونميمة ..
وأبسطها مثالاً سماع الغناء والتي لا أسمعها ولله الحمد

مات زوج خالتي ووضع بثلاجة الموتى ، وكلنا سنموت
ولكن هل نحن مستعدين للقاء خالقنا هل أعمالنا تكفي؟

كلنا لها .. فهذه سنة الحياة .. الدنيا ممر فلا تجعلها مقر .. الدنيا فانية
كل نفس ذائقة الموت .. إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وإعمل لآخرتك كأنك تموت غداً

لم تتمالك خالتي نفسها فهي تبكي دون توقّف
زوجها توأم حياتها، تركها فهذه سنة الحياة
أقول لها إنا لله وإنا إليه راجعون
الصبر الصبر يا خالتي
هذا حال الدنيا
إن شاء الله ذهب إلى الأفضل
في أعلى مراتب الجنة بإذن الله
خرج من رمضان نظيفاً
.....

أبناؤه يدرسون بمصر، محمد وعمرو أبناء خالتي متزوجان
هالهم الخبر وأفزعهم وأجهشوا بالبكاء ولا يملكون له إلا الدعاء
السفارات والقنصليات مغلقة وبلا موظفين ..
عاجزون عن الحضور، وبهذا تتأخر الإجراءات أكثر ..

زوج خالتي الذي بلغ من العمر 63 عاماً خدم بقطاع حكومي
بمكة المكرمة 33 عاماً وربما أكثر
33 سنة في عمل واحد أخلص فيه، عمل طبيباً وزوجته كذلك معه
في نفس القطاع بقسم النساء.
سبحان الله سنوات طويلة عاشوها بمكة وكانوا قريبين من بعضهم
أكثر مما تتصورون أو أتصور أنا .. علاقة قوية ووطيدة
تفرقت بحكمة الله وقدره. الحمد لله على كل حال
كان على موعد مع الدوام اليوم فلديه مرابطة
فسبحان الله ، ترك الدنيا بما فيها ..
عند وصولي لمنزله . وقفت لأتأمل سيارته وأقول
سبحان الله لقد ترك الدنيا من كان يقودها ويحكها سنيناً طويلة ..

بدأت الإتصالات بعد وصولي والمحاولات لإكمال الإجراءات الخاصة بالسفارة والدفن بالحرم ..
وبدأ الناس والجيران والأحباب وزملاء العمل يتوافدون على المنزل
يتحدثون عنه بكل خير ويدعون له
كلما تحدثوا، أمسك الدموع بعيني

إنسان طيب وكريم وعلى خلق رفيع ومحبوب جداً في العمل
محبوب لدرجة أنهم افتقدوه لمجرد عدم حضوره لعمله اليوم
فاتصلوا مباشرة ليصعقوا بالخبر
وصل سعوديين وأجانب .. و ...
يذكرون أنه لم يأته أحد إلا ولبى طلبه
وسعى له .. ويتذكون أيام شبابهم معه
حينما جاء طبيباً لسنوات وكانوا خريجين جدد وهكذا ..
وقصص كثيرة لا تدل إلآ على الكرم والجود وحب الناس.

جاء رجل يظهر عليه الجنسية الأندنوسية فجلس
فسألني أخي الأصغر من هذا، فقلت لا أعلم

وبعد قليل وقف الرجل ليقول باللغة الإنجليزية
لقد عملت مع الدكتور زكريا ممرضاً لفترة قصيرة، الأربعة أشهر الماضية
كان طيب القلب وكانت أفضل لحظات عمل عملتها
وقد كنت على موعد معه بعد العيد لأقابله
ولكن .. لسوء الحظ .. الله يريد ذلك .. ولم يستطع إكمال الحديث
فسلّم علينا سريعاً وخرج

تسهّلت الإجراءات مع وصول عدد كبير من إتصالات كبار رجال مكة
ولواءات سهلوا صعوبات وجوب موافقة الأبناء الفعلية حضورياً على الدفن
تم غسله بأقرب مسجد للمستشفى، ليصلى عليه بعد صلاة العصر بالحرم المكي
وتم التشييع والدفن في مقابر المعلاه المعروفة بمكة المكرمة والقريبة من الحرم

وبعدها عدنا وجهزنا لأمور العزاء من كراسي وتجهيزات أخرى ..

وعدت بعد صلاة العشاء إلى جدة وقد زارت زوجتي الأقارب والأهل .. بصحبة أباها
واعتذرت من الجميع عن عدم مقدرتي الحضور لتلك الظروف..

عدت لأكتب لكم هذه الكلمات التي أتمنى أن لا تكون ثقيلة، ولعل فيها العبرة

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم وأهليكم من كل مكروه
وأن يحسن خاتمتنا وخواتيم أعمالنا أجمعين
وأنا لا يجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا

لا إله إلا الله .. ولا حول ولا قوة الا بالله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون