بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يعني أن تكون طالب جامعة مغترب؟ طالب طب؟


بإذن الله تعالى فإننا جميعاً سنصل إلى النقطة التي نقرر فيها سير حياتنا, هل نتوجه إلى سوق العمل أم نكمل دراستنا؟ و هي واحدة من أهم القرارات في حياتنا, يجب على كل شاب و فتاة أن يكون حسبها من سنوات قبل تخرجه من الثانوية العامة, لأن أول أسس النجاح في أي شيء هو القيادة و ليس الانقياد. كثير من الشباب خلال فترة الثانوية العامة لا يعرف ما هو المجال الذي يريده بعد! على الأغلب فإن الإجابة التي ستسمعها هي "على حسب المعدل", مما يعني أنه يدع معدله يقرر تخصصه لا أن يقرر هو معدله و بالتالي تخصصه.
عليكم أيها الشباب أن تقرروا من الآن ماذا تريدون أن تصبحوا في المستقبل, ما هي مهنتكم و ما هو دوركم في الحياة (مهنتك ليست بالضرورة هي دورك في الحياة, على سبيل المثال فالدكتور راغب السرجاني هو طبيب و لكن دوره المعروف هو الخطابة و القاء الدروس) إلى أين تريد أن تصل في حياتك؟

من الآن أمسك ورقة و ابدأ بخط أهدافك العامة في الحياة و أهدافك للشهور القادمة و السنة القادمة بالتفصيل, ثم أهداف شبه مفصلة عن الخمس سنوات المقبلة, ابدأ من الآن حتى لو كنت انتهيت من جامعتك. قسم أهدافك إلى مالية و اجتماعية و صحية و دينية, و استمر على هذه الخطة و انظر إلى أين تصل.

لا تنسوا أيها الشباب صلاة الاستخارة قبل أي اختيار, و الله إن لها لمفعول السحر بل أعظم و من جربها بصدق يعرف, لا شيء يخفى عن الله و لا شيء يعجزه فسلم أمرك تماماً لله و اسأله أن يختر لك الأفضل في دينك و معاشك و عاقبة أمرك و لن تخيب بإذنه.

و الآن بما أنكم قررتم ما الذي تريدون أن تدرسوه في الجامعة, و قررتم أي جامعة ستدخلون, عليكم أن تفكروا قليلاً بحياة طالب الجامعة, و كطالب طب يمكنني أن أعطيكم لمحة عن حياة طالب الطب عموماً أيضاً
الحياة الجامعية ستختلف اختلافاً كبيراً باختلاف البلد الذي تدرس فيه و هل تعيش مع أهلك أم تعيش بعيداً عنهم (عازب), و ما هي الجامعة التي تدرس فيها و التخصص الذي اخترته

بشكل عام فإن الطالب الذي ما يزال يعيش مع أهله ليس عليه القلق بشأن شقته و ما يجري فيها, كغسيل الملابس و الأكل و التنظيف... أما بالنسبة للطلاب العزاب المساكين كحالتي فإن على رأسهم مجموعة من الأشياء التي يجب أن يبقوها في بالهم.

-السكن
من أهم الأشياء التي تؤثر على راحة الطالب سكنه, بعد السكن عن الجامعة و مساحته و مدى الرفاهية فيه. و البيت سيختلف بكل تأكيد باختلاف البلد التي يذهب إليها الطالب, فمثلاً في أوروبا ليس عليك أن تقلق بشأن سكان العمارة الآخرين, هل هم متزوجون أم عزاب, كل ما عليك أن تستفسر عنه هو الإيجار و إذا ما كان يشمل تكاليف الكهرباء و المياه و الإنترنت و ضرائب البيت (ضريبة الصرف الصحي, ضريبة تنظيف الشارع و تحسين المظهر العام, ضريبة العقار... الخ)
عليك أيضاً أن تهتم بعدة أمور "فرعية" و تعتبر ثانوية لكن مع الوقت ستكتشف مدى أهميتها, مثل بعد موقف الحافلات عن بيتك و أقرب صراف آلي لك و قربك من السوق. قد لا تكون موفقاً في أول شقة تستأجرها عند قدومك (و التي غالباً ما تكون مضطراً لاستئجارها لأنك تحتاج مكاناً تمكث فيه إلى أن تتعرف و تعتاد على البلد) و لكن ستتعلم الدرس في الشقق المقبلة!

من المهم أيضاً أن تهتم بموضوع مشاركة السكن, ليس فقط من باب التخفيف في التكاليف, بل أيضاً من ناحية المؤانسة (لا تنس أنك الآن وحيد في هذا البلد, و لا يوجد عندك أحد يسليك أو تتحدث معه) و المساندة. و بالنسبة لهذه النقطة فإنه يجب عليك أن تختار شريك السكن بعناية, و نصيحتي لا تختر "صديقك العزيز" كشريك في السكن لأن الخلافات ستدب بينكم و ستؤثر على علاقتكم القديمة.
طبعاً هناك أيضاً خيار السكن الجامعي, و هذا يعتمد على المنطقة التي تدرس فيها, فإذا كانت الجامعة في منطقة لا تتوفر فيها شقق كثيرة للإيجار بسعر مناسب فسيكون سكن الجامعة مناسباً في هذه الحالة, و لكن تحضر لكثير من المفاجأت خلالها!!
تحضر لأن تلتزم بجدول محدد للخروج و الدخول من السكن, و الاقتحام المتكرر للغرف للتأكد من عدم حيازة "ممنوعات" و غيرها من "الأفلام العاطلة"!!

-الجامعة و الدراسة
اختر جامعتك بعناية, و يفضل لو تسأل مجموعة من طلابها عن رأيهم فيها. الطلاب مصدر ممتاز لمعرفة الجامعة ليس فقط من حيث مستواها التعليمي بل أيضاً من ناحية طريقة تعامل البروفيسورات و مدى تنظيم الإدارة إلخ من الأمور الخفية التي لا تعرف من الخارج أو بمجرد زيارة للجامعة

كطالب طب بشري, هناك خياران للجامعات, إما أن تختار الدراسة في جامعة "تقليدية" و هي التي تعتمد و تتمحور حول البروفيسور لشرح المادة أكثر منها حول الطالب, مما يعني أن كل ما عليك فعله هو تدوين الملاحظات من وراء الدكتور و استيعاب ما يريده من المادة لتجتاز الاختبار. الطريقة الأخرى للدراسة هي الطريقة الحديثة, و هي تعتمد على الطالب بذاته. فيدخل البروفيسور و يشرح جزءاً من الكتاب (الذي سيكون كتاباً عالمياً معتمداً لتدريس الطب), و ربما لا يشرح جزءاً من الكتاب على الإطلاق و يتكلم في جزئية بالتفصيل طوال المحاضرة ثم في النهاية يقول لك "هذه المحاضرة لا علاقة لها بالمادة بأي شيء!". هدف هذه الطريقة هي جعل الثقافة أساس العلم عند الطلاب, فيقوم الطالب بالبحث في الكتب و التنقيب فيها ليتعلم و يتعرف ولا ينتظر البروفيسور ليشرح المادة و يدون هو من خلفه, و يكون البروف مجرد "موضح" للمادة لا أكثر و ليس مصدراً لها

كليات الطب في الأردن و مصر تعتمد الطريقة التقليدية, أما الجامعات الألمانية فتعتمد الطريقة الثانية, و بعض الجامعات الفرنسية و البريطانية تدرس باستخدام الطريقة القديمة (خاصة الجامعات التاريخية العريقة)

الآن كطالب طب لا تتوقع أن تكون حياتك سهلة, و لا تتوقع أن تكون كل علاماتك A+ كما كان الحال في المدرسة!! مقاييس الجامعة تختلف تماماً عن المدرسة. طالب الطب يقضي ما معدله 18 ساعة بين الكتب و في الدراسة, و يفترض أن يكون وقته هذا موزعاً بين قاعات المحاضرات و المكتبة و المختبرات
في كلية الطب ستتعرض لكثير من المواقف المحبطة, و ستتلقى الكثير من الصفعات (المعنوية طبعاً), لكن إياك إياك أن تيأس! خاصة في السنة الأولى و الثانية, يكون هدف بعض الجامعات تقليل عدد الطلاب قدر المستطاع ليبقو على الـ Best of the best. دائماً اجعل طموحك أن تكون من الذين يكملون سنوات الجامعة كلها من دون تغيير التخصص الذي دخلته عن قناعة و حب و ليس لأن معدلك أدخلك هذا التخصص أو لأنه كان "اقتراحاً" من شخص تعرفه. آمن أنك واحد من المتفوقين في الكلية و اجعل همك أن تكون من الذين يفهمون و يدرسون ليفهموا لا من أجل العلامة و الاختبار

لكن يا شباب, هناك اعتقاد خاطئ أن الذي يريد تحصيل علامات عالية لا يمكنه الخروج من البيت و التسكع خارجاً!
و بتجربة شخصية, لا تظلم نفسك و اسمح لنفسك بأن تكسر القواعد قليلاً. اجعل لك يوماً تخرج فيه مع أصدقاءك و "تدشر" فيه كبقية الشباب (طبعاً ضمن حدود الشرع و لا تخرج أبداً إلى دائرة الحرام). جرعات "الصياعة" هذه تمنحك دفعة قوية في دراستك, و سترى نفسك إن أنت وازنت جيداً بين وقت اللهو و الدراسة كيف ستتحسن و تصبح من أفضل الطلاب.
تعلم كيف "تستقرأ" أيامك المقبلة و تقرر إذا ما كان يمكنك الخروج من البيت لمشوار أو أن عليك البقاء و الدارسة أو الاهتمام بأمور البيت. ستتعلم مع الوقت كيف توازن بين أمورك, و ستتعلم كيف تقضي وقتك بالمرح و في نفس الوقت تنهي ما عليك من دراسة و علم. لا تهمل جانبك المرح أو الشبابي

-أيام العطلات (الويك اندز و أيام الأعياد)
أنت كشاب عازب تعيش وحيداً (أو مع شباب آخرين) في الشقة تحتاج إلى أن تهتم بأمورها قليلاً, دورة المياه تحتاج من ينظفها, المطبخ يحتاج من يغسل الأطباق فيه و ينظف الأرضية من آثار الطبخ, غرفة كل واحد منكم تحتاج إلى "نفض" و ترتيب للملابس و الفوضى التي تراكمت مع سرعة نبض حياتك الجامعية اليومية. ملابسك, خاصة الداخلية منها تحتاج إلى أن تغسل لتكون مستعداً للأسبوع القادم. لا تدع هذه الأشياء تتراكم أو تهمل في تنفيذها, فهي ذات أثر عميق فيما بعد و خلال دراستك و يومك في الجامعة.
هناك كلام يجب أن يقال هنا, و لا حرج من ذكره ما دمنا لم نخرج عن نطاق الأدب و الدين, على الأغلب فإن الجامعة التي ستدرس فيها ستكون مختلطة. و ستكون لك زميلات من الفتيات, احرص على أن يكون مظهرك العام لائقاً و انتبه! أنت لا تحسن مظهرك و تحسنه من أجل أن تراك الفتيات حسن المظهر, بل من أجلك أنت. اجعل نيتك لله و ابتعد عن شبهات الشيطان و حبائله. الإناث لهم نظرة ثاقبة في الملابس و المظهر, أمور لا يهتم لها الشباب و لا يرونها!! الطبيعة الانثوية!

ستقف يوماً ما أمام جمع من الطلاب, و ستتكلم أمامهم إما بشرح جزء من المحاضرة أو ضمن نشاط من النشاطات الجامعية. يا حلاوتك إذا كنت ستلقي أمام حشد فيه فتيات!! :D ستسمع التعليقات بعد نزولك عن المنصة منهن عن أشياء لا علاقة لها بالمحاضرة من قريب أو بعيد "رباط حذائه لم يكن مربوطاً!" "حذائه كان متسخاً من جانبه" "قميصه كان مجعداً من جهة كتفه" إلخ إلخ!! :D :D :D
تجنب هذه التعليقات من البداية و اجعل مظهرك يبدو "مثالياً", لا تبالغ في التزين و التعطر و التحسين, و لكن البس لباسك العادي الذي تلبسه دائماً مع الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة و ستنجو بإذن الله! :D

اهتم بأكلك جيداً, و راقب وزنك. بكلامي هذا أعني أنك ستكون الآن حراً باختيار ما تشاء من الأطعمة, ستجذبك مطاعم الوجبات السريعة و غيرها, لا تكثر منها. حاول أن تأكل أكلاً متنوعاً و لا تنس الخضروات, احصل على كفايتك من الحديد و الفيتامينات. حاول قدر المستطاع أن تستغل قدرات مطبخك, اشتر قدوراً و ثلاجة و ابدأ بطبخ أي أكلة قد تأكلها في بيتك (أكل بيتي). حاول أن تطبخ بعض الحبوب مع الأرز, جرب و تفنن... لكن ليس أيام زحمة الدراسة!!
إذا كنت في بلد غير مسلم فانتبه جيداً لمكونات الأطعمة, هناك بعض الأطعمة التي ستراها تباع نفسها في بلدك و لكن حتى هذه اقرأ مكوناتها, فالمكونات قد تختلف من بلد لآخر طبقاً لمعاييره, و إذا كنت في بلد إسلامي فإنهم لن يضيفوا مواداً محرمة و لكنهم قد يفعلون في البلد الغير مسلم لعدم وجود مانع. خاصة بالنسبة للمثلجات (الآيس كريم) و الحلويات التي يدخل في صناعتها الحليب أو الزبدة, مثل البسكويت و الشوكولاته. هذه أطعمة يكثر وجود دهن الخنزير أو الكحول فيها. لا تشتر أي نوع لحوم (و يدخل في ذلك السجق و المرتديلا) إلا من عند تاجر يبيع لحماً مذبوحاً على الطريقة الإسلامية