بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيد الرسل والأنبياء سيدنا محمد بن عبدالله وآله وصحبه والتابعين.
أما بعد...
كثر مؤخرا الجدل الدائر حول مدى تأثير الشهاده التقنية في الحصول على عمل مرموق في عالم تقنية المعلومات وإدارة الشبكات.
وفي محاولة مني جد متواضعة في البحث عن إجابة شافية لهذا اللغط الدائر في أوساط المجتمع التقني. أضع بين أيديكم هذا المقال متمنيا أن يسهم ولو بالقليل في العثور على إجابات شافية لهذه المشكله.
قبل أقل من عشر سنين كانت الشهاده التقنية ذات تأثير كبير لمن أراد بدأ حياته المهنية بالعبور من باب واسع إلى عالم تقنية المعلومات وإدارة الشبكات، وأشير هنا بالتحديد إلى الفتره الزمنية الواقعة ما بين النصف الثاني من العقد الماضي وبين بداية العقد الحالي.ولكنها اليوم ما عادت تشكل ضمانا للبادئين بهذا المجال في حصولهم على وظيفة الأحلام.
فلو سألنا عن السبب الكامن وراء مثل هذا التراجع الكبير في مدى تأثيرها على نيل وظيفة العمر، وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل يمكن أن نحدد أسباب هذا التراجع في عشر من المشاكل، سنعرج بقليل من التفصيل على كل منها.
المشكله الأولى: أرتباط الشهاده بمنتج لشركة معينة.
****************************************
والمقصود هنا أن الشهادات التقنية مرتبطة بشكل كامل بمنتج تقني معين فشهادات مايكروسوفت مثلا تبني الأساس المفاهيمي الذي سيعتمد عليه التقني في إدارة الشبكات المحكومة لبرامجها كنظام النوافذ الخاص بالخوادم " Windows Server " وكذلك شهادات سيسكو وغيرها...
والمشكله هنا في تعدد الشركات المنتجة لهذه الشهادات.
وأذكر هنا أن هناك تفاوت في كثير من الأحيان موجود في بعض المفاهيم التقنية فكل شركة تنظر للتقنية من وجهة نظر خاصة إلى حد ما. وبالتالي فشهادة شركة ما تثبت إمتلاك التقني للمعلومات الأساسية الخاصة بإدارة برامجها أو أدواتها التي تنتجها... فهل يجب أن يحصل التقني على شهادات من كل الشركات ليثبت قدراته التقنية؟!
المشكله الثانية: دورة عمر الشهاده.
***************************
كون الشهادات مرتبطة بمنتج معين لشركة ما، فهذا الأمر يتيح للشركة المجال في تعديل محتوى ومنهاج الشهادة بل وربما إستبداله كاملا، وذلك حسب تطور المنتج بالطبع، والمشكله في ذلك أن الأمر عائد للشركة نفسها ولا يحكمها في ذلك شئ خصوصا فيما يتعلق بعمر الشهاده، أكيد مثل هذه المشكله في كثير من الأحيان تجبر التقني على متابعة تحديث الشهادات بشكل دوري ولا يبدو أن لهذه العملية نهاية. وهنا تحديدا تكمن المشكله.
المشكله الثالثة: الشهادة غير موجهة فعليا للعالم الحقيقي.
********************************************
وبما أن الشهادات مرتبطة بمنتج معين فهذا يقودنا للإستنتاج أنها لا تؤهل الدارس بشكل حقيقي لمواجهة تحديات الحياة العملية، ببساطة بالغة أقول أنها تعالج منتج خاص بتلك الشركة، فعلى سبيل المثال لا الحصر حامل شهادة مهندس الشبكات من مايكروسوفت " MCSE " لا يكون مؤهلا على الإطلاق للإشراف على شبكة تعمل في بيئة عمل لينوكس.
المشكله الرابعة: فقدان القيمة.
************************
معظم الشركات قد فقدت الثقة بحملة الشهادات التقنية إلى حد بعيد، وقد قمت بتلخيصها في النقاط التالية:-
1- نماذج الاختبارات التي تطرحها شركات مثل الـ " Pass4Sure " وكذلك " TestKing " وغيرها، تلك التي يطلق عليها " Brain Dumps " أو كما يحلو لي تسميتها بالعربية نفاية الدماغ فهذه توفر أسئلة الاختبارات الحقيقة تقريبا مما يوفر النجاح للكثيرين بكل سهولة ويسر.
2- المعرفة النظرية دون تدعيمها بالتطبيق العملي، فنسبة كبيره ممن يحصلون على هذه الشهادات في هذه الأيام يفتقرون وبشكل كبير للقدره على التطبيق العملي بالمستوى الذي تطلبه الشركات.
3- ضعف الاختبار نفسه، فعلى الرغم من المحاولات الدائره حاليا من شركات مثل مايكروسوفت وسيسكو العمل على جعل إختباراتها أقرب إلى الواقع العملي وذلك بواسطة تضمينها بعض الأسئلة ذات طابع المحاكاه " Simulations " إلا أنها لم تنجح بعد في الوصول به إلى القدره على قياس مهارات حقيقة تضاهي مستوى بيئة العمل. فالأسئلة تتصف بضعف الاعداد وهي أبعد ما تكون عن الواقع العملي، ومعظمكم قد لاحظ ذلك.
4- قد تكون التطبيقات العملية الممنهجة ( هي تطبيقات مستقاه من واقع عملي وتمت منهجتها بعناية وتحتاج لمدربين بمهارية عالية لتدريب الطلاب عليها ) أن هذه التطبيقات مهمة جدا في التدريب. ولكنها غير واسعة الانتشار بسبب تكلفتها العالية والكفاءات المطلوبة من الكادر التدريبي.
5- ثبات أسئلة الإختبارات لمده طويله من الزمن تصل في بعض الأحيان لسنة كامله دون تغيير. الأمر الذي يجعلها وبكل تأكيد عرضة للمتاجره.
المشكله الخامسة: عدم وجود جهة معيارية.
*********************************
في هذه الحالة لا تكون الشركات المنتجة للشهادات التقنية ملزمة بمعيارية واحده للمفاهيم التقنية فمفهوم تقني في شركة ما قد يختلف إلى حد ما عنه في شركة أخرى.
وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر. مفهوم تقسيم الشبكات " Subnetting " حيث تعالجه شركة سيسكو بطريقة مختلفة نوعا ما عن طريقة معالجة مايكروسوفت له.
والمقصود هنا أن توحيد المفاهيم وطرق التطبيق عامل مغيب وهذا في حد ذاته مشكله تسهم في إضعاف الشهادات التقنية.
المشكله السادسة: الدرجة الجامعية أم الشهاده التقنية أم الخبره العملية.
************************************************** ***
هنا تتضارب الآراء كثيرا حول هل الحاجة للدرجة الجامعية أهم؟ أم أن الحاجة للشهاده التقنية أكثر أهمية؟ أم الخبره هي العامل الأكثر تأثيرا في الحصول على الوظيفة المثالية في عالم التقنية، وإدارة الشبكات؟
ويبدو أن اللغط سيظل إلى الأبد حول هذه النقطة. وهنا نقول أن الدرجة الجامعية كما الخبره العملية هما منافسين للشهاده التقنية، الأمر الذي يقلل من قيمة الشهادات التقنية في سوق العمل.
المشكله السابعة: مدراء الموارد البشرية وبعدهم عن الواقع العملي.
**************************************************
إن السواد الأعظم من مدراء الموارد البشرية في الشركات فعلا هم بعيدون كل البعد عن الواقع العملي فيما يخص سوق تقنية المعلومات، علما بأن هؤلاء وفي معظم التخصصات الوظيفية لهم الدور الأكبر في توضيح حاجات ومتطلبات سوق العمل، الأمر الذي يفقد كل من يخطط لدخول عالم التقنية وإدارة الشبكات أحد أهم المصادر في عملية تحديد المهارات وبالتالي الشهادات الأكثر طلبا في السوق.
فالمعظم منهم يتجنب ذكر الشهادات التقنية عند عرضه لشاغر وظيفي متعلق بتقنية المعلومات ويركز على الدرجة الجامعية والخبره العملية، وبعضهم يشترط توفر أحدث الشهادات التقنية، والبعض يطلب الشهادات التقنية المدعمة بالخبره العملية دون الإتيان على ذكر نوع محدد من الدرجة الجامعية.
المشكله الثامنة: تخفيض الميزانيات.
****************************
عامل آخر مهم جدا في التأثير السلبي على سوق الشهادات التقنية وبالتالي ضعف تأثيرها، فالشركات في غالبها أوقفت مشاريعها الخاصة بدعم تدريب الموظفين لنيل الشهادات التقنية.
ثم أن بعض الشركات وصل بها الأمر إلى تجنب طلبها من موظفيها تطوير أنفسهم بالحصول على مثل هذه الشهادات خوفا من فقدانهم، حيث ترى مثل هذه الشركات أن الموظفين المتميزين سيبدأون بالسعي للحصول على وظائف أفضل بمجرد نيلهم لهذه الشهادات. وخسارتها لخدمات مثل هؤلاء المتميزين هو آخر ما ترغب به أي شركة.
المشكله التاسعة: العدد الضخم لحاملي الشهادات التقنية.
*******************************************
فئة كبيره من الناس عرفت من أين يؤكل الكتف.. كما يقول المثل ، ففي أيام عز الشهادات وذروة تأثيرها ظهرت تلك الفئة التي لا هم لها سوى الحصول على الشهاده بغض النظر عن الفهم المطلوب لأساس التقنية وهؤلاء من نسميهم بالـ " Paper Certified " فقد ساهم مثل هؤلاء وبشكل كبير في فقدان الشركات لثقتها بحملة الشهادات التقنية.
المشكلة العاشره: أي الشهادات أهم؟
*****************************
حقيقة لا أحد يعلم فعليا أي الشهادات كفيلة بتوظيفك. ولا أحد يعلم كم من الشهادات يلزمك للحصول على وظيفة مرموقة؟
المشكله هنا أن الأقوال متضاربة لدرجة كبيره ، فما أن ينهي أحدنا تلك الرحلة الشاقة للحصول على شهادة ما ، تجد من يقول لك أنك لو حصلت على شهاده من الشركة الفلانية فستحصل على وظيفة متميزة، وتبدأ الرحلة من جديد.
وبدون إجابة واضحة على هذين السؤالين لن نعرف أبدا ما هي الشهاده المطلوبة؟ ولن نعرف كم من الشهادات نحتاج؟.
أتمنى أن نجد حلولا مناسبة لبعض هذه المشاكل فمن أراد بداية صحيحة في هذا المجال فلابد أن يكون على وعي تام ودراية كبيره بالحلول المناسبة.
وتقبلوا خالص التحية.
أبو محمود
المفضلات